شات جي بي تيمختارات اقتصادية

فضلا فكر ثانية .. هل ستترك روبوتاً يتحكم في استثماراتك في سوق الأسهم؟

بدا الانبهار بما في وسع الذكاء الاصطناعي تقديمه كبيراً مع ظهور تطبيقات تتعامل بشكل مباشر مع المستخدم العادي، وأبرزها تطبيق «جي.بي.تي.شات» وتطويره، ودخول «مايكروسوفت» و»جوجل» على نفس خط المنافسة، مع شيوع أنباء الاستثمارات التي يجريها «تويتر» وعشرات الشركات التكنولوجية في هذا المجال. وأثار هذا الأمر تساؤلا حول قدرة برامج الذكاء الاصطناعي على القيام بدور «مستشار» للمستثمر في سوق الأسهم، بل بدأ البعض في الترويج إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي قادرة على التحكم بشكل كامل في الاستثمارت وتوجيهها بشكل سليم يُبعد المستثمرين عن أية سلبيات ناتجة عن وجود «المشاعر الإنسانية» وتدخلها في التداول.
«الثقة» في الذكاء الاصطناعي
فعلى الرغم من قدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عالم الأسهم، ولعل أبرزها «علاء الدين» الذي تملكه «بلاك روك» ولكن اعتماد المستثمرين الفرديين عليها يبقى محدودًا حتى الآن في التداول في سوق الأسهم.
ويرتبط الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بشكل عام بدرجة الثقة فيه، فالشاهد أن «الثقة» في الذكاء الاصطناعي بوجه عام أكبر منها في الدول النامية عنها في الدول المتقدمة، حيث تصل إلى 75% في دولة مثل الصين ومثل الهند، بينما تتراجع لتصل إلى 50% فحسب في البرازيل، وفقًا لدراسة أجرتها شركة «كي.بي.إم.جي» العالمية للمحاسبة.
لكن تشير الدراسة أيضًا إلى أنه في دولة مثل اليابان لا تتعدى نسبة الثقة في الذكاء الاصطناعي و»قدرته على إدارة الأمور» 23% أما الأمريكيون فأعرب 40% منهم فحسب عن ثقتهم في الذكاء الاصطناعي بينما قال 24% منهم إنهم على استعداد لاستخدام تطبقياته في الحياة العادية (بما في ذلك سوق الأسهم).
وتكشف الدراسة أنه حتى كبار مؤيدي إدماج الذكاء الاصطناعي في سوق الأسهم يرغبون في درجة من «التكامل» في اتخاذ القرار، بحيث يتخذ الذكاء الاصطناعي 25% من القرارات ويبقى العنصر البشري فاعلًا في 75% من القرارات أو أن يقتصر دوره على تقديم المشورة أو التنبيه ببعض الأمور التي قد يغفل عنها المستثمر. والشاهد أن أكبر 3 شركات في العالم لإدارة الأصول تتفاوت بشدة في درجة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التداول والقرارات الاستثمارية بشكل عام بدءا من «بلاك روك» التي تلقي ثقلًا كبيرًا على «علاء الدين»، مرورًا بـ»فانجارد» التي تدمج بدرجة ما بين العنصر البشري والتقني، وانتهاء بـ»ستيت ستريت» التي لا تثق في كافة خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتعتمد على البشر. الذكاء الاصطناعي والتحليل المالي:- وشاع في الأونة الأخيرة عدد من تطبيقات الجوال التي تعتمد على الـBots أو الروبوتات الآلية من أجل تداول الأسهم في البورصة، واللافت أنها جميعًا تعتمد على التحليل الآني أو قصير المدى للغاية، وتنتهج أسلوب البيع والشراء السريع وليس الاستثمار بما يجعلها تطبيقات للمضاربة لا الاستثمار وهو ما يثير التساؤل حول مدى نجاعتها.
ويشير المحللون في بنك «جولدمان ساكس» إلى أنه من المتوقع أن يستبدل الذكاء الاصطناعي حوالي 300 مليون وظيفة، ولكن البنك رجح ألا تكون وظيفة المحلل المالي أو خبير الأسهم من الوظائف المهددة على المدى القصير، بل سيستمر العنصر البشري ليكون حاسمًا في هذا الأمر. ويمكن القول إنه باستثناء «علاء الدين»، والذي بدأ عمله رسميًا وتطوره قبل أكثر من 3 عقود فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى في القطاع المالي والأسهم لا تزال وليدة وغير مستقرة وبحاجة إلى وقت طويل نسبيًا من أجل الوصول إلى درجة من «النضج» تتيح لها التعامل بكفاءة مع أسواق الأسهم. ولكن الملاحظ أيضًا أن سرعة تطور برامج الذكاء الاصطناعي باتت قياسية، وليس أدل على ذلك الاختلاف الكبير بين «تشات جي بي تي 3.5» و»تشات جي بي تي 4»، حيث يقدر الخبراء أن الأخير أكثر قدرة على التحليل والفهم بـ10 مرات مما هو الحال مع الإصدار السابق له الذي بدا متفوقًا على تطبيقات ذكاء اصطناعي كثيرة بالفعل.
ولذلك فمن الممكن أن تشهد تطبيقات التداول التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تطورًا كبيرًا، لا سيما خلال السنوات الخمس المقبلة التي يعتبر «جولدمان ساكس» أنها ستكون حاسمة في تحديد مدى توغل الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الاقتصاد بما في ذلك التداول في سوق الأسهم.
«ثغرات» السوق:- ويقدر بنك الاستثمار «بيبر ساندلر» أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يستخدمه المتداولون في إيجاد «ثغرات» في السوق يمكن استغلالها من أجل شراء أسهم ذات احتمال وفرصة كبيرة للنمو في الآجال القصيرة، معتبرًا على سبيل المثال أن أسهم السوق الأمريكي التكنولوجي فحسب (ناسداك) تقدم فرصة لنمو 100 مليار دولار خلال العام الحالي. ويقول الباحث «إليخاندرو لوبيز ليرا» الذي قدم ورقة بحثية لجامعة «كولومبيا» حول قدرات الذكاء الاصطناعي إن برنامجاً غير متخصص مثل «تشات جي بي تي» قادر على تحقيق عائدات تفوق المتوسط في السوق الأمريكي بنسبة تتخطى 1% على الأقل على الرغم من أنه ليس متخصصاً في المجال المالي. ويشير «ليرا» إلى أن هذا يجعل أداء التطبيق متفوقا على أكثر من 95% من المتداولين الذين يكتفون بالخسائر أو بتحقيق أرباح تقل أو تكافئ السوق، بما يؤكد أن ذكاء اصطناعيا متخصصا في تحليل الأمور المالية والأسهم من شأنه أن يحقق نتائج أفضل، ولا سيما إذا توفر له الوقت اللازم.
وعنصر الوقت حيوي للغاية في تقييم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، لأن الأخير يعتمد على آلية تعليم يقوم من خلالها عدد كبير من محللي البيانات برفع المعلومات ذات الصلة و»تدريب» الذكاء الاصطناعي على البحث عما يساعده على شبكة الإنترنت ليتمكن من الوصول لاستنتاجات صحيحة لا سيما في الأمور المعقدة مثل أسواق الأسهم.
مخاوف:- ولذلك يختلف البعض مع تقييمات «ليرا» لأن وصول الذكاء الاصطناعي إلى تقارير أو آراء على شبكة الإنترنت تشير إلى أن غالبية سوق الأسهم قائمة على الحظ من شأنه أن يحد من قدرته على التطور ويجعله بمثابة انعكاس لحالة السوق والمتداول «العادي» وليس المتفوق. ولذلك يستلزم الذكاء الاصطناعي عشرات البشر الذين يعملون على تثقيفه وتحديثه باستمرار مع اعتبار أن أسواق الأسهم أحد أكثر الأنظمة تعقيدا، في ظل تأثرها بالاقتصاد والسياسة والروح المعنوية العامة والشائعات والتقارير المالية وعشرات المتغيرات غيرها بالإضافة إلى وجود عدد لا حصر له من اللاعبين في السوق. وعلى الرغم من هذا التوسع الكبير للذكاء الاصطناعي يقر 73% من المتعاملين في الأسواق حول العالم بمخاوفهم من أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل خطرًا على استثمارتهم سواء أدارها أم لا بسبب قيامه بتنفيذ استراتيجية مطورية أو حتى استراتيجية ذاتية (أي يضعها الذكاء الاصطناعي لنفسه).
ويبقى التفرد الرئيسي للذكاء الاصطناعي والذي يبني كثيرون عليه تمتعه بميزة نسبية هي عدم انخراطه «العاطفي» في التداول، فهو لا يهلع ولا يطمع ولا يشعر بالهزيمة أو النصر مع ارتفاع الأسهم أو انخفاضها، ولذلك فإن المستثمر «الطبيعي» الذي يتمكن من مضاهاته يمكنه أن يدمج بين: التقدير الصحيح و»الحس» البشري، وتلك هي المعادلة الصعب تحقيقها.

المصادر: أرقام- دراسة لجامعة كوينزلاند «Trust in Artificial Intelligence» لجامعة كوينزلاند- ياهو نيوز- فوربس- جولدمان ساكس- دراسة لجامعة كولومبيا «Can ChatGPT Forecast Stock Price Movements? Return Predictability and Large Language Models»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى