اقتصاد دولي

سوق الذهب تتهيأ لصعود قريب في مصر

بيانات التضخم وتكهنات تعويم الجنيه تعززان الطلب على المعدن وسط توقعات بصعود يتجاوز 90 دولاراً لـ"غرام 21"

فيما لم تراوح أسعار الذهب في مصر مكانها منذ الهبوط المدوي للمعدن الأصفر إثر قرار الحكومة إعفاء واردات الذهب مع القادمين من الخارج من الرسوم الجمركية والضريبية، يتساءل حائزو المعدن النفيس في البلاد عن مستقبل أسعاره، وما إذا كانت مدخراتهم من السبائك والجنيهات الذهبية ستؤتي أكلها من عدمه، لكن متخصصين وتجاراً وبنوكاً عالمية يرون أن أسعار الذهب على موعد قريب مع الزيادة في السوقين المحلية والعالمية لعديد من الأسباب، مما يجعل الوقت الحالي مثالياً للشراء بغية التحوط وتجنيب المدخرات أخطار التآكل وسط توقعات بالارتفاع في مصر حال قيام القاهرة بخفض رابع في سعر صرف الجنيه أمام الدولار في خطوة ترفع كلفة استيراد البلاد للذهب بالدولار، من ثم تسعير أعلى مقوماً بالجنيه المصري.

وفي مايو (أيار) الماضي قرر مجلس الوزراء المصري إعفاء واردات الذهب بأشكاله نصف المشغولة والمعدة للتداول النقدي والحلي والمجوهرات بصحبة القادمين من الخارج من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى، فيما عدا الضريبة على القيمة المضافة لمدة ستة أشهر تنتهي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

واكتسب الذهب في مصر بريقاً خاصاً بتعويم ثالث للجنيه في يناير (كانون الثاني) الماضي، دفع أسعار المعدن الأصفر صعوداً مقومة بالعملة المحلية إلى مستوى تاريخي هو 2800 جنيه (90.62 دولار) لغرام الذهب “عيار 21″، بدعم من الطلب المرتفع، إذ هرول المصريون نحو شراء المعدن في مسعى إلى تجنيب مدخراتهم خطر التآكل، في وقت ظلت فيه السوق السوداء للدولار نشطة إلى حد كبير، وزكت تحركات العملة الأميركية في هذه السوق التوقعات في شأن تعويم رابع للعملة المصرية.

تحركات عرضية في أسعار الذهب

لم تغادر أسعار الذهب اليوم في مصر نطاق التحركات العرضية الطفيفة للمعدن طيلة الأسابيع الماضية، إذ ظل سعر غرام الذهب “عيار 24” الأكثر نقاءً يدور في فلك مستوى 2500 جنيه (80.90 دولار)، فيما سجل سعر غرام الذهب “عيار 21” الأكثر شعبية مستوى 2200 جنيه (71.19 دولار)، وحل غرام الذهب “عيار 18” عند مستوى 1880 جنيهاً (60.84 دولار)، فيما سجل الجنيه الذهب (يزن ثمانية غرامات عيار 21) سعر 17500 جنيه (566.29 دولار) دون حساب المصنعية.

وعلى رغم إصرار بعض المتخصصين والتجار ربط المعدن الأصفر في السوق المحلية بتحركات أسعاره في البورصات العالمية، إلا أن آخرين يرون السوق المصرية في معزل عن التحركات لدى نظيرتها العالمية، لأسباب تتعلق بارتفاع سعر الذهب في مصر مقوماً بالجنيه إلى مستوى يفوق السعر العالمي، بالتالي لا أثر يذكر حال ارتفاع أو تراجع سعر المعدن في السوق العالمية على الأسعار في مصر، وفي المقابل، يعتقدون أن المحرك الأساس لأسعار الذهب في مصر هو الطلب المحلي، فإذا ارتفع، دفع معه أسعار المعدن صعوداً.

في حديثه يربط المدير التنفيذي لإحدى شركات تجارة السبائك والجنيهات الذهبية فادي كامل أسعار الذهب في مصر بقرارات ومواقف دولية، على سبيل ترقب الأسواق لقرارات “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي، وحالة عدم اليقين المستشرية، وآفاق الصراع الروسي – الأوكراني. ويقول إن تراجع سعر الذهب في مصر يأتي إلى جانب تراجع الطلب المحلي ونقص السيولة، بسبب مواصلة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتصريحات الرئيس الأوكراني زيلينسكي من مواصلة بلاده المعركة، إضافة إلى الترقب في السوق الأميركية لبيانات التضخم وتأثيراتها المتوقعة على موقف “الفيدرالي” من أسعار الفائدة.

ويلفت فادي كامل إلى السوق المحلية تعيش حالة من عدم الاستقرار تحكمها التوقعات بخفض قيمة الجنيه المصري، في إطار مساعي القاهرة للتوافق مع اشتراطات صندوق النقد الدولي، لإتاحة شريحة جديدة من قرضه البالغ إجمالاً ثلاثة مليارات دولار، عبر اعتماد سعر صرف مرن للجنيه أمام الدولار. ويرى أن مبيعات الذهب في مصر تشهد حالة من التوازن على جانبي العرض والطلب، مع تراجع مبيعات السبائك والجنيهات الذهبية لصالح المشغولات على خلاف ما كان متبعاً في الأشهر الماضية من اندفاع واضح في طلب السبائك والجنيهات بغية التحوط.

ارتفاع سعر الذهب

ويتوقع المتخصص في تجارة الذهب، ارتفاع أسعار المعدن الأصفر إلى مستويات أعلى مما سبق أن وصلت إليها من قبل، حال خفض تعويم الجنيه، وبخاصة مع قرار وقف الاستيراد الذي يغذي نقص المعروض.

ووفق أحدث تقرير من مجلس الذهب العالمي، مطلع الشهر الجاري، ارتفعت مشتريات المصريين من المعدن الأصفر خلال الربع الثاني من 2023 إلى 17.3 طن مقابل 16.2 طن الربع السابق، و10.7 طن في الربع نفسه من العام الماضي.

من جانبه، يعتقد المدير التنفيذي لإحدى منصات تداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت سعيد إمبابي أن أسعار الذهب أمام صعود متوقع عالمياً الفترة المقبلة مع اتجاه المستثمرين لشراء المعدن بعد انخفاض الودائع في البنوك الخاضعة لتأمين مؤسسة الودائع الفيدرالية، بحسب البيانات المصرفية ربع السنوية الأخيرة، وذلك للربع الخامس على التوالي في الفترة المنتهية في 30 يونيو (حزيران) الماضي، في أكبر انخفاض ربع سنوي على الإطلاق.

مصر سوق منعزلة

على جانب آخر، يتحمس رئيس شعبة الذهب والمجوهرات بالغرف التجارية هاني ميلاد إلى فكرة أن السوق المصرية في معزل عن نظيرتها العالمية، وإن رآه “انعزالاً غير كامل”، إذ يقول إن السوق العالمية محكومة بعوامل رئيسة، أولها العرض والطلب، ثم حركة الأوقية أمام الدولار، وأن التسعير في مصر أكثر ارتباطاً بسعر صرف الدولار أمام الجنيه، والذي يعني أنه كلما ارتفع الدولار تأثر تسعير الذهب صعوداً.

ويشير رئيس شعبة الذهب والمجوهرات إلى أن استيراد الذهب بدولار السوق السوداء المقوم بأكثر من السعر الرسمي في البنوك يرفع كلفة استيراده، من ثم تسعيره بالجنيه المصري، وهو ما يجعل أسعار الذهب في مصر أعلى من السوق العالمية، مشيراً إلى أن أسعار الذهب ستشهد ارتفاعاً مقوماً بالجنيه المصري، تأثراً بالسعر العالمي، حال توقف “الاحتياطي الفيدرالي” عن التشديد النقدي، والاتجاه إلى تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل سبتمبر (أيلول) الجاري، كما حدث في أبريل (نيسان) الماضي، معتبراً أن التوقيت الحالي مثالياً لشراء الذهب.

لكن صوتاً آخر يراهن على الطلب المحلي كمحرك أساس لأسعار الذهب في البلاد، فيقول المتخصص في تجارة الذهب محمود الرفاعي إن ارتفاع المعدن الأصفر في أبريل الماضي إلى مستويات تاريخية تجاوز فيها غرام الذهب “عيار 24” مستوى ثلاثة آلاف جنيه (97.08 دولار)، وبلغ سعر “عيار 21” نحو 2800 جنيه (90.62 دولار) للغرام، لم يكن استجابة لارتفاع عالمي في سعر الأوقية، بقدر ما كان نتيجة الطلب المرتفع على السبائك والجنيهات الذهبية من جانب المواطنين، وهو درس مستخلص يؤشر إلى قدرة الطلب المحلي على رفع الأسعار إلى مستويات تاريخية.

ويتحدث الرفاعي عن فرص ارتفاع الذهب في البلاد، فيقول “نلاحظ أنه إذا ارتفع الذهب كمثال، 50 جنيهاً (1.62 دولار) يرتفع معه الإقبال على الشراء على نحو ملحوظ، وهو ما يرفع بدوره من أسعار المعدن، فالمصريون يشترون الذهب عادة في الأوقات الخاطئة يشترونه مرتفعاً في العادة، من ثم فاندفاعهم نحو الشراء يرفع السعر أكثر فأكثر، وهو ما قد يحدث حال ارتفاع الغرام في أعقاب أي خفض في سعر الصرف”.

وتتزايد الرهانات اليوم على صعود مريح في أسعار الذهب، ومن تلك الرهانات ما ذهب إليه بنك “يو بي أس” السويسري في مذكرة حديثة، من ارتفاع متوقع للأوقية (الأونصة) إلى مستوى 2100 دولار بنهاية العام الحالي، و2250 دولاراً بحلول منتصف العام المقبل، وهي توقعات تتقارب ونظيرتها لدى بنك “سوستيه جنرال” الفرنسي الذي رجح ارتفاع المعدن إلى مستوى 2200 دولار بنهاية 2023، وإن كانت أكثر تفاؤلاً مما أبدته “غروب كابيتال” من بلوغ الذهب نطاقاً أقل عند 2000 دولار للأوقية بنهاية العام، والتي تخالف بدورها توقعات بنك الاستثمار الأميركي العملاق، “ويلز فارغو” حين أشار في تقريره نصف السنوي إلى توقعات بارتفاع الذهب إلى 2100 و2200 دولار بنهاية العام الحالي، و2300 إلى 2400 بنهاية العام المقبل.

أمام مواصلة التضخم في البلاد نموه، إذ جاء معدل التضخم في أغسطس (آب) الماضي مرتفعاً إلى 39.7 في المئة مقابل 15.3 في المئة للشهر نفسه من العام السابق، يعتقد المتخصص المصرفي وليد عادل أن ممارسة فعل التحوط ستظل نشطة، ومن ذلك شراء الذهب بغية حفظ القيمة، متوقعاً ارتفاع الإقبال على الشراء الفترة المقبلة، بخاصة أن الغرام في القاع السعري هذه الأيام، موصياً بمواصلة الشراء واكتناز المعدن النفيس في الوقت الحالي.

ومنذ مارس (آذار) من العام الماضي عومت القاهرة سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار ثلاث مرات، إذ تراجع السعر من 15.75 جنيه للدولار في نهاية الربع الأول من العام الماضي، إلى متوسط 30.85 جنيه للعملة الأميركية في سبتمبر الجاري، في وقت ظلت فيه السوق السوداء للعملة محتفظة بأسعار أعلى للدولار الأميركي أمام الجنيه عند مستوى 40 جنيهاً (1.29 دولار بالسعر الرسمي)، إثر موجة من هرب 20 مليار دولار من الأموال الساخنة، نتيجة التشديد النقدي الذي مارسته البنوك المركزية، وفي مقدمتها بنك الاحتياطي الفيدرالي، بنهاية عام 2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى