اقتصاد دولي

ركود أوروبي وآخر في بريطانيا مع ارتفاع أسعار الفائدة

على نحو غير منطقي، أنهى الجنيه الاسترليني تداولات الأسبوع متراجعاً أمام الدولار الأميركي بربع نقطة مئوية (نسبة 0.25 في المئة) عند سعر صرف الجنيه مقابل 1.27 دولار، ذلك على رغم رفع بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) سعر الفائدة في اجتماعه الخميس الماضي بنصف نقطة مئوية (نسبة 0.5 في المئة) لتصل نسبة الفائدة على الجنيه إلى خمسة في المئة.

الطبيعي أنه مع ارتفاع سعر الفائدة يرتفع سعر صرف العملة، لكن الأسواق توقفت عن شراء العملة البريطانية متحسبة لاستمرار تدهور الاقتصاد البريطاني.

ارتفع العائد على سندات الخزانة البريطانية متجاوزاً حاجز خمسة في المئة، مما رفع كلفة الاقتراض العام لبريطانيا إلى مستوى غير مسبوق منذ 15 عاماً.

وصل العائد على سندات الخزانة البريطانية القصيرة الأجل لمدة عامين إلى 5.1 في المئة، مما يعني انهيار قيمة السند التي تتناسب عكسياً مع نسبة العائد، وفسر المحللون بيع المستثمرين بكثافة سندات الدين البريطانية أمس الجمعة كنتيجة توقع الأسواق استمرار تدهور الاقتصاد البريطاني واحتمال رفع البنك المركزي الفائدة مجدداً.

واعتبر البعض أن بريطانيا أصبحت بالفعل “اقتصاد أوروبا المريض بركود تضخمي نتيجة ارتفاع التضخم والأجور”، كما وصف “بنك أوف أميركا” الوضع.

ركود أوروبي

تتراجع أيضاً فرص تفادي اقتصاد منطقة اليورو الدخول في ركود، بعد أن أظهر مؤشر جديد صدر أمس الجمعة تباطؤاً حاداً في النشاط الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي بخاصة في فرنسا بينما أكبر اقتصاد في أوروبا الاقتصاد الألماني ربما كان في حالة ركود بالفعل، إذ شهد الناتج الاقتصادي في دول اليورو ركوداً واضحاً في يونيو (حزيران) الجاري كما أظهر مؤشر مشتريات المصانع الذي تصدره “أس أند بي غلوبال”.

جاءت قراءة المؤشر الصادرة نهاية الأسبوع عند 50.3 نقطة، مقابل 52.8 نقطة في مايو (أيار) الماضي، وذلك هو أكبر تراجع للمؤشر في خمسة أشهر، وأي قراءة فوق 50 نقطة تعكس توسعاً أما القراءة دون 50 نقطة فتعني انكماشاً، وهو ما يخشى أن يكون على الأبواب معززاً فرص الركود بخاصة مع التراجع الواضح في القراءتين الأخيرتين.

أرجعت “أس أند بي غلوبال” جمود النشاط الاقتصادي وتراجعه إلى ارتفاع أسعار الفائدة، من بين أسباب أخرى، بخاصة بعد أن رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة لدول اليورو بربع نقطة مئوية منتصف الشهر الجاري إلى 3.5 في المئة، لتصبح فائدة الإقراض ما بين أربعة و4.25 في المئة، وذلك ما جعل المحللين يتوقعون انكماش الاقتصاد الأوروبي في الربع الحالي.

وكان الاقتصاد الأوروبي دخل في ركود تقني (نمو سلبي للناتج المحلي الإجمالي في ربعين متتاليين من العام) بعد أن انكمش بنسبة 0.1- في المئة في الربع الأول من العام الحالي 2023 عقب انكماشه في الربع الأخير من العام الماضي 2022 بنسبة مماثلة تقريباً، وقاد الاقتصاد الألماني الركود في منطقة اليورو بدخوله مرحلة ركود منذ مطلع هذا العام.

يتوقع الاقتصادي في بنك “أتش أس بي سي” كريس هير ركوداً لاقتصاد دول الاتحاد الأوروبي في الربع الثاني أيضاً، كما نقلت عنه صحيفة “الديلي تلغراف”.

ويضيف معلقاً على قراءة مؤشر مشتريات المصانع “إذا أثبتت تلك المؤشرات أنها تعكس تأثيراً حقيقياً فإن ذلك يثير الشكوك في شأن مدى التعافي من الركود غير العميق الذي شهدته منطقة اليورو هذا الشتاء”.

وتوقعت “أس أن بي غلوبال” أن يكون الاقتصاد الفرنسي الأكثر تراجعاً في الربع الحالي مع احتمالات انكماش بنسبة معقولة. ومعروف أن الاقتصاد الفرنسي يأتي بعد الاقتصاد الألماني في ترتيب الحجم والقوة في أوروبا.

وفي الإجمالي تراجعت ثقة الأعمال في اقتصاد الاتحاد الأوروبي ككل بحسب استطلاعات الشهر الجاري، وذلك إلى أسوأ معدلاتها انخفاضاً في سبعة أشهر.

مخاوف متصاعدة

تتصاعد الآن المخاوف من ركود تضخمي ليس في بريطانيا فحسب بل وفي منطقة اليورو أيضاً على رغم أن معدلات التضخم والأجور ليست مرتفعة في أوروبا بالقدر ذاته كما في بريطانيا.

يعد الركود التضخمي حالة انكماش للنشاط الاقتصادي في ظل استمرار معدلات التضخم العالية، ويرافقها ارتفاع الأجور، وبذلك يستمر الطلب في الاقتصاد مرتفعاً في حين تباطؤ وانكماش النشاط الاقتصادي لا يوفر المعروض الكافي لتلبية الطلب.

تتوقع الأسواق أن يكرر بنك إنجلترا رفع أسعار الفائدة ربما إلى سقف 5.75 في المئة في اجتماعه المقبل في سبتمبر (أيلول) كما يقول محلل بنك “غولدمان ساكس” جيمس موبرلي في مقابلة مع صحيفة “التايمز”.

وأضاف أن قرار الفائدة هذا الأسبوع “يعكس القلق من توقعات معدلات التضخم والتغير الواضح في مدى استجابة التضخم لقرارات السياسة النقدية”.

أما رئيس قسم الاقتصاد الكلي في معهد “أمودندي” لإدارة الأصول، فيرى أن الركود التضخمي في الاقتصاد البريطاني سيكون “نموذجاً عالمياً”، محذراً من أن بريطانيا تواجه خطر الارتفاع المستمر في الأجور والأسعار، كما وصف المحللون في “بنك أوف أميركا” الاقتصاد البريطاني بأنه “اقتصاد أوروبا المريض بالركود التضخمي”.

وتوقع البنك استمرار انخفاض سعر صرف الجنيه الاسترليني لينهي هذا العام عند 1.24 دولار للجنيه، وأيضاً استمرار ارتفاع كلفة الاقتراض العام وزيادة عبء كلفة الدين خدمة الدين على الخزانة البريطانية.

وكتب رئيس “معهد بيترسون للاقتصاد الدولي” آدام بوزن مقالاً في صحيفة “فايننشال تايمز” اليوم السبت بعنوان “على بريطانيا أن تعتبر نفسها اقتصاداً صاعداً”، وطالب واضعي السياسات في بريطانيا إلى التوقف عن الخيارات غير المجدية وضرورة تطبيق برنامج إصلاح هيكلي كالذي يفرضه صندوق النقد الدولي على الدول النامية والصاعدة التي تطلب مساعدة الصندوق.

وفي رأي بوزن، والذي كان عضواً سابقاً في لجنة السياسات النقدية في بنك إنجلترا التي تضع السياسة النقدية لبريطانيا وتقرر أسعار الفائدة على الاسترليني، أنه من الأفضل أن تطبق بريطانيا ذلك بنفسها على نفسها كي لا تواجه بما هو أسوأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى