مختارات اقتصادية

التطورات التكنولوجية المتسارعة تثير قلق البشرية… فهل خرجنا عن السيطرة؟

تعيش البشرية في أسرع عصر يشهده التاريخ، عصر التكنولوجيا والتقنية والحلول الرقمية. فبين روبوتات الدردشة، الأجهزة الالكترونية، الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، السيارات ذاتية القيادة والأتمتة والبيانات الضخمة والواقع الافتراضي، يتجه عالمنا نحو السرعة والتقدّم على كل الأصعدة. في ظلّ هذه التحولات، يخشى البعض مما ستصل إليه الأمور وما الثمن الذي سيدفعه الانسان مقابل هذا النمو المتسارع؟

 

تقدّمت التكنولوجيا بشكل خيالي خلال السنوات الخمس الأخيرة لتفوق القدرات البشرية وتتجاوز التوقعات مما انعكس بشكل مباشر وملحوظ على المجتمعات والأعمال والاقتصاد حول العالم. وفقاً للأرقام، هناك نحو 1.35 مليون شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا حول العالم، كما من المتوقع أن يصل عدد الأجهزة الذكية التي تجمع البيانات وتحللها وتشاركها إلى 50 ملياراً بحلول عام 2030، بينما سيصل عدد الأجهزة المتصلة بالانترنت إلى 500 مليار جهاز مع اتصال أكثر من خمسة مليارات منها بالشبكة. هذا وستتضاعف قدرة المعالجة والحوسبة لأجهزة الكمبيوتر لتصل إلى أرقام مضاعفة كل 18 شهراً. أما عن حركة البيانات فمن المرجّح أن ينتج العالم 463 إكسابايت من البيانات بحلول عام 2025.

آفاق التكنولوجيا والذكاء البشري مهدد!

لا شك أن التكنولوجيا تتقدّم وتتطور بشكل خيالي وتُثبت قوتها مع ظهور كل ابتكار جديد. وسط الضجة التي أحدثها روبوت الدردشة المدعوم من الذكاء الاصطناعي “شات جي بي تي” مؤخراً والمخاطر التي نُسبت إليه، طالب عمالقة التكنولوجيا بإيقاف تجارب الذكاء الاصطناعي مؤقتاً– لمدة 6 أشهر – نظراً للثغرات الحقيقية التي قد يسببها الذكاء الاصطناعي التوليدي في المجتمع وعلى الأفراد بالاضافة إلى قوة هذه الأنظمة وأثرها المتناقض. وجاء في الرسالة التي قدّمها عمالقة التكنولوجيا أنه “يجب تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قوية فقط بمجرد أن نكون واثقين من أن آثارها ستكون إيجابية وأن مخاطرها ستكون تحت السيطرة””

يعتبر بعض رواد الذكاء الاصطناعي أن ليست كل المجتمعات مستعدة لهذا النمو السريع مما يضعها أمام تحديات كبيرة وصعوبات لتبني التقنيات المستحدثة واعتمادها في القطاعات. ومع تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، تدعو الحكومات إلى تطوير برورتوكولات الانترنت وتعزيز السلامة الرقمية وإعادة تركيز برامج التقنيات الذكية ومن أهمها برامج روبوت الدردشة التي بإمكانها أن تكون وسيلة خطرة مع نشرها المعلومات المضللة.

في ظلّ التطوّر السريع، تُظهر الاحصاءات نمو التكنولوجيا ومعها التحولات التي تشهدها القطاعات ورغبة شركات التجزئة والتكنولوجيا والاتصالات في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من العملاء حول العالم. فبحلول عام 2024، من المتوقع أن يصل سوق التعلم الآلي العالمي إلى 20.83 مليار دولار مع استخدامها بوتيرة أكبر. قد تدمج 37% من الشركات الذكاء الاصطناعي في أعمالها باعتبار أن هذه التقنية هي الركن الأساس لتحقيق الأرباح وتحسين الانتاجية ورفع الجودة والكفاءة مع استمرار الطلب على الأجهزة الذكية والتقنيات الناشئة. ومع ذلك، يعتقد الخبراء زيادة قيمة الذكاء الاصطناعي لتتجاوز 15 تريليون دولار.

يقرّ خبراء التكنولوجيا بمخاطر الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل ففي حال لم يتم استخدامه بالطريقة السليمة قد تسوء الأمور وتخرج عن السيطرة. وبالتالي تشير الجهات المعنية إلى ضرورة حماية المستخدم من “شات جي بي تي” الذي وصل عدد مستخدميه إلى 100 مليون إلى جانب التقنيات المماثلة التي تلقى شعبية كبيرة لدى الجمهور ولا سيّما في الدول النامية التي تعمد الى تطبيق استراتيجية التحول الرقمي الشامل.

وبدوره حذّر رئيس شركة OpenAI للذكاء الاصطناعي سامويل ألتمان من مخاطر “شات جي بي تي” وكل أنظمة الذكاء الاصطناعي التي باتت منتشرة بكثرة ومندمجة في حياتنا اليومية واعتبر إن التدخل الحكومي سيكون مهماً للحدّ من المخاطر المحتملة. أما العاملون في القطاعات المتطورة فيشعرون بالقلق من هيمنة الذكاء الاصطناعي على العالم وقدرته على التحكم بنا. وللحماية أكثر، اقترح ألتمان تشكيل وكالة عالمية ترخص أنظمة الذكاء الاصطناعي وتفرض معايير السلامة الرقمية وبإمكانها سحب الترخيص من المخالفين لنماذج الذكاء الاصطناعي الآمنة.

وظائف مهددة وسوق العمل يطلب الأكثر كفاءة رقمياً

مع دخول الواقع الجديد والثورة التكنولوجية، انتشرت تخصصات الذكاء الاصطناعي  وعلوم الكمبيوتر والآلات.  ومع تغيّر الخدمات التي يحتاجها المستخدم في عصر التكنولوجيا تغيّر سوق العمل حيث أصبحت الحاجة إلى ادارة التطبيقات والبيانات ملحّة اليوم أكثر من أي وقت مضى. بحسب التقارير التي تدرس مستقبل الوظائف في العالم، أصبحت وظائف الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي من أسرع الوظائف نمواً حيث من المتوقع استحداث 69 مليون وظيفة جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة وأبرزها اختصاصات الذكاء لااصطناعي والاستدامة وتحليل البيانات وذكاء الأعمال بالاضافة إلى تحليل أمن المعلومات وهندسة التكنولوجيا المالية وهندسة الروبوتات وكل ما له علاقة بالتحول الرقمي.يُقابل ذلك إختفاء 83 مليون وظيفة بحلول عام 2027. بهذا الاطار، يؤكد خبراء التكنولوجيا أهمية المهارات الرقمية والمعرفية حيث تعتبر مهارات التكنولوجيا من أهم متطلبات سوق العمل حالياً. على ضوء ذلك، ستتغيّر هيكلة الوظائف حيث 22% منها سيتغيّر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتأخذ شكلاً جديداً.

وعن تهديد الروبوت للانسان تشير الدراسات إلى أن في عام 2022 كانت نسبة اتمام مهام العمل للانسان 66% مقارنةً بالروبوت الذي كان ينجز 34% على أن تتبدل هذه الأرقام بحلول عام 2027 مع تراجع نسبة أتمتة مهام العمل للانسان التي ستسجّل 57% أما الروبوت فستزيد المهام على عاتقها لتحمل 43% منها.

تسعى الدول إلى تأمين مراكز التعليم المتخصصة بمجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لسدّ الفجوة في سوق العمل ودعم المواهب في هذا المجال ومنع انتقالها إلى دول أخرى والاستفادة منها محلياً.

تختار شركات التكنولوجيا موظفيها بعناية لتعزيز خدماتها تلبيةً لمتطلبات المتسخدمين والعملاء. تجمع شركة OpenAI 200 موظّف من أكبر شركات التكنولوجيا عالمياً (من غوغل وآبل وأمازون وميتا ومايكروسوفت) كخطوة جريئة منها. تطوّرت فرص العمل أمام الشباب بعد دمج التكنولوجيا في مختلف القطاعات مما أدى إلى توسع حجم السوق على مستوى العالم. من هنا، تهتم الشركات الناشئة بوظائف عديدة ومتنوعة بين صناعة التطبيقات الذكية، مطور برامج، التسويق الالكتروني. سيحتاج العالم إلى أكثر من مليار عامل في مجال الأمن السيبراني وفك الرموز بحلول عام 2030. كما يشمل الطلب المتزايد أيضاً محللي البيانات وخبراء التقنية والتكنولوجيا والاتصالات وشبكات الانترنت وخبراء تحسين محركات البحث.

وفي وقت ظهرت فيه فرص عمل جديدة، يهدد توسّع الذكاء الاصطناعي والحلول الذكية عشرات الوظائف حول العالم. وعن هذا الموضوع، تشير الدراسات أن أكثر من 80% من القوى العاملة ستتأثر بهذا التحول حيث ستستولي التقنية على مهام الانسان.

علينا إنقاذ العالم من الذكاء الاصطناعي

بين النمو المتسارع والتخوّف من القادم، يُحذّر خبراء التكنولوجيا من سوء استخدام الذكاء الاصطناعي الذي قد يؤدي إلى انقراض البشرية على المدى المتوسط. ومن بين التحذيرات الأخيرة، لفت مات كليفورد، مستشار رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك للذكاء الاصطناعي: ربما “يكون أمامنا سنتان فقط لإنقاذ العالم من خطر الذكاء الاصطناعي”. واعتبر كليفورد أنه خلال سنتين فقط ستتمتع أنظمة الذكاء الاصطناعي بالقوة الكافية لقتل البشر والسيطرة عليهم فضلاً عن الهجمات الالكترونية والتهديدات السيبرانية والأسلحة التكنولوجية.

على هذا الصعيد، تفرض الحكومات قوانينها للتحكم بالذكاء الاصطناعي ومحاولة السيطرة على الخطر المحتمل مع صياغة ميثاق أخلاقي للذكاء الاصطناعي. بدوره، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تبني إطار قانوني شامل للحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي وتجاوزاته. وهو أول من يتخذ هذا القرار في وقت تثير فيه أنظمة شات جي بي تي والذكاء الاصطناعي اهتمام العالم وتزيد من المخاطر أيضاً والقلق نظراً لقدرتها على فبركة الصور والأصوات والمعلومات المغلوطة التي تنتشر بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

كم يكلّف الذكاء الاصطناعي والحلول الذكية؟

يتسارع اعتماد التقنيات التكنولوجية لكن هل ندرك فعلاً ما هي تكلفة ذلك؟ وفقاً للمعلومات، بلغت الكلفة التشغيلية لتطوير تطبيقات “شات جي بي تي” من قبل شركة OpenAI نحو 700 ألف دولار في اليوم. ويعتبر الرئيس التنفيذي سام ألتمان أن خلال السنوات المقبلة ستحقق الشركة أرباحاً طائلة في ظلّ الثورة الرقمية الرابعة وأضاف “سنكون الشركة الناشئة الأكثر حاجة إلى الرساميل في تاريخ سيليكون فالي”.

بدورها، استثمر كل من شركة غوغل ومايكروسوفت وميتا مليارات الدولارات لتطوير منصاتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي التوليدي لانتاج المحتوى استجابةً لطلب المستخدم.

تتكبّد شركات التكنولوجيا مليارات الدولارات لاعتماد الذكاء الاصطناعي واستخدام الحلول الذكية الحديثة بالتوازي مع استخدام الحوسبة السحابية التي ترتبط بنماذج الذكاء الاصطناعي والتي تشكل مصدراً لعائدات مايكروسوفت وغوغل وأمازون.

أما بالنسبة لتمركز الذكاء الاصطناعي، فتتوقع الدراسات أن تسيطر أميركا الشمالية في عام 2023 على غالبية حصة سوق صناعة الذكاء الاصطناعي إلى جانب أوروبا وآسيا التي ستشهد نمواً كبيراً في هذه القطاعات مع ترقّب أن 7% من الوظائف المستقبلية ستتحول إلى الشبكة الرقمية بحلول عام 2025.

ويؤكد باحثون أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لن يتوقف على هذا الحدّ فحسب بل سيستفيد البشر من قدرات هذه التكنولوجيا لتطوير المجتمعات وتعزيز الاقتصاد ودعم الأعمال على الرغم من كل التحذيرات والمخاوف من هاجس السيطرة، فالاعتدال والحكمة في استخدام كل أنواع الحلول الذكية هو الحل الأنسب.

يُجمع خبراء التكنولوجيا على أهمية التحول الرقمي وتعزيز الاتصالات التي تلعب دوراً كبيراً في تمكين التواصل وتغيير حياة الانسان ونمط الأعمال. وفي هذا الاطار، تشير المعلومات إلى أن بحلول عام 2030 سيكون 50% من الاقتصاد رقمياً وهذا ما يتطلّب العمل حالياً على تنفيذ البنية التحتية الرقمية اللازمة لتوفير سرعة في نقل البيانات ومواكبة التطورات في استخدام التكنولوجيا.

يتجنّب العالم حروب الأسلحة أو الحروب الفيروسية لكن قد تكون الحروب الالكترونية بين الانسان والآلات الأسوأ على الاطلاق؛ فهي تتشارك معلوماتنا، تسهّل أعمالنا، تتحكّم بنا وبقراراتنا حتى أصبح العيش بدونها شبه مستحيل.تأخذ التكنولوجيا مساحة كبيرة من النقاش على المستوى الوطني والدولي في وقت تتكاثر فيه الحلول الذكية والابتكارات بصورة يومية. فهل تهدد البيانات عقول البشرية وهل سنعيش بعد الآن في عالم افتراضي أكثر ذكاءً من الانسان؟ 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى