اقتصاد كويتي

الكويت “إمبراطورية النفط” لا تجذب مستثمري البتروكيماويات

تواجه خطة عمل الحكومة الكويتية بعض العقبات والتحديات، تحديداً تطبيق البنود في عمل برنامج الحكومة الاقتصادي المعلن عنه، مما يمثل أزمة تنذر بصعوبة ما هو التالي وفق الرهانات السياسية على مدى التعاون الجدي والإنجاز المجدي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدولة.

وتضمنت هذه التحديات الاقتصادية الإعلان الأول عن عجز موازنة السنة المالية 2023-2024 بمقدار 6.8 مليار دينار (22 مليار دولار) والتي اعتبرت قفزة هائلة للعجز مقارنة بتقديرات 124 مليون دينار (400 مليون دولار) فقط في موازنة السنة الحالية، والتي فرضت قلقاً شعبياً وحرجاً حكومياً في ظل برنامج حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح ومجلس الأمة 2023.

ويأتي ذلك بعد طرح الحكومة الكويتية برامج نوعية باعتبار أنها تملك خططاً متكاملة، ومنها البديل الاستراتيجي وإشراك القطاع العام مع نظيره الخاص في بلورة الجو المالي الكويتي والذهاب إلى خلق بيئة اقتصادية استثمارية محلية وخارجية جاذبة، معتبرة الاستثمارات الخارجية أحد أبواب التنوع الاقتصادي النفطي والعقاري والاستهلاكي التجاري، وفق ما أعلنته الحكومة أخيراً.

وكانت وكالة “رويترز” نقلت عن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار وزير المالية بالوكالة في الكويت سعد البراك قوله إن دراسة أجرتها شركة “إرنست أند يونغ” العالمية للاستشارات أظهرت عزوف المستثمرين عن المشاركة في مجمع الزور للبتروكيماويات.

سر العزوف

في رده على سؤال برلماني، قال وزير النفط إن الكويت عينت “إرنست أند يونغ” مستشاراً في إطار بحثها عن شريك استراتيجي في المجمع الذي سيضاف إلى مصفاة الزور، لكن نتائج الدراسة جاءت “غير مشجعة” وأنه لا يوجد إقبال من الشركات المتخصصة في المجال، سواء المحلية أو الدولية للمشاركة في المشروع “لعدم توافر حوافز جاذبة”.

ومن الدراسات التي يتم إعدادها لجذب الشركاء، اقتراح حوافز جديدة للشريك وإجراء تعديلات تشريعية لمنح الشركة المشاركة حق الانتفاع بالأراضي، وفق البراك الذي أشار إلى أن هناك فريقاً يضم الشركة الكويتية للصناعات البترولية المتكاملة (كيبيك) وشركة صناعات الكيماويات البترولية لاختيار قائمة نهائية بالشركاء المحتملين لمخاطبتهم ومعرفة مدى اهتمامهم بالاستثمار في المشروع.

وتقدر استثمارات مشروع مجمع الزور للبتروكيماويات بـ10 مليارات دولار، إذ يشمل نطاق الحزمة الأولى وحدات البنزين والأوليفينات (مركبات هيدروكربونية)، وتقدر قيمتها بـ4 مليارات دولار، فيما يشمل نطاق الحزمة الثانية وحدات العطريات.

وبتوقعات مالية عالمية نقلت “ستاندرد أند بورز” عن “كبلر” العالمية المتخصصة في الشحن أن صادرات مواد نفطية كويتية قفزت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 410 آلاف برميل يومياً في يونيو (حزيران) الماضي، لكنها انخفضت إلى 302 ألفين برميل في يوليو (تموز) الماضي.

ويعود هذا الارتفاع بشكل رئيس لبحث القارة الأوروبية عن بدائل للواردات النفطية الروسية التي فرضت عليها عقوبات، وتشمل تلك الواردات الديزل منخفض الكبريت ووقود الطائرات، وأضافت أنه تم تصدير 35 ألف طن من البنزين (95 أوكتان) في يوليو الماضي من ميناء الأحمدي إلى أوروبا، كما أنه من المقرر أن يتم تحويل ثلثي إنتاج مصفاة الزور إلى الأسواق الخارجية.

مصفاة الزور

حلت مصفاة الزور الكويتية في المركز الثامن على قائمة شركة “غلوبل داتا” لأكبر 10 مصافي تكرير للنفط في العالم بطاقتها التكريرية البالغة 615 ألف برميل من النفط يومياً، مشيرة إلى أن المصفاة متكاملة وتدار من قبل الشركة الكويتية للصناعات البترولية المتكاملة والمملوكة بدورها لمؤسسة البترول الكويتية، وبدأت عملياتها عام 2022.

ويعد مجمع مصفاة الزور النفطي من أكبر مجمعات النفط المتكاملة حول العالم، لا سيما أنه سيضم مصفاة لتكرير النفط ومنشآت دائمة لاستيراد الغاز المسال ومجمعاً للبتروكيماويات.

يذكر أن الدراسة الخاصة بتحسين تصاميم المباني الموجودة في مشاريع البتروكيماويات المتكاملة تستهدف جعلها متوافقة مع متطلبات المباني الخضراء المستدامة الصديقة للبيئة.

ويهدف البرنامج الحكومي إلى جذب المستثمرين الأجانب لأهمية مصفاة الزور الكويتية في تلبية المتطلبات البيئية الحديثة للمنشآت النفطية، إذ إنها تمثل جزءاً من خطة التنمية التي تحدد أولويات التنمية طويلة الأجل ومن بينها تحويل الدولة الخليجية إلى مركز عالمي للتكرير والبتروكيماويات.

عدم ثقة

وحول التحديات التي فرضت الواقعية للدراسة الصينية، قال المتخصص في الشأن الاقتصادي محمد رمضان في حديثه إلى “اندبندنت عربية” إن “الكويت ليست بيئة جاذبة للمستثمر الأجنبي وهناك مشكلات عدة ومنها التشريعات وإطالة الدورة المستندية والتراجع عن القرارات بشكل غير مبرر أحياناً”.

وأضاف “القرارات ممكن أن تلغى لأي سبب كان ومنها أسباب سياسية كالتهديد بالاستجواب البرلماني الذي يعد تدخلاً غير مناسب في قضايا فنية بحتة، علاوة على معاناة الجهاز الحكومي فساداً ملحوظاً، وهذا يؤدي إلى أن البرلمان الكويتي دائم التخوف من أي مشروع تطرحه الحكومة في ظل عدم الثقة بينهما، وقد تكون هناك أسباب أخرى تؤكد أن من يؤخر المشاريع والتشريع هو المستفيد ويضر ويعطل عملية التنمية بشكل كبير وأبرزها جذب الاستثمارات الخارجية”.

وتابع رمضان، “لا تستطيع الحكومة جذب الاستثمارات لأسباب عدة منها أن القرار يخضع لمجلس الأمة (البرلمان) أو حتى للتهديد بالمصالح الشخصية والشواهد في الجلسات كثيرة، وعلى سبيل المثال القضية الإسكانية، فهناك توجهات مع شركات عالمية ممتازة ومنها الشركة الكورية التي كانت ستسلم الكويت مدينة جاهزة بمرافقها بزمن قياسي، لكن نتيجة طريقة التعامل معها، انسحبت الشركة ولن تعود من جديد”.

ونوه إلى أن ما وجدته الشركة الكورية من بطء وتوجهات محددة وبيئة وشراكة قد تتغير في أي لحظة جعلها تقتنع بأنه من الأسهل إلغاء التعاقد وإنهاء أي مشروع أو مبادرة.

وعن المستفيدين من ضرب أهداف التنمية في الكويت ومنها جذب المستثمر الأجنبي، أوضح رمضان “بالتأكيد هناك مستفيدون من عدم إكمال المشاريع بدليل دخولهم في مشكلات لا أول لها ولا آخر مع الشركات الأجنبية، بينما ترى الشركات نفسها في البلدان المجاورة تعمل من دون عوائق وتحقق نتائج جيدة في زمن قياسي”، مبيناً أن ما حدث حول المرحلة الثانية أي مجمع الكيماويات في مصفاة الزور من تراجع للمستثمرين له أسبابه ومنها يتعلق ربما بعدم وجود عائد مناسب ولا بيئة جاذبة ولا جدوى اقتصادية.

وتابع “هناك كثير من القصور التشريعي والحكومي في الكويت، فإذا أردت أن تجذب شريكاً استراتيجياً يجب أن تكون هناك جدوى اقتصادية للطرفين، وتصريح وزير النفط الأخير يوضح أنه يجب أن تكون هناك تشريعات جديدة لجذب المستثمرين”.

وأعاد التذكير بأن البتروكيماويات تخضع للعرض والطلب وتعظيم إيرادات مؤسسة البترول كأهم بند، لكن يظل من الصعب تحديد الخسائر التي تنتج بسبب تأخير هذه المشاريع نظراً إلى أن كلفة المشروع كبيرة جداً.

وقال “كثير من مشاريع البتروكيماويات ألغيت من دول مجلس التعاون لعدم وجود طلب ثابت على هذه المشتقات، والسعودية الوحيدة التي نجحت في التعامل مع هذا النوع من الاستثمار الخارجي من خلال ’مشروع صدارة‘ الذي يعمل بحسب الطلب ومصفاة الزور لن تكون بنفس ما يحققه المشروع السعودي”.

وكان المتخصص في النفط الكاتب كامل عبدالله الحرمي طالب في مقالة له نشرت في صحيفة “الراي” الكويتية بضم مصفاة الزور إلى شركة البترول الوطنية الكويتية، “كونها تمتلك الخبرات في التفاوض والتعامل مع الشركات الخارجية في بناء صناعة البتروكيماويات في مصفاة الزور لتحقيق الأرباح المرجوة”.

واقترح الحرمي التركيز على صلب مهمة البترول الوطنية في قطاع التكرير لتجنب الخسائر المالية المقبلة من الزور وتحميلها إلى المال العام.

وفي السياق نفسه، تساءل الكاتب الكويتي أحمد بودستور حول عزوف المستثمرين في منشور له على منصة “إكس”، “لماذا السوق السعودية جذبت أكبر الشركات إلى الاستثمار في السعودية… ويبدو أن العزوف بسبب غياب الحوافز والسؤال هو لماذا لا تقوم هيئة الاستثمار ببناء المجمع واستثماره؟”.

وتواصلت “اندبندنت عربية” مع مجموعة من نواب مجلس الأمة الحالي للحصول على تعليق، لكن لم يتم الرد على استفساراتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى