مختارات اقتصادية

كيف ساهمت الأزمة الاقتصاديَّة في اندلاع الحرب العالمية الثانية؟

بعد حجم الموت والدمار الكبيرين اللذين خلفتهما الحرب العالمية الأولى، عقد قادة بعض القوى الكبرى في العالم مؤتمراً في باريس، وكانوا يأملون أن تضمن نتائجه عدم حدوث مثل هذا الدمار مرة أخرى.
ولكن لسوء الحظ، أدى الجمع بين معاهدة سلام مجحفة وأشد أزمة اقتصادية شهدها العالم الحديث على الإطلاق إلى تدهور العلاقات الدولية الذي بلغ ذروته في حرب أكثر خطورة من تلك التي سبقتها.
حيث نظمت معاهدة فرساي -الموقعة في يونيو عام 1919 في قصر فرساي في باريس- بنود عملية السلام بين الحلفاء المنتصرين وألمانيا، وألقت باللوم على ألمانيا وعدَّتها مسؤولةً عن بدء الحرب وفرضت عليها عقوبات قاسية تضمنت حرمانها من أراضٍ ودفعها تعويضات باهظة ونزع سلاحها.
التظاهر بالسلام:- على الرغم من نوايا مؤلفيها لضمان السلام، فقد احتوت معاهدة فرساي على بذرة الشقاق التي أدت إلى نشوب الحرب بدلاً من السلام عندما تمَّ غرسها على أرض الأزمات الاقتصادية الخصبة. – كانت هذه البذرة هي المادة 231، التي كانت تُسمى «بند الذنب في الحرب» (War Guilt Clause)‏. وألقت باللوم على ألمانيا بالكامل في الحرب وطالبت بدفع تعويضات كعقوبة.
– نظرًا لأن ألمانيا اضطرت إلى تسليم الأراضي الاسْتِعْمارِيَّة ونزع السلاح العسكري، فليس من المستغرب أن الألمان استاؤوا من المعاهدة.
– بدأت جمهورية فايمار المشكلة حديثًا – وهي الجمهورية التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933 كنتيجة الحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا الحرب- في تأخير مدفوعات تعويضات الحرب في وقت مبكر من عام 1923، مما دفع فرنسا وبلجيكا للرد.
– أرسل كلا البلدين قوات لاحتلال المركز الصناعي لمنطقة الرور، والاستيلاء على إنتاج الفحم والمعادن الذي حدث هناك.
– نظرًا لأن الكثير من التصنيع الألماني كان يعتمد على الفحم والمعادن، فقد أدى فقدان هذه الصناعات إلى حدوث صدمة اقتصادية سلبية، ما أدى إلى انكماش شديد.
– وبالتبعية؛ أدى هذا الانكماش، بالإضافة إلى استمرار الحكومة في طباعة النقود لدفع ديون الحرب الداخلية، إلى حدوث تضخم مفرط.
– كانت العواقب السياسية مدمرة، حيث أصبح الكثير من الناس غير واثقين من حكومة فايمار، التي تأسست على مبادئ ديمقراطية ليبرالية. – أدى هذا الشعور، إلى جانب الاستياء من المعاهدة، إلى زيادة شعبية الأحزاب السياسية الراديكالية اليسارية واليمينية.
تدهور التجارة الدولية: – ساهم الكساد العظيم في تقويض أي محاولات لخلق عالم ما بعد الحرب أكثر انفتاحًا وتعاونًا وسلمًا. – وتسبب انهيار سوق الأسهم الأمريكية في عام 1929 في وقف القروض المقدمة إلى ألمانيا بموجب خطط الإصلاح بالإضافة إلى سحب كامل للقروض السابقة.
– أدت ندرة الأموال في النهاية إلى انهيار أكبر بنك في النمسا في عام 1931، والذي أطلق موجة من إخفاقات البنوك في جميع أنحاء أوروبا الوسطى. وشمل ذلك التفكك والانهيار الكامل للنظام المصرفي في ألمانيا.
– ساعد تدهور الأوضاع الاقْتِصَادية في ألمانيا على نمو الحزب النازي من مجموعة هامشية صغيرة نسبيًا إلى أكبر حزب سياسي في البلاد.
– أدت الدعاية النازية التي ألقت باللوم على معاهدة فرساي في الكثير من المصاعب الاقْتِصَادية لألمانيا إلى زيادة شعبية هتلر بين الناخبين، مما جعله مستشارًا لألمانيا في عام 1933. – حفز الكساد الكبير الدول الفردية على تبني سياسات تجارية أكثر انحيازًا لحماية صناعاتها المحلية من المنافسة الأجنبية.
– ورغم أن مثل هذه السياسات التجارية يمكن أن تكون مفيدة على المستوى الفردي، إلا أنها تعمل على تقليل التجارة الدولية والفوائد الاقْتِصَادية التي تأتي معها. – كما أن البلدان التي ليس لديها إمكانية الوصول إلى المواد الخام الهامة ستكون مثقلة بشكل خاص بسبب الافتقار إلى التجارة الحرة.
من الإمبريالية إلى الحرب العالمية
– بينما كان لدى البريطانيين والفرنسيين والسوفييت والأمريكيين إمبراطوريات اسْتِعْمارِيَّة مع إمكانية الوصول إلى معين لا ينضب من المواد الخام، فإن دولًا مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان كانت محرومة من تلك الموارد.
– أدى تدهور التجارة الدولية إلى تشكيل تكتلات تجارية إقليمية مع ما يسمى بتكوين الكتل على طول الخطوط الاسْتِعْمارِيَّة، مثل نظام التفضيل الإمبراطوري لبريطانيا العظمى. – ساهمت الأزمة الاقْتِصَادية لسنة 1929م في تدهور الأوضاع الاقْتِصَادية لكل من ألمانيا واليابان وإيطاليا، واقتنعت هذه الدول بضرورة التوسع الاسْتِعْمارِيّ لحل مشاكلها.
– كانت الفتوحات الإمبريالية مثل الغزو الياباني لمنشوريا في أوائل الثلاثينيات، والغزو الإيطالي لإثيوبيا في عام 1935، وضم ألمانيا لمعظم النمسا وأجزاء من تشيكوسلوفاكيا في عام 1938، كلها مظاهر للحاجة إلى توسيع الأراضي. – لكن هذه الفتوحات أثارت حفيظة اثنتين من القوى الأوروبية الكبرى، وبعد الغزو الألماني لبولندا، أعلنت كل من بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر 1939. وهكذا اندلعت الحرب العالمية الثانية.
ماذا حدث لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية؟
– أصبحت ألمانيا في حالة خراب بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وتطلب الأمر سنوات حتى أصبحت القوة الاقْتِصَادية التي هي عليها اليوم.
– تم تقسيمها إلى نصفين يفصل بينهما جدار برلين: كانت ألمانيا الغربية دولة ديمقراطية بينما ظلت ألمانيا الشرقية دولة اشتراكية.
– ازدهر النصف الغربي في ظل عملة جديدة ومبادئ ديمقراطية بينما تخلفت ألمانيا الشرقية في ظل اقتصاد متعثر. تم هدم جدار برلين في عام 1989، مما أدى إلى إعادة توحيد النصفين.
خلاصة القول: – على الرغم من التطلعات النبيلة للسلام، فإن نتائج مؤتمر باريس للسلام لم تسهم إلا في تعميق الفجوة وتأجيج حالة العداء من خلال إلقاء اللائمة على ألمانيا باعتبارها المحرض الوحيد على الحرب العالمية الأولى.
– وقد أدى هذا التعامل الْمُجْحِف إلى تنامي حالة السخط من المعاهدة داخل ألمانيا إضافةً إلى تدهور الوضع الاقْتِصَادي الذي زاد من استياء القوميين المتطرفين، وأدى إلى بزوغ فجر أدولف هتلر وحزبه النازي واندلاع الحرب العالمية الثانية بعد عقدين أيضًا.
المصدر: إنفستوبيديا (Investopedia)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى