منوعات اقتصادية

انتقاد أمريكي لاذع لشركات نفط عالمية بسبب أرباح قياسية رغم ترحيب المستثمرين

أعلنت كبرى شركات النفط العالمية عن أرباح وفيرة مدعومة بصعود أسعار النفط والغاز جراء الحرب الروسية الأوكرانية مما وصل بها إلى مستويات قياسية. وضاعفت شركات كبرى أرباحها تقريبا في 2022 إلى 219 مليار دولار لتحطم الأرقام القياسية السابقة في عام اتسم بالتقلب في أسعار الطاقة، وشهد إعادة تشكيل لأسواق الطاقة العالمية وامتد في بعض الحالات إلى الطموحات المناخية للقطاع.
توزيعات أرباح قياسية:- بالطبع ساهمت الأرباح الضخمة في منح شركات النفط مجالا لزيادة الإنفاق على مشاريع النفط والغاز وفرصة للبعض لإعادة التفكير في استراتيجيات تحويل الطاقة لتلبية الطلبات الجديدة لأمن الإمدادات.
كما سمحت الأرباح المجمعة لشركات «بي.بي» و»شيفرون» و»إكوينور»، و»إكسون موبيل»، و»شل»، «توتال إنرجيز» في إغراق المساهمين بالتوزيعات النقدية. لكن تلك التحركات لم تخل من الانتقادات في ظل ارتفاع أسعار الطاقة مما يغذي تضخما غير مسبوق على مستوى العالم ككل. ودفعت شركات النفط الغربية الكبرى مبلغا قياسيا قدره 110 مليارات دولار في صورة توزيعات للأرباح النقدية وعلى إعادة شراء الأسهم في 2022، مما أثار دعوات غاضبة للحكومات لفرض ضرائب استثنائية على القطاع لدعم المستهلكين في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة.
إكسون موبيل:- أعلنت «إكسون موبيل» أن صافي أرباحها لعام 2022 بلغ 56 مليار دولار، ما يعني أنها حققت 6.3 مليون دولار في الساعة العام الماضي، لتسجل الشركة رقما قياسيا ليس لها فحسب، بل لصناعة النفط في الغرب.
وتجاوزت أكبر شركة نفط أمريكية صافي الربح القياسي الذي حققته في عام 2008 عند 45.2 مليار دولار بكثير عندما بلغ النفط 142 دولارا أي أعلى بنسبة 30 بالمائة عن متوسط السعر في العام الماضي. وقال محللون إن التخفيضات الكبيرة في التكاليف خلال وباء كورونا ساهمت في زيادة الأرباح العام الماضي. وقالت «كاثرين ميكلز» المديرة المالية للشركة: «ارتفعت الأرباح الإجمالية والتدفقات النقدية بشكل ملحوظ على أساس سنوي… جاء ذلك حقا من مزيج من الأسواق والإنتاج القوي والتحكم الجيد في التكلفة». إكسون بالفعل معركة ضريبية في أوروبا، بعد أن لجأ الاتحاد الأوروبي لفرض ضرائب على شركات الطاقة في ظل أزمة شح في الإمدادات وارتفاع الأسعار الناجم عن ذلك. وقالت إكسون إن أرباحها في الربع الأخير من العام الماضي تضررت بمقدار 1.3 مليار دولار بسبب الضرائب التي فرضها الاتحاد الأوروبي والتي بدأت في الربع الرابع وانخفاض قيمة أصول. وتقاضي الشركة الاتحاد بدعوى أن الضرائب تتجاوز سلطته القانونية. ووزعت الشركة أرباحا على مساهميها بقيمة 30 مليار دولار نقدا العام الماضي أي أكثر من منافسيها الغربيين واستثمرت 22.7 مليار دولار في الأنشطة. وأعلنت الشركة الاحتفاظ بنحو 30 مليار دولار كسيولة نقدية. وقالت إنها تعلمت من الجائحة، حين وجدت نفسها خاوية الوفاض واضطرت إلى الاقتراض لدفع توزيعات الأرباح للمساهمين.
شل:- حققت شركة «شل» أرباحا قياسية أيضا بلغت 40 مليار دولار لترتفع بأكثر من الضعف عن العام السابق. وعلى نحو مماثل لـ «إكسون»، تجاوز الرقم الأرباح القياسية السابقة للشركة المسجلة في 2008 البالغة 31 مليار دولار.
وكان الغاز الطبيعي المسال نقطة مضيئة في نتائج «شل»، إذ وصلت الأرباح منه إلى ستة مليارات دولار وهو رقم قياسي أيضا ويأتي مدعوما بأرباح التداول القوية في ظل تقلب أسعار الغاز على الرغم من أنه سجل خسارة في الربع الثالث وانخفاض حاد في أحجام التسييل بسبب الانقطاعات في منشآت الغاز الطبيعي.
ساعدت الأرباح «شل» في زيادة توزيعات أرباحها 15 بالمائة في الربع الأخير من العام الماضي وهي الزيادة الخامسة منذ خفضت الشركة التوزيعات 60 بالمائة في أعقاب جائحة كورونا. كما أعلنت عن برنامج جديد لشراء الأسهم بقيمة أربعة مليارات دولار في الأشهر الثلاثة المقبلة. وأعادت الشركة شراء ما قيمته 19 مليار دولار من الأسهم في العام الذي ينتهي في فبراير 2023، أي ما يقرب من ضعف إجمالي المسجل في فترة ما بعد كوفيد. كما ساعدت الأرباح الشركة في خفض ديونها إلى 44.8 مليار دولار في نهاية 2022 من 52.6 مليار دولار في العام السابق. وانخفضت نسبة الدين إلى رأس المال إلى 19 بالمائة من 23.1 بالمائة قبل عام. شيفرون:- شركة «شيفرون» ربحا قدره 36.5 مليار دولار في 2022، ما يزيد على ضعف أرباحها قبل عام، لكن صافي الأرباح تراجع عن تقديرات وول ستريت بسبب تخفيض قيمة أصول. والشركة ثاني أكبر شركة نفط في الولايات المتحدة. لكن الربح تجاوز أيضا الرقم القياسي المسجل في السابق للشركة في عام 2011 بنحو 10 مليارات دولار.
بي.بي:- أعلنت «بي.بي» عن أرباح 28 مليار لتحطم بذلك الرقم القياسي المسجل في 2008 البالغ 26 مليار دولار على الرغم من أنها شطبت أصولا روسية بقيمة 25 مليار دولار بعد أن تخارجت من حصة بنسبة 20 % تقريبا من «روسنفت» الروسية، التي تسيطر عليها الدولة، لتشطب أصولا بقيمة 25 مليار دولار نتيجة للتحرك. وكمثيلاتها، أعلنت الشركة عن خطط لإعادة شراء ما قيمته 2.75 مليار دولار من الأسهم خلال الأشهر الثلاثة المقبلة بعد أن اشترت ما قيمته 11.7 مليار دولار في 2022.
توتال إنرجيز:- حققت «توتال إنرجيز» الفرنسية أرباحا صافية بقيمة 36.2 مليار دولار في 2022، أي ضعف العام السابق. وقالت الشركة أيضا إنها تعتزم توزيع أرباح بقيمة 2.81 يورو للسهم بزيادة 6.4% عن العام السابق، بالإضافة إلى سداد توزيع خاص بقيمة يورو لكل سهم تم الإعلان عنه بالفعل.
إكوينور:- أعلنت شركة «إكوينور» النرويجية عن أرباح تشغيلية في 2022 عند 74.9 مليار دولار، لتضاعف أعلى رقم سجلته في السابق، على خلفية ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا. وأصبحت الشركة أكبر مورد للغاز إلى أوروبا بعد تقليص شركة جازبروم الروسية إمداداتها للغرب في ظل الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهة روسيا مما دفع أسعار الغاز في أوروبا لأعلى مستوياتها على الإطلاق.
وسجلت الشركة أرباحها القياسية السابقة في عام 2008 حين حققت 36.2 مليار دولار.
فوائد الأرباح ودفعة للاستثمارات:- انسحبت شركات النفط العام الماضي من روسيا، وهي منتج رئيسي للطاقة، مما أدى إلى عمليات شطب أصول كبيرة. وساهمت الأرباح في تعويض عمليات الشطب الضخمة للأصول التي تكبدتها الشركات في روسيا بعد اندلاع الصراع مع أوكرانيا. بالطبع ساهم الارتفاع القوي في أسعار النفط والغاز وانخفاض مستويات الديون والانخفاض المفاجئ في الإمدادات الروسية إلى أوروبا في أن تعزز مجالس إدارات الشركات الإنفاق على الوقود الأحفوري في الوقت الذي منحت فيه الحكومات الأولوية لتأمين الإمدادات. وقال الرئيس التنفيذي لشركة «توتال إنرجيز» باتريك بويان إن البيئة العالمية مواتية جدا لشركات الطاقة، إذ أدى تخفيف قيود مكافحة كوفيد في الصين لزيادة الطلب على الطاقة في 2023. وقال بويان: «لن نتفاجأ إذا بلغ النفط 100 دولار للبرميل». وتدور الأسعار حاليا قرب 84-85 دولارا للبرميل.
التغير المناخي وخطوة للخلف:- طموحات التغير المناخي أيضا باتت من الماضي فيما يبدو في ظل الحاجة الشديدة للطاقة في أوروبا. فقد عدلت العديد من الشركات الأوروبية التي قدمت بالفعل خططا لتقليص أو إبطاء الاستثمارات في النفط والغاز وتشييد أنشطة كبيرة للطاقة المتجددة والمنخفضة الكربون لخفض انبعاثات الكربون من استراتيجيتها.

 

أكثر هذه الخطوات جرأة ما أعلنه برنارد لوني الرئيس التنفيذي لشركة «بي.بي» بتراجع الشركة عن خططها لخفض إنتاج النفط والغاز وانبعاثات الكربون بحلول 2030.

 

وأعلنت «بي.بي» عن تقليص خططها لخفض إنتاج النفط وتهدف الآن إلى إنتاج مليوني برميل يوميا من النفط المكافئ بحلول 2030 بانخفاض 25% عن مستويات 2019 مقارنة بالخطط السابقة لخفض 40%.

 

ونتيجة لذلك قلصت الشركة طموحاتها لخفض انبعاثات الوقود المبيع للعملاء إلى 20-30 بالمائة بحلول 2030 من 35-40 بالمائة.

 

وقال لوني: «نحتاج إلى طاقة كربونية أقل، لكننا أيضا بحاجة إلى طاقة آمنة، ونحتاج إلى طاقة بأسعار معقولة. هذا هو ما تطلبه الحكومات والمجتمعات في أنحاء العالم».

 

وقال «أوزوالد كلينت» المحلل لدى «برنشتاين» إن ما فعلته «بي.بي» يعد درسا في البرجماتية وتحديد الأولويات والأداء.

 

وقال كلينت في مذكرة «البرجماتية لها الأولوية، لأنه في ظل نقص الطاقة العالمية إلى جانب الحكومات التي تتوسل من أجل أن تحذو المزيد من الشركات حذو بي.بي فإن هناك استجابة بي.بي ستميل أكثر إلى النفط والغاز خلال الفترة المتبقية من العقد الحالي».

 

انتقادات من البيت الأبيض

 

وفي تحرك لافت، انتقد البيت الأبيض شركة الطاقة العملاقة إكسون موبيل بسبب أرباحها.

 

وقال بيان للبيت الأبيض إن هامش ربح إكسون موبيل كان مثيرا للسخط على وجه الخصوص إذ يدفع المواطنون الأمريكيون أسعارا قياسية مرتفعة للحصول على الوقود. كما انتقد البيت الأبيض محاولات الجمهوريين في مجلس النواب للدفع بسياسات تهدف إلى دعم صناعة النفط.

 

وقال البيت الأبيض: «توضح أحدث تقارير الأرباح أن شركات النفط لديها كل ما تحتاجه، بما في ذلك الأرباح القياسية وآلاف التصاريح، غير المستخدمة لكن الموافق عليها، لزيادة الإنتاج، لكنها اختارت بدلا من ذلك ضخ هذه الأرباح في جيوب مسؤوليها وحملة الأسهم، بينما يتصنع الجمهوريون في مجلس النواب العذر تلو الآخر لحمايتهم من أي مساءلة».

 

والانتقاد ليس بجديد، إذ وجه الرئيس «جو بايدن» اللوم معظم العام الماضي لشركات النفط والتكرير بسبب تحقيقها أرباحا متزايدة في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الوقود. وفي يونيو الماضي، كتب «بايدن» إلى الرؤساء التنفيذيين لكبرى شركات تكرير النفط مشتكيا من أنهم خفضوا الإنتاج لزيادة الأرباح.

 

من جانبها ردت «كاثرين ميكلز» المديرة المالية لإكسون موبيل على الانتقادات حيال الأرباح المتزايدة للصناعة بأن الإجابة ليست «زيادة الضرائب».

 

وقال ميكلز: «ننظر إلى ضريبة الاتحاد الأوروبي على الطاقة، كما تعلمون، إنها مجرد سياسة غير قانونية وسيئة تسعى لفرض ضريبة على شيء ما، في حين أن ما تحتاجه فعليا هو أن تزيد هذا الشيء… لها تأثير معاكس لما تحاول تحقيقه»، مضيفة أن ذلك سيثبط إنتاج النفط والغاز الجديد.

 

انتقادات البيت الأبيض طالت أيضا شيفرون، إذ عارضت الإدارة الأمريكية قرار شيفرون مضاعفة إنفاقها على عمليات شراء الأسهم إلى ثلاثة أمثاله. ويبلغ الإنفاق حاليا 75 مليار دولار على مدى خمس سنوات وفقا لتقديرات الشركة الحالية.

 

وقال «جوناثان نورونها-جانت» الناشط البيئي لدى «جلوبال ويتنس» إن المليارات التي ربحتها «شيفرون» ستمثل «صفعة على وجه الأمريكيين الذين يكافحون لإصلاح الأضرار التي خلفتها الفيضانات التي عانت منها بعض الولايات قبل أسابيع».

 

لكن شيفرون أيضا ردت بالقول إنها ستبقى على أهدافها وستظل توزيعات المساهمين على رأس الأولويات بالنسبة للسيولة التي تملكها.

 

وفي أوروبا وحتى بعد فرض ضرائب على شركات الطاقة، يقول معارضون إن ذلك لا يكفي. ففي بريطانيا يتهم حزب العمال المعارض رئيس الوزراء «ريشي سوناك» بأنه لم يفعل ما يكفي.

 

وقال «إد ميليباند» المتحدث المعني بسياسة المناخ لدى حزب العمال في بيان «الحكومة تترك شركات الوقود الأحفوري تحقق أرباحا وفيرة بحرية كاملة عبر رفضها تطبيق ضريبة استثنائية مناسبة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى