اقتصاد خليجي

قفزة في تنوع الاقتصاد السعودي وسط تحديات عالمية

على رغم مرور ما يزيد على ثلاث سنوات لجائحة وباء كورونا وما تسببت فيه من انعكاسات سلبية على الاقتصاد العالمي أصابته بالشلل لبعض الوقت، إلا أن ما تلاها من أحداث جيوسياسية وحروب ونزاعات شهدتها القارة الأوروبية، ومنطقة الشرق الأوسط، انعكست هي الأخرى على معدلات الاقتصاد العالمي الذي لم يتجاوز في متوسط نموه 3.5 في المئة خلال العام الماضي، وهو ما أكد عليه محافظ البنك المركزي السعودي أيمن السياري في كلمته اليوم الثلاثاء خلال افتتاح المؤتمر السنوي لاتحاد المصارف العربية الذي انطلق صباح أمس في العاصمة السعودية الرياض.

قال “لا تزال الأحداث الجيوسياسية والتطورات العالمية وحال عدم اليقين تلقى بظلالها على السياسات النقدية العالمية، إذ قام كثير من البنوك المركزية في عدد من دول العالم باتخاذ سياسات نقدية متشددة، بهدف كبح جماح الارتفاعات المستمرة في الأسعار”.

أضاف أن “تلك السياسات أدت إلى قيام صندوق النقد الدولي بخفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي لهذا العام 2023، إلى ثلاثة في المئة، وجاءت هذه التوقعات مصحوبة بالتذبذبات العالية في الأسواق العالمية والتحديات المتزايدة التي تواجه الاقتصاديات الناشئة، مما يحتم علينا ضرورة متابعة تلك التطورات من أجل ضمان القدرة في التعامل مع آثارها، وفي الوقت نفسه العمل على تطوير أدواتنا المالية المصرفية بما في ذلك التقنيات المالية”.

قفزات كبيرة

وفي الوقت الذي يصعب التكهن بمستقبل الاقتصاد العالمي على وجه العموم واقتصاديات الدول النامية ومنها منطقة الشرق الأوسط والدول العربية في ظل الظروف الحالية، إلا أن محافظ البنك المركزي أوضح أن بلاده استطاعت تحقيق قفزات كبيرة في التنويع الاقتصادي لعدد من المجالات، التي أوجزها في برامج الإسكان وخفض معدلات البطالة وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل وتوطين التقنيات الحديثة وغيرها من البرامج التي تعمل عليها البلاد في الوقت الراهن.

وأضاف “استمر الاقتصاد السعودي في النمو على رغم التحديات العالمية، وأظهر أداء مميزاً في الناتج المحلي الإجمالي وكذلك في معدلات التوظيف، إذ نما الاقتصاد محلياً بمعدل 8.7 في المئة متجاوزاً بذلك متوسط نمو الاقتصاد العالمي الذي بلغ 3.5 في المئة”.

وتوقع السياري، استمرار القطاع الخاص في دعم معدلات النمو الاقتصادي، منوهاً إلى أن الأنشطة غير النفطية حققت نمواً بمعدل 5.4 و5.5 في المئة خلال الربعين الأول والثاني من العام الحالي، ولفت إلى أن الائتمان المصرفي ارتفع بنحو 10.2 في المئة على أساس سنوي بنهاية الربع الثاني من هذا العام.

وأوضح أن مؤشرات الأداء للنظام المالي للبلاد متينة، وقال “إن نسبة تغطية السيولة حتى نهاية النصف الأول من العام الحالي بلغت 188 في المئة، كما أن صافي التمويل المستقر بلغ 115 في المئة في الفترة ذاتها”.

شركات تقنية

وحول التحول التقني في القطاع المالي وزيادة عدد شركته، أكد محافظ البنك المركزي استهداف رفع عدد شركات التقنيات المالية إلى 525 شركة، وزاد “نعمل مع هيئة السوق المالية على إطلاق برنامج جديد لتمكين شركات التقنية المالية الناشئة في البلاد وتحفيزها لدعم هذا القطاع”، موضحاً أن عدد شركات التقنية المالية بمجالاتها المختلفة تجاوز 200 شركة في نهاية أغسطس (آب) الماضي.

من جانبه أشار نائب محافظ البنك المركزي السعودي للرقابة والتقنية خالد الظاهر، خلال افتتاح مؤتمر “سيملس” السعودية 2023 اليوم الإثنين، إلى استهدف رفع عدد شركات التقنية في البلاد إلى 525 شركة، وقال “كما نستهدف رفع القيمة التراكمية للاستثمار المالي الجريء إلى 12.2 مليار ريال (3.25 مليار دولار)، وكذلك نستهدف رفع مساهمة قطاع التقنية المالية في الناتج المحلي 13.3 مليار ريال (3.55 مليار دولار)، بهدف تحقيق مستهدفات 2030”.

50 عاماً على إنشاء اتحاد المصارف العربية

تزامن المؤتمر السنوي لاتحاد المصارف العربية ومؤتمر “سيملس” السعودية 2023 مع افتتاح أول مكتب إقليمي في الرياض للاتحاد، وقال رئيس الاتحاد المصارف العربية محمد الإتربي في تصريحات صحافية على هامش المؤتمر “إن تدشين المكتب اليوم يتزامن مع الذكرى الـ50 لإنشاء الاتحاد”، ولفت إلى أن “القطاع المصرفي السعودي يحتوي على 25 بنكاً تعد الأبرز على مستوى المنطقة وتعد من الأوائل على مستوى الشرق الأوسط”.

وأوضح الإتربي أن الاقتصاد العالمي يمر بعديد من الإشكالات لا سيما في ما يتعلق باقتصاديات الدول النامية التي يعاني بعضها التضخم وارتفاع معدلات الفقر وارتفاع سعر الفائدة، وأضاف “إن كل تلك العوامل انعكست سلباً على الاستثمارات ومعدلات النمو الاقتصادي في تلك الدول”، وأشار إلى أهمية تكثف الجهود والتنسيق المستمر بين الدول العربية لمواجهة تلك التحديات لا سيما في القطاع البنكي الذي يمول المشاريع الاقتصادية.

 في سياق متزامن أظهر مسح للشركات اليوم الثلاثاء أن نمو الأنشطة غير النفطية في السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، واصل التراجع في أغسطس )آب( الماضي بعد تباطؤ حاد في نمو الإنتاج، إذ أثرت المخاوف في شأن المنافسة في السوق على المعنويات.

وانخفض مؤشر بنك الرياض لمديري المشتريات في السعودية المعدل في ضوء العوامل الموسمية للشهر الثاني، إلى مستوى 56.6 نقطة من 57.7 في يوليو (تموز) الماضي، غير أنه لا يزال في نطاق النمو بقوة، وهذه أدنى قراءة منذ سبتمبر (أيلول) 2022.

وتباطأ نمو إجمالي الإنتاج بشكل حاد في أغسطس، وانخفض المؤشر الفرعي إلى مستوى 59.1، وهو أدنى مستوى منذ يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، من 66 في يوليو 2023، في حين تراجع التوسع في الأنشطة الجديدة أيضاً، كما أظهر المسح أن المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة انخفض بنحو ثلاث نقاط إلى مستوى 60.2 مع زيادة المنافسة وضعف مبيعات التصدير التي تؤثر في الأنشطة الجديدة.

النمو الاقتصادي

ومن شأن خفضات إنتاج النفط وتراجع أسعار الخام هذا العام أن يقلص النمو الاقتصادي في السعودية، بعدما وصل إلى 8.7 في المئة في 2022، لكن من المتوقع أن يدعم النمو غير النفطي الاقتصاد في وقت تسعى فيه البلاد إلى تقليل اعتمادها على الهيدروكربونات وتوسيع القطاع الخاص.

وقال كبير الاقتصاديين في بنك الرياض نايف الغيث إن “الأنشطة غير النفطية في البلاد تمكنت من النمو على رغم التحديات المستمرة الناجمة عن أسعار مستلزمات الإنتاج وزيادة معدلات الفائدة، ولم تظهر على الاقتصاد غير النفطي كثير من أعراض تشديد السياسة النقدية”، مضيفاً أن الإصلاحات والمشاريع التي يجري تنفيذها في إطار “رؤية 2030” تحفز النشاط وتخلق فرص عمل.

ضغوط المنافسة

أظهر أحدث استطلاع لمؤشر مديري المشتريات أيضاً أن ثقة الأعمال، وعلى رغم أنها لا تزال إيجابية بشكل عام، إلا أنها تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ يونيو (حزيران) 2020، ورأى بعض المشاركين أن ضغوط المنافسة تؤثر في المبيعات.

في نهاية يوليو الماضي، أظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، أن الناتج المحلي الإجمالي السعودي نما 1.1 في المئة في الربع الثاني من العام مقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق، وجاء هذا النمو مدفوعاً إلى حد كبير بزيادة 5.5 في المئة في الأنشطة غير النفطية، إضافة إلى الارتفاع الذي حققته أنشطة الخدمات الحكومية بنسبة 2.7 في المئة، بينما انكمشت الأنشطة النفطية للمرة الأولى على أساس فصلي منذ الربع الثاني من 2021، وحققت نمواً سالباً بـ4.2 في المئة في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو الماضي، مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، بعد نمو بمقدار 1.4 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي.

وكشفت وزارة السياحة السعودية عن تحقيق فائض في ميزان المدفوعات بند السفر في الربع الأول من العام الحالي 2023 بلغ 22.8 مليار ريال (6.08 مليار دولار)، فيما بلغ العجز 1.6 مليار ريال (430 مليون دولار).

وتسعى السعودية إلى تنويع قاعدتها الاقتصادية ومصادر دخلها بعيداً من النفط، وتهدف إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص إلى 65 في المئة بدلاً من 40 في المئة، تمثل نسبة مشاركته الحالية.

كان صندوق النقد الدولي رفع توقعاته لنمو القطاعات غير النفطية في دول الخليج خلال العام الحالي، في آخر تقرير من سلسلة “آفاق الاقتصاد الإقليمي”، إذ رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد غير النفطي من 3.7 في المئة في التقديرات السابقة، إلى 4.2 في المئة خلال العام الحالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى