اقتصاد دولي

تقرير حكومي عراقي يكشف عن أكبر عملية احتيال لشراء الدولار

كشف ديوان الرقابة المالية الاتحادي في العراق، عن ملف فساد كبير في بيع المصارف للدولار إلى المواطنين الراغبين بالسفر إلى خارج البلاد، مبيناً أن ما يزيد على 151 ألف عراقي اشتروا الدولار الأميركي لأغراض السفر إلا أنهم لم يغادروا العراق ليتم بيع ما تحصلوا عليه في السوق الموازية.

وبحسب ديوان الرقابة المالية، فإن إجمالي المبلغ المتحقق من عملية “الاحتيال” هذه تجاوز 600 مليون دولار تم شراؤها لأغراض السفر، لكنها ذهبت في الحقيقة إلى السوق الموازية لتحقيق أرباح بسبب فارق السعر بين الرسمي الذي يتسلمه المواطن من المصارف والبالغ 1320 ديناراً للدولار الواحد وسعره في السوق الموازية الذي يراوح ما بين 1460 و1500 دينار للدولار الواحد.

ويأتي تقرير ديوان الرقابة المالية في وقت يقوم به البنك المركزي العراقي بعملية مراجعة للنظام المتبع في بيع الدولار للمسافرين، حيث يتمثل بالنظام المتبع من قبل البنك المركزي بعملية الحجز الإلكتروني عبر المنصة مخصصة لدولار المسافرين ومن ثم إيداع مبالغ شراء الدولار بالدينار العراقي في المصارف الرسمية ومكاتب الصيرفة بالتالي تسلم المسافر ثلاثة آلاف دولار بالسعر الرسمي وهو 1320 ديناراً من المطار عند باب المغادرة في المطار عبر مكاتب المصارف هناك لضمان عدم تسرب الدولار إلى السوق الموازية.

وكشف محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق في تصريحات صحافية في فبراير (شباط) الماضي عن آلية جديدة لبيع الدولار للمسافرين ومن أجل حصول “المسافر الحقيقي” على الدولار، إلا أنه لم يكشف عن تفاصيل الآلية الجديدة.

وتأتي هذه الخطوات التي يتبعها البنك المركزي كجزء من متطلبات الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) للسيطرة على عملية بيع الدولار في السوق الموازية للحد من تهريبه للدول المعاقبة، لا سيما إيران.

ومنعت الحكومة العراقية خلال الأشهر الماضية تداول الدولار بالأسواق المحلية واقتصرت التعاملات الرسمية داخل البلاد على الدينار العراقي بعد أن كانت غالب التعاملات تجري بالدولار الأميركي، في تحرك للحد من زيادة الطلب على الدولار ومنع تهريبه خارج العراق.

وبحسب تقرير الرقابة المالية، فإن “التدقيق على المبيعات النقدية للبنك المركزي العراقي من عملة الدولار للمسافرين من الأول من فبراير (شباط) ولغاية الثامن من يوليو (تموز) 2023، بلغ عدد المسافرين بموجب المنصة الإلكترونية مليوناً و481 ألفاً و186 مسافراً، وأن عدد المسافرين الفعلي عبر المنافذ الحدودية بلغ مليوناً و329 ألفاً و246 مسافراً”، بمعنى أن “الزيادة في عدد المسافرين النهائي المثبت في المنصة الإلكترونية بلغت 151 ألفاً و940 مسافراً”.

وبحسب التقرير، ذاته فإن إجمالي المبلغ المصروف زيادة يبلغ 607 ملايين و760 ألف دولار، الأمر الذي يؤشر إلى بيع الدولار بالسعر الرسمي إلى الزبائن من دون تحقق سفرهم، بالتالي يتم الاستفادة من فرق السعر في السوق الموازية.

التحقيق الفيصل

ويشير المتخصص في الشأن الاقتصادي صفوان قصي إلى ضرورة فتح تحقيق لكشف المتورطين بالعملية لتبيان من هو المسافر الحقيقي والوهمي لاستراد المبالغ منه. وأضاف قصي أن “هناك جهوداً واضحة للبنك المركزي لحوكمة بيع الدولار لمن يستحقه من المسافرين، ولكن هذه التجربة كانت جديدة في بدايتها والفارق السعري بين السعرين الرسمي والموازي، أدى إلى قيام شركات سياحة ومسافرين وهميين يعمدون إلى إلغاء الرحلة بعد سحب الدولار لحصول على الفارق في سعر العملة”.

وشدد قصي على ضرورة أن تكون هناك مقارنة بين من اشترى الدولار وتحقق سفره، ومن لم يتحقق سفره على أن يتم استرداد المبالغ من هؤلاء، لافتاً إلى أن “البنك المركزي حاول في فترة لاحقة أن يعيد تنظيم الإجراءات التي رافقت عملية البيع للمسافرين للدراسة والعلاج”.

محاسبة المتورطين

وبين أن “تقرير ديوان الرقابة المالية أجرى مقارنة خلال فترة محددة، ولم يظهر السفر خارج المدة المحصورة بالمقارنة”، مشدداً على “ضرورة إيجاد تدقيق ومحاسبة للمتورطين في تسهيل عملية الوصول إلى الدولار، سواء كانت شركات صيرفة أو سياحة أو حتى من انتهك هذه المهنة خلال هذه الفترة”.

وأكد أن “البنك المركزي العراقي لاحظ عملية الاحتيال، وغيّر نمط البيع، وبات البيع داخل المطار”، داعياً إلى “المقارنة بين من استفاد من الدولار الرسمي، ومن ادعى أنه سيذهب إلى دولة معينة وألغى التذكرة”.

كشف المافيات

ولفت صفوان قصي إلى أن “عملية تتبع هذا الإجراء تظهر المافيات التي تخلق مسافراً وهمياً للاستفادة من فرق السعر وضخه في السوق الموازية”، مشيراً أيضاً إلى “إمكانية تتبع البنك المركزي الرمز السري الذي زوَّد للمسافرين والتأكد من أن الدولار صرف فعلاً خلال سفرهم أو بيع بالسوق الموازية”.

وقال المتحدث ذاته عن “بعض الحلول للسيطرة على عملية صرف الدولار بمحله من خلال فتح حساب مستندي لوزارة الصحة والتعليم لغرض تسلم الدينار العراقي في بغداد وتحويله إلى المستشفيات أو الجامعات حيث يدرس العراقيون ويتعالجون”.

إجراءات غير جيدة

من جهة أخرى، رجح الباحث في المجال المالي محمود داغر أن “الإجراءات الإلكترونية غير الجيدة ورغبة المواطنين بالتربح هو سبب زيادة ظهور هذا الرقم الكبير من المسافرين الوهميين”.

وقال داغر “لكل عراقي الحق بالحصول على العملة الأجنبية بديناره العراقي وهذه القاعدة القانونية التي جرت بعد عام 2004، فالدينار العراقي قابل للتحويل كما الدولار، ولكن المشكلة هي أن هناك فرقاً في الصرف بين قيمة الدينار السوقية وقيمة الدينار الرسمية ما يحوِّل الإجراءات الطبيعية إلى غير طبيعية بل تصل إلى حد وصفها بالفساد”.

واعتبر أن “المال العام لم يستخدم بطريقة سيئة، إذ إن الدولة تبيع الدولار بسعر 1320 ديناراً وكل مواطن يدفع السعر الذي حددته الدولة. وبذلك لم يتولد ضرر عام، إلا أن المواطن يتربح ويحاول أن يوحي بالسفر، وكل هذه الأمور غير مسيطر عليها سيطرة تامة”.

وأشار إلى أن “الإجراءات الإلكترونية لشراء الدولار لم تكن جيدة ونظام الشراء لم يكن جيداً”، لافتاً إلى أن “ضعف الإجراء الإلكتروني وحداثة استخدام المنصة النقدية وتعطلها في بعض الأيام أدى إلى حدوث هذه الفجوة الكبيرة بعدد المسافرين الوهميين”.

وخلص داغر إلى القول إن “هذا كله ناجم من فرق الأسعار، إذ إننا في كل يوم نحول للخارج مقابل استيرادات، ما يقارب 300 مليون دولار”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى