مقالات اقتصادية

انهيار مفاجئ.. هل تعيد دول الخليج النظر في شراء بنوك غربية

كتب أسامة صالح 

يقول خبراء اقتصاديون إن موجة الانهيار التي طالت عدداً من البنوك الغربية مؤخراً، والتي كانت دول خليجية تمتلك حصصاً في بعضها، لا تعني عدم استمرار حسابات هذه الدول، ولا حتى تراجعها عن مثل هذه الاستثمارات مستقبلاً، بل إنها قد تستحوذ على مزيد من الحصص في ظل هذه الأزمة.

وكان انهيار بنك “سليكون فالي” الأمريكي، في العاشر من الشهر الجاري، قد تدحرج مثل كرة الثلج على عدد من البنوك الغربية الأخرى، فطال بنكي “سيغنيتشر” و”فيرست ريببليك” الأمريكيين.

لاحقاً وصلت التداعيات إلى “كريدي سويس” السويسري الذي يضم من ضمن مساهميه كلاً من البنك الأهلي السعودي، ومجموعة “العليان” السعودية، وجهاز قطر للاستثمار.
هذه المؤسسات الخليجية الثلاث تمتلك نحو خُمس رأسمال “كريدي سويس”، فضلاً عن استثمارات أخرى في سندات البنك من الدرجة الأولى، والتي نص اتفاق الصفقة على محو أغلبها.

انهيار مفاجئ
قبل أيام قليلة من هذا الانهيار المفاجئ لـ”كريدي سويس”، الذي انتهى باستحواذ منافسه السويسري “UBS” عليه مقابل 3.23 مليارات دولار، وهي أدنى قيمة تاريخية للبنك البالغ من العمر 168 عاماً.

واستثمر البنك الأهلي السعودي 1.46 مليار دولار، في شهر أكتوبر الماضي، مقابل حصة 10% تقريباً، عبر زيادة رأس المال التي طرحها البنك السويسري لجمع أكثر من 4.2 مليارات دولار.

وبعد الانهيار المفاجئ قال “الأهلي السعودي” (20 مارس 2023)، إن هذا الأمر لن يؤثر على خططه المالية لهذا العام، مشيراً إلى أن استثماراته في مجموعة “كريدي سويس” تمثل أقل من 0.5% من إجمالي أصوله، و1.7% من محفظته الاستثمارية.
وقال البنك إن انهيار “كريدي سويس” لن يؤثر على توقعاته وخططه للعام الجاري، بعد أن استثمر 5.5 مليار ريال (1.46 مليار دولار) في المجموعة السويسرية، خلال نوفمبر 2022.

وفي دولة قطر كان جهاز الاستثمار قد رفع حصته إلى 6.8% من رأسمال البنك، في شهر يناير 2023، وسط آمال انتعاش أعمال المصرف السويسري المنهار عبر خطة إعادة الهيكلة. وتقول وكالة “بلومبيرغ” إن الدوحة ستعاني خسائر طويلة المدى جراء الانهيار الأخير.

أما مجموعة “العليان” السعودية فتعتبر من بين أكبر 5 مساهمين في البنك بحصة 3.2%، والتي تمتلك أغلبها من تاريخ سابق لزيادة رأسمال “كريدي سويس” التي جرت في أكتوبر الماضي، وبذلك تمتلك المؤسسات الخليجية الثلاث نحو 20% من البنك.

وفي آخر تقدير للخسائر، قالت “بلومبيرغ” (20 مارس 2023) إن صفقة استحواذ بنك “يو بي إس” على بنك “كريدي سويس” كبدت البنك الأهلي السعودي خسائر بنحو مليار دولار، فيما هوت قيمة حصة جهاز قطر للاستثمار.
وباتت قيمة حصة البنك الأهلي السعودي تساوي نحو 304 ملايين فرنك سويسري (329 مليون دولار)، مقارنة بـ1.5 مليار دولار، أواخر العام الماضي.

توسع خارجي
خلال السنوات، أبدت دول مجلس التعاون الخليجي اهتماماً بضخ مزيد من الاستثمارات في القطاع المصرفي الخارجي؛ وذلك ضمن خططها لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط مستفيدة من فوائضها المالية الكبيرة ومن قوة مصارفها أيضاً.

ففي عام 2019، اشترى “بنك الإمارات دبي الوطني”، وهو ثاني أكبر بنك في دولة الامارات العربية المتحدة ، “دينيز بنك” التركي، لتنويع قاعدة أرباحه وزيادة فرص نموه، على الرغم من أن البنك التركي تعرّض لاحقاً لعمليات تشغيل هي الأضعف بسبب الأوضاع الاقتصادية في تركيا.

كما دخل “بنك أبوظبي الأول” في محادثات لتقديم عرض لشراء مؤسسة “ستاندرد تشارترد” البريطانية بـ35 مليار دولار، قبل أن يتراجع عن الصفقة فيما بعد.
وسبق أن نفذت أبوظبي صفقات في 2014 وما بعدها أنقذت بنك “باركليز” البريطاني و”سيتي غروب” الأمريكي من انهيارات وشكية، ولم تتضرر دولة الإمارات العربية المتحدة من هذه الاستحواذات.

ووقت وقوع الانهيار كان بنك “صحار الدولي” العماني يدرس الاندماج مع بنك “إتش إس بي سي” البريطاني في صفقة تصل إلى 17 مليار دولار.
ورغم ما جرى، فقد نقلت “بلومبيرغ” عن مصادر، يوم 13 مارس 2023، أن مجموعة “رويال” الإماراتية تنظر في شراء أصول البنك “سيلكون فالي” بعد انهياره.
وكانت وكالة  موديز” قالت، أوائل الشهر الجاري، إن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للخليج بين الدول الغربية وأفريقيا وآسيا سيوفر فرصاً لبنوك دول المنطقة لتوسيع أعمالها من خلال التعاون مع البنوك الدولية.

استثمار محسوب
يقول خبراء إن دول مجلس التعاون الخليجي عندما تقدم على مثل هذه الاستثمارات فإنها تتحوط بشدة من المخاطر، بل وأحياناً تستثمر في خسائر هذه المؤسسات.

ويقول بعض الخبراء الاقتصاديين إن هناك دراسات دقيقة تتم قبل الاستحواذات، وبعضها قد يلفت إلى احتمال حدوث تراجع أو خسارة، لكنها في الوقت نفسه قد تلفت إلى احتمال تجاوز هذه العقبات.

وقال بعض الخبراء الاقتصاديين إن ما حدث في سيلكون فالي لم يكن إفلاساً، بل طلباً على الودائع لتحويلها إلى جديدة بفوائد أكبر، وهو ما جعل البنك يطلب دعماً حكومياً لتوفير السيولة.

وإن مواصلة رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة قد يحدث مزيداً من المشاكل للبنوك التي قد تجد نفسها مضطرة لدفع مبالغ نقدية كبيرة للمودعين الذين يرغبون في استبدال أنظمة الودائع للاستفادة من الفائدة الأكبر.

ومع ذلك فإن استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في قطاع البنوك عموماً لا يمثل خطراً عليها، خصوصاً أنها تستثمر في بنوك تعتبر رابحة، حتى لو كانت تمر بأزمة، فإن الدراسات تضع احتمالات بأن تعاود هذه المؤسسات مكاسبها بعد فترة معينة.

وهناك بعض الصناديق الخليجية ربما تحاول الاستثمار في حالة التراجع التي تعانيها بنوك الغرب حالياً؛ لأنها تعرف أن ما حدث أمر طارئ سببه الطلب غير المتوقع على السيولة وليس إفلاساً؛ لأن الأموال موجودة في استثمارات.

و أن مكاسب سيلكون فالي تجاوزت 200% منذ 2019 (من 60 إلى 200 مليار)؛ بسبب الصعود الكبير لمكاسب قطاع التكنولوجيا الذي كان يمثل عصب عمله، مشيراً إلى أن هذه المؤسسات لديها أنظمة صارمة لحماية أموال المودعين، وهو ما يعني ضمان أموال المستثمرين.

وان انهيار سيلكون فالي “لا يمكن اعتباره كارثة مالية قد تجعل الاستثمار الخليجي مدعواً لمراجعة سياسته في الاستحواذات، بل ربما على العكس قد يجعل هذه الصفقات أكثر جاذبية حالياً بسبب انخفاض قيمتها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى