مختارات اقتصادية

عامل فاصل بين الربح والخسارة .. كيف تؤثر إدارة شركة على سعر سهمها؟

كثيرًا ما يتردد أن أحد كبار المستثمرين في أسواق المال عقد اجتماعا مع مجلس إدارة أو المسؤولين التنفيذيين في إحدى الشركات الكبرى، لكي يتعرف منهم على خططهم المستقبلية للشركة، ورؤيتهم لكيفية إدارتها والأنشطة التي يستهدفون التوسع فيها، وتلك التي يرغبون في التخلص منها وغير ذلك من أوجه شؤون إدارة الشركة.

وبناء على اجتماعات مماثلة، قرر “بيتر لينش” ضخ استثماراته في “دانكن دونتس”، وانخرط “وارين بافيت” في “بي واي دي”، واستحوذ ائتلاف مستثمرين على نسبة كبيرة من أسهم “أوبن إيه أي” مطورة تشات جي بي تي، ويدعو هذا للتساؤل عن آثار تغيير الإدارة واستراتيجيتها على سوق الأسهم ومتى ينبغي للمستثمر الانتباه لضرورة شراء سهم شركة أو التخلص منه.

تيم كوك وصعود “أبل”

بالقطع تستفيد أسعار الأسهم من السمعة الإيجابية للإدارات الجديدة، فإذا كان للمدراء الجدد سجل حافل بالنجاح في شركات أخرى، أو في قطاع داخلي للشركة التي تولوا قمة إدارتها، فهذا قد يؤدي إلى زيادة ثقة المستثمرين فيها، مما قد يرفع من سعر سهمها.

ولعل المثال البارز على ذلك كان الارتفاع الحاد في سعر أسهم “أبل” منذ عام 2011 حتى بداية 2024 فأي مستثمر ضخ مبلغ ألف دولار في الشركة مع تولي “تيم كوك” لإدارة الشركة قبل 13 عامًا، كان ليحصد ما يزيد على 16 ألف دولار، أي ما يزيد على 1600% خلال هذه الفترة (هذا بالإضافة للأرباح التي تم توزيعها خلال نفس المدة).

ولتبيان “أثر كوك” على أسهم الشركة التكنولوجية الأمريكية يكفي الإشارة إلى أن الشركة لم تتخط أرباح أو نسبة نمو أسهم مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” قبل 2011، وكانت دون أداء المؤشر في كثير من الأوقات أيضًا، لكن بعد تولي “كوك” مهام الإدارة أصبح السهم يحقق أداءً يتفوق على متوسط المؤشر بـ400% في المتوسط، بما يؤكد تأثيره الهام.

والشاهد أن التفاؤل بـ”كوك” في الأسواق جاء فور تعيينه، حيث عُرف عنه رغبته المستمرة في تبسيط سلاسل التوريد للشركة العملاقة والعمل على التخلص من المخزون الزائد، وشكّل هذا مؤشرًا على إمكانية توجيه الاستثمار المهدر في المخزونات لأوجه أخرى مثل المتاجر والبحث والتطوير بما انعكس بالفعل لاحقًا على نمو مبيعات الشركة وانتشارها.

أوبر أيضا

ويأتي نموذج “أوبر” كأحدث مثال على كيفية تأثير تغير إدارات الشركات على سعر سهمها، ولو بعد حين، حيث كشفت الشركة عن أول ربح سنوي في تاريخها في السابع من فبراير، كما انضمت مؤخرًا إلى مؤشر ستاندرد آند بورز 500، قبل أن يقر مجلس الإدارة خطة لتوزيع الأرباح في الرابع عشر من فبراير لأول مرة أيضا.

وكان من نتائج ذلك وصول السهم إلى قمة تاريخية بتجاوزه 80 دولارًا للسهم، وارتفاعه بين فبراير 2023 وفبراير 2024 بنسبة 133%، ولكن كيف وصلت الشركة إلى ذلك، الإجابة من خلال تغيير حدث في الإدارة في عام 2017 وظهرت ثماره بشكل تدريجي ثم بشكل أكبر في بداية 2024.

ففي 2017، قررت الشركة التضحية بأحد مؤسسيها ومديرها التنفيذي وقتئذ ” ترافيس كالانيك” الذي اتسم نهجه الاستثماري بالعدوانية المفرطة، من خلال التوسع في أعمال الشركة بشكل مستمر، وجعل مركز اهتمامه البحث عن تمويل وغزو أسواق وقطاعات جديدة مثل توصيل الطعام والسيارات ذاتية القيادة وقطاع الدراجات النارية وغيرها من أوجه التوسع.

وأدى هذا لإثقال الشركة بالديون وعجزها المستمر عن تحقيق الأرباح، فضلًا عن دخولها المستمر في صراعات مع السلطات التنفيذية والتشريعية، بل ومع بعض قائدي السيارات في كثير من الدول، بما أثار تساؤلات حول مستقبلها.

ومع تعيين “دارا خسروشاهي” رئيسًا تنفيذيًا للمجموعة استبشرت الأسواق به كثيرًا، بسبب سلوكه المنضبط ماليًا في الشركات السابقة التي عمل بها، وفي ظل حاجة “أوبر” إلى تنظيم شؤونها المالية، تخلص من القطاعات غير البناءة في غالبية الدول مثل استخدام الدراجات النارية بل وتخلص من قرابة 10% من موظفي الشركة.

ورغم كل جهود “خسروشاهي”، كانت عملية طرح أوبر للاكتتاب الأولي في 2019 غير ناجحة، حيث انخفض السهم بنسبة 7.6% في اليوم الثالي للطرح بما جعلها إحدى أسوأ عمليات الاكتتبات الأولية في تاريخ الولايات المتحدة.

ولكن الرجل استمر في منهجه “العاقل”، فقلل التكاليف بحدة بتقليص حوافز “تخفيضات” الركاب والدخل الإضافي للسائقين، وذلك بعد اضطراره لزيادتها لفترة مؤقتة فور تراجع وباء “كورونا”، والذي رآه كثيرون ضربة قاصمة لقطاع النقل التشاركي غير أن الشركة نجحت في تحويله لفرصة لإعادة ترتيب الأوراق، والتخلص من الأنشطة الخاسرة وغير الضرورية، وبالتالي انعكس الأمر إيجابًا على أسهم الشركة وقيمتها السوقية.

المثال المعكوس.. زاوية أخرى لتراجع نوكيا

وهناك النموذج المضاد لنموذج “كوك” و”أوبر” والمتمثل في “ستيفن أيلوب” الرئيس التنفيذي السابق لشركة “نوكيا” الذي كثيرًا ما يهمل الناس دوره السلبي في توجيه الشركة الفنلندية التي يضرب بها المثل في فكرة تأثير الجمود الإداري في تحويل شركة قائدة للسوق إلى نموذج “شاحب” على هامش القطاع الذي تنشط به.

فخلال ثلاث سنوات قضاها “أيلوب” كرئيس تنفيذي لـ”نوكيا” انخفضت إيرادات الشركة بنسبة 40%، وأرباحها بنسبة 95%، وتراجعت حصة نوكيا في سوق الهواتف الذكية من 34% إلى 3.5% لصالح جوالات أندرويد وآبل.

ولم تتلق الأسواق تعيين “أيلوب” بكثير من الترحاب في 2010، حيث إنه غادر شركة “أدوبي” بعد صدام كبير مع مجلس إدارتها، ثم ترك شركة “جونيور نتوركس” أيضا بعد خلافات إدارية، ثم التحق بالعملاق “مايكروسوفت” ليكون رئيسًا لشعبة الأعمال فيها لتكون الوظيفة الوحيدة التي استقر فيها لأكثر من عامين منذ 2005.

وبالطبع هناك أسباب أخرى سبقت وصول “أيلوب” لإدارة نوكيا، ولكن الشاهد أن طريقته الإدارية “الصدامية”، والتي جعلت نوكيا تتبنى نظم تشغيل ويندوز تسببت في التراجع المذكور سابقًا في أعمال الشركة، بما أدى لخسارة السهم أكثر من 60% من قيمته خلال 3 سنوات فحسب وسط “سقوط حر” لكافة مؤشرات الشركة.

وفي المقابل، يرى البعض أن أحد أسباب ما يتم وصفه من كثيرين بأنه “تقييم مبالغ فيه” لشركة “تسلا”، حيث وصل مضاعف الربحية للسهم في ديسمبر 2020 إلى 940، بينما الآن 41 ولا يزال بين الأعلى في مضاعف الربحية –خارج قطاع أسهم التكنولوجيا- يرجع إلى قدرة “إيلون ماسك” على التواصل الفعال مع السوق بشكل عام.

فعندما أراد ماسك بيع أسهم بالمليارات من الشركة لشراء “تويتر” (إكس حاليًا) أجرى استفتاء على الموقع عما إذا كان ينبغي له أن يبيع تلك الأسهم بما جعل العملية تتم بسلاسة ودون التأثير على سعر السهم حينها إلا بنسبة 1% عزاها المراقبون لقلق المستثمرين من زيادة التزامات “ماسك” في ظل عدد ليس بالقليل من الشركات التي يديرها بشكل مباشر.

انتبه للعلامات

والشاهد أنه على المتداول الانتباه للتغير في الإدارة، وإيجابيته من سلبيته، ويدرس –إن أمكنه الحصول على المعلومات- منطق الإدارة الجديدة في التعامل مع المشكلات أو استغلال الفرص بحيث يحدد موقفه من بيع أسهمه في الشركة إن كان يمتلكها بالفعل، أو اتخاذ قراره بالشراء أو عدمه إن لم يكن مالكًا لسهم الشركة.

ويجب ملاحظة أن هناك تأثيراً فورياً على أسهم الشركة عند تغيير الإدارة، فقد يحدث ارتفاع إذا كانت الإدارة سيئة، وبالتالي فإنه من المنتظر تحسين الوضع ولو بقدر طفيف، أو انخفاض إن أثبتت الإدارة السابقة نجاحًا ويثير تغييرها المخاوف من انقطاع تواصل الإنجازات، أو إذا جاء رحيل الإدارة بسبب خلافات مع المساهمين أو مجلس الإدارة (وإن ارتفعت بعض الأسهم بسبب استبشار الأسواق بانتهاء تلك الخلافات وتراجع آثارها).

ولكن لا ينبغي التركيز على هذا التأثير المؤقت، ولكن على العوامل الأمضى تأثيرًا وأهمها سمعة الإدارة الجديدة وخططها وقدرتها العملية على تنفيذ المخططات وتوقعات السوق، فهذه هي العوامل التي ينبغي للمتداول الاهتمام بها لدى الاهتمام بتأثير تغيير إدارة شركة على مستقبل أسعار أسهمها.

المصادر: أرقام- بلومبرج- ياهوفاينانس- سي إن بي سي- إيكونوميست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى