اقتصاد دولي

تكتلات اقتصادية أفريقية فرقتها السياسة والحروب

تنوعت وتعددت التكتلات والمنظمات الاقتصادية في القارة الأفريقية، في إطار محاولات للوصول إلى التكامل الاقتصادي بين دول القارة السمراء، إذ بادرت الدول الأفريقية إلى الدخول في شراكات وتكتلات عدة بعدما خرجت من عباءة الاستعمار ونالت الاستقلال مع مطلع ستينيات القرن الماضي. وسعت الدول الأفريقية إلى الدخول في تكتلات اقتصادية لمقاومة التجزئة التي حالت دون تحقيق نمو دول القارة السمراء، كما سعت المنظمات التي نضرت لهذه المجموعات إلى تكريس الاعتماد على الذات والاستقلال الاقتصادي والسياسي وأهمها منظمة الوحدة الأفريقية.
أهداف التكتلات والمنظمات سرعان ما اصطدمت بالخلافات السياسية والأزمات الدبلوماسية بين أعضاء المنظمات الفتية، كما انعكست المواجهات المسلحة التي مزقت بعض أجزاء القارة السمراء بالسلب على هذه التكتلات.
تجمعات نقدية وأسواق مشتركة
وتعد «المجموعة الاقتصادية لدول شرق أفريقيا» التي أسست في 15 يناير (كانون الثاني) 2001 من أبرز التكتلات في أفريقيا وضمت في عضويتها دول كينيا، وتنزانيا، وأوغندا، وبوروندي ورواندا ويصل عدد سكان الدول مجتمعة إلى أكثر من 135 مليون نسمة، سجل معدل الناتج المحلي الإجمالي لدولها 84.5 مليار دولار.
تليها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «الإيكواس» التي أسست عام 1975، بعضوية 14 دولة وهي بنين، وبوركينا فاسو، وجزر الرأس الأخضر، وساحل العاج، وغامبيا، وغانا، وغينيا، وغينيا بيساو، وليبيريا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال، وسيراليون، وتوجو، ويصل عدد السكان لدول المجموعة 414 مليون نسمة. كذلك «المجموعة الإنمائية لأفريقيا الجنوبية» والتي أسست عام 1980 وتضم أنغولا، بتسوانا، الكونغو الديمقراطية، مدغشقر، ليسوتو، مالاوي، موزمبيق، موريشيوس، ناميبيا، سوازيلاند، سيشيل، جمهورية جنوب أفريقيا، تنزانيا، زامبيا، وزيمبابوي. ولعل أبرز مكاسب القارة السمراء هو تكتل السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا «الكوميسا» بعد أن دخل حيز التنفيذ في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 1994، وتضم في عضويتها 19 دولة، هي بوروندي، جزر القمر، جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا، كينيا ومدغشقر، مالاوي، موريشيوس، رواندا، سيشيل، السودان، سوازيلاند، أوغندا، زامبيا، زيمبابوي، مصر، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليبيا وتونس. أما «المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا» فتتكون من 6 دول وتأسست عام 1994، ومن أحدث التكتلات بالقارة هو «تجمع دول الساحل والصحراء» بعد أن أسس عام 1998 ويتكون من 30 دولة تضم 730 مليون نسمة. وتأسس في العام نفسه «الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا» بعضوية 8 دول تضم 137 مليون نسمة، بإجمالي ناتج محلي يساوي 160 مليار دولار. أما «مجموعة شرق أفريقيا « فلا تزيد عدد الأعضاء بها عن 7 دول وهي بوروندي وكينيا ورواندا وجنوب السودان وتنزانيا وأوغندا والكونغو. وفي عام 2019 دخلت منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية ZLECAf حيز التنفيذ وتضم 55 دولة، بسوق تضم 1.3 مليار مستهلك بحجم مبادلات يقدر بـ 3400 مليار دولار سنوياً إلى جانب توفير حوالى 300 ألف فرصة عمل مباشرة ومليوني فرصة عمل غير مباشر.
التشرذم:- واعتبر المحلل الاقتصادي محمد الناير أن الهدف من تأسيس هذه التكتلات هو خلق التنافس في المحيط الأفريقي في مرحلة أولى»، مضيفاً أن «السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا) تمثل مثالاً نموذجياً للتنافسية في القارة الأفريقية»، قائلاً «كان يجب على الدول الأعضاء تفادي الصدمات ومواجهة تقلبات الأسواق والأسعار بفضل التكامل في ما بينها، حتى تتحول تلك التجمعات إلى قوة إقليمية في مواجهة تكتلات عالمية «، مستدركاً «لكنها في الواقع اصطدمت بالتجاذبات السياسية داخل القارة إضافة إلى التجاذب إلى العمالقة بالخريطة التجارية العالمية».
وأوضح الناير أن «المنظمات أو التكتلات الأفريقية من الواقع النظري تعنى بتطوير وتنمية اقتصاديات الدول الأعضاء بدفع التبادل التجاري بينهم وتحديد المزايا التفاضلية في ما بينهم، إلى جانب إزالة الحواجز الجمركية أو التعقيدات الإدارية، وهذا من شأنه أن ينشط التجارة ويطور حجم الإنتاج لدول التكتل أو المنظمة الدول حتى تكون قادرة على منافسة تكتلات أو منظمات أخرى وتكون قادرة على المنافسة بالسوق العالمية»، مستدركاً «لكن على أرض الواقع لم يتجسد هذا المسار فعلياً ولم تتمكن التكتلات من تحقيق مجموعات اقتصادية بالقوة المرجوة، إذ لم تؤسس على شراكة حقيقية»، قائلاً «كان من المفترض أن تبنى هذه التجمعات على أساس المزايا النسبية التفاضلية بين الدول الأعضاء لتشكل منظومة تصنيع وخدمات على قاعدة التكامل بين الدول الأعضاء لتحقيق الاستفادة وخلق الثروة والرفع من مستوى النمو لدى الجميع ثم خلق جسم اقتصادي موحد ضخم قادر الصمود والمنافسة». وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن «تلك المنظمات والتكتلات لم تطور من مخططاتها التي أسست عليها واكتفت بإزالة بعض العقبات والحواجز المتعلقة بحركة التجارة والخدمات ونقل السلع من دون رؤية مستقبلية متكاملة لخلق ترابط قوي». من جانبه، انتقد المحلل الاقتصادي محمد الشحاتي تعدد التكتلات الاقتصادية في أفريقيا مما أضعف التنسيق والتعاون بين الدول، داعياً الدول الأفريقية إلى تأسيس تكتل موحد مماثل للاتحاد الأوروبي ويحاكي هيكليته.
وأشار إلى أن «التكتل الاقتصادي سيكون أكثر فعالية في حال تأسيسه إذا تخلص من التبعية السياسية»، موضحاً أن «المنظمات الإقليمية القائمة تشتت الجهود وتشرذم الدول»، مؤكداً أن «تبعية أغلب البلدان الأفريقية إلى أقطاب اقتصادية في أوروبا وآسيا أهم الموانع المعرقلة لتحقيق الهدف الأساسي من التأسيس».
وحول معوقات تحقيق الوحدة الاقتصادية الأفريقية قال الشحاتي إن «الحواجز سياسية إلى حد كبير، علاوة على أن التبادل التجاري بين الدول محدود على رغم الحوافز».
واعتبر الشحاتي أن الدول الأفريقية تفتقر إلى التوازن الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى قوة تفاوضية كبيرة، وكلما اتسعت رقعة التكتل تحققت أهدافه ونجحت مساعيه». وحول إمكانية التصدير إلى دول منطقة اليورو، أوضح الشحاتي أن «التصدير إلى دول منطقة اليورو يتطلب تسهيلات جمركية، إلى جانب أن الدول الأفريقية لا تملك القوة التفاوضية الموحدة، حتى تفرض شروطها. وتابع أن «الوضع الاقتصادي العالمي في الوقت الحالي في ظل الركود التضخمي يصعب من مهمة التكتلات الجديدة، إذ يدفع التضخم إلى تشديد السياسات الحمائية ما بين الدول»، متوقعاً أن تنتظر الدول الأفريقية مرور هذه الموجة التضخمية العالمية حتى تعاود الانفتاح الاقتصادي.
نجاعة متفاوتة:- من جهته، يرى الوزير الموريتاني السابق محمد ولد العابد، أن «التجمعات الاقتصادية الأفريقية متفاوتة النجاعة»، معتبراً أن السوق المشتركة لدول أفريقيا الشرقية والوسطى «كوميسا» هي الأكثر تكاملاً وإدماجاً لاقتصاديات البلدان الأعضاء، موضحاً أن «تحسن مؤشرات النمو والفقر لدول السوق المشتركة يأتي نتيجة لدعم التبادل التجاري وزيادة الاستثمار وحذف الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء»، قائلاً إنها «سوق كبرى واعدة».

وأشار الوزير السابق إلى منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية «زليكاف» معتبراً إياها الأضخم على الإطلاق على رغم إنها لا تزال في مرحلة التأسيس كسوق طموحة ينتظر منها زيادة حجم التبادل بين الدول الأفريقية من 15 في المئة في 2020 إلى 26 في المئة عام 2045.

ولفت ولد العابد إلى أن «التكهن بنجاعة السوق بحكم حداثة تأسيسه ليس صحيحاً، لكن يظل السؤال المطروح هل استعدت الدول الأعضاء لإزالة الحواجز الجمركية؟

وأكد أن «مجموعة شرق أفريقيا» أقل ديناميكية من المستهدف في ظل تواجد أفضل الدول في صلبها بموارد ضخمة مثل الكونغو كينيا رواندا وأوغندا بثروات طبيعية ضخمة و300 مليار دولار ناتج محلي و300 مليون نسمة»، موضحاً أن «ذلك يرجع إلى اضطراب العلاقات بين عدد من الدول»، مضيفاً أن «المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا» أقل تكاملاً نتيجة عدم التناغم السياسي، على رغم أن تأسيسها يعود إلى 40 سنة وتضم 10 دول أبرزهم الكونغو والكاميرون وأنغولا إضافة إلى أفريقيا الوسطى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى