مختارات اقتصادية

قلق من ركود قادم للاقتصاد الأمريكي لكن التحلي بالصبر قد يكون كلمة السر

تدوي إشارات تحذير على ما يبدو من المناطق شديدة التأثر بالاقتصاد في سوق الأسهم الأمريكية بشأن ركود قادم حتى في الوقت الذي ترتفع فيه مؤشرات الأسهم الرئيسية.
وارتفع المؤشر «إس آند بي 500» بواقع 8.6 بالمئة منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية أبريل الماضي وقفز 1.5% في أبريل وذلك بفضل موجات الارتفاع الكبيرة في أسهم شركات من بينها «مايكروسوفت»، و»أمازون»، و»ألفابت» الشركة الأم «لجوجل» وغيرها من أسهم النمو والتكنولوجيا التي تتمتع بأوزان ثقيلة في المؤشرات الأوسع نطاقا.
مخاوف تحت السطح:- لكن تحت السطح، تراجعت القطاعات المرتبطة بالمعنويات الاقتصادية مثل أسهم شركات النقل وأشباه الموصلات والشركات الصغيرة في أبريل، بينما سجلت القطاعات الدفاعية أداء فاق السوق. ورفع مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة على مدى أكثر من عام للسيطرة على التضخم وبالفعل باتت أوضاع الائتمان أكثر تشديدا وانهارت بعض البنوك المحلية. وعلى الرغم من أن سوق العمل ما زالت قوية، فإن خبراء الاقتصاد حتى لدى البنك المركزي الأمريكي يتوقعون تباطؤا اقتصاديا سيكون شديدا بما يكفي ليتم اعتباره ركودا.
يشير المستثمرون إلى تنامي الحذر بين المتعاملين في السوق الذين يواجهون مجموعة كبيرة من مواطن القلق، من المخاوف بشأن تعثر أمريكي عن سداد الديون هذا الصيف إلى المخاوف من أن إقدام مجلس الاحتياطي الاتحادي على تشديد السياسة النقدية بوتيرة أعنف ربما يؤدي إلى حدوث ركود.
يثير هذا القلق لأن حالات الركود ترتبط عادة بانخفاضات من رقمين في مؤشرات سوق الأسهم. على سبيل المثال في عام 2020، خلال هبوط السوق وركود الاقتصاد قرب بداية جائحة كورونا، تراجع المؤشر «إس آند بي 500» بنحو 34% من ذروته.
وقال «أرون دن» الرئيس المشارك لفريق أسهم القيمة لدى «إيتون فانس» إن المتعاملين بدأوا يكونون مراكز دفاعية على نحو أكبر. وأضاف «الإشارة العامة بالنسبة لي هي أنه ما زال هناك الكثير من الخوف بشأن الركود والضعف القادم في النصف الثاني من العام».
يشير المحللون إلى أنه من مناطق السوق التي تظهر علامات على التصدع مؤشر «راسل 2000» الزاخر بشركات أصغر تركز على النطاق المحلي والذي تراجع 1.9% خلال أبريل. وهبط أيضا المؤشر «داو جونز لقطاع النقل»، وهو مؤشر آخر يدل على متانة الاقتصاد، 2.9%. شكل أيضا انخفاض بنسبة 7.3% في مؤشر «فيلادلفيا لأشباه الموصلات» علامة مقلقة، إذ تنتشر الرقائق في مجموعة واسعة من المنتجات. يتذبذب أداء البنوك المحلية أيضا، إذ انخفض المؤشر «كيه.بي.دبليو» للبنوك المحلية 3.5% في أبريل عقب تراجع أسهم «فيرست ريببليك بنك». وفي الوقت نفسه ارتفعت مؤشرات قطاعات السلع الاستهلاكية الأساسية والرعاية الصحية الشهر الماضي وهي القطاعات التي يفضلها المستثمرون في أوقات عدم الاستقرار.
تركز المكاسب:- وعلى الرغم من أن المؤشر «إس آند بي 500» أظهر متانة، إلا أن سبعة أسهم فقط وهي «أبل» و»مايكروسوفت» و «ألفابت» و»أمازون» و»ميتا بلاتفورمز» و»تسلا» «و»نفيديا» كانت مسؤولة عن أكثر من 88% من مكاسب المؤشر منذ بداية العام وحتى أبريل وفقا لما قاله «مايك أورورك» كبير الاستراتيجيين المعنيين بالسوق لدى شركة «جونز تريدينج» مما يعني أننا نواجه حالة من تركز المكاسب.
وقال «جيمس راجان» مدير أبحاث الثروات لدى «دي.إيه ديفيدسون» إن ذلك الأداء يثير حالة من التوتر. وأضاف «يبدو أن مكاسب السوق تتركز في عدد أقل وأقل من الأسهم وهذا على الأرجح غير مستدام لفترة طويلة».
ويوصي راجان العملاء بزيادة وزن القطاعات الدفاعية مثل الرعاية الصحية والسلع الأساسية والمرافق في محافظهم.
ويقول الخبراء إنه بينما عززت نتائج أعمال الشركات الكبرى والتقارير القوية بشأن الاقتصاد الكلي من التفاؤل بين البعض، يركز آخرون على أخبار سلبية من الشركات التي تنشط في القطاعات شديدة التأثر بالاقتصاد.
وتراجعت أسهم شركة «يونايتد بارسل سيرفيس» 10% قرب نهاية الشهر الماضي بعد أن حددت أكبر شركة لتوصيل الطرود في العالم الإيرادات السنوية عند النطاق الأدنى لتوقعاتها وحذرت من ضغط مستمر على أحجام العمليات. وتزامنا مع ذلك انخفضت أيضا أسهم شركة «أولد دومينيون فريت لاين» 10% أيضا بعد أن أعلنت الشركة نتائج أعمال فصلية جاءت فيها الأرباح والإيرادات دون التقديرات.
وقال «مات مالي» كبير استراتيجي السوق لدى «ميلر تاباك» إن تلك الشركات تتحدث عن انخفاض في الطلب وهي شركات شحن مهمة للغاية. والشركتان مدرجتان في المؤشر «داو جونز للنقل» الذي تراجع 2.7% في الأسبوع الأخير من أبريل وعشرة بالمئة عن قمته التي بلغها منذ بداية العام في فبراير. ونصح «مالي» العملاء بالاحتفاظ بمستويات نقدية أعلى من المعتاد بسبب المخاوف حيال الركود ولأن الأصول الأكثر أمانا تعطي عوائد مرتفعة، بينما قال إنه يفضل أسهم قطاعي الطاقة والدفاع. مؤشرات إيجابية:- في المقابل يقول بعض الخبراء إنه ليست كل المؤشرات تدل على ضعف اقتصادي في الآونة الأخيرة. فبشكل عام، جاءت أرباح الشركات عن الربع الأول أفضل من التوقعات.
وفي ظل إعلان ما يزيد على نصف الشركات المدرجة في المؤشر «إس آند بي 500» نتائج أعمالها، فإن الأرباح على مسار تسجيل انخفاض 1.9% في الربع الأول مقارنة مع نفس الفترة قبل عام وفقا لبيانات «رفينيتيف». والانخفاض أقل من تراجع بنسبة 5.1% كان متوقعا في بداية أبريل. في الوقت نفسه كشف البيانات عن تسارع في إنفاق المستهلكين في الربع الأول في الوقت الذي زاد فيه الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 1.1% على أساس سنوي. وقالت «يارديني للأبحاث» إنه من الصعب حدوث ركود عندما يرتفع دخل المستهلكين وهم ينفقون أكثر على السلع والخدمات.
دواعٍ للاطمئنان:- يقول «جيف سومرز» مؤلف كتاب «الاستراتيجيات» والكاتب عن الأسواق والتمويل والاقتصاد في صحيفة «نيويورك تايمز» إنه لطالما انتعشت الأسهم بعد فترات الركود السابقة وأحيانا بسرعة كبيرة لذا فإن التحلي بالصبر في الاستثمار قد يكون كلمة السر وراء تحقيق المكاسب حتى في ظل مرور السوق بفترات ضعف.
ويضيف أن السوق -وفقا لحسابات «دايمنشينال فاند أدفيسورز» وهي شركة كبيرة لإدارة الأصول في تكساس- سجلت أداء معقولا على مدار فترات تصل إلى 10 أو 20 عاما بعد انكماش الاقتصاد، وكذلك فعلت حتى خلال فترات أقصر. في كثير من الأحيان أيضا تنخفض الأسهم قبل أن يبدأ الركود وترتفع قبل أن ينتهي.
وقالت «مارلينا لي» الرئيسة العالمية لحلول الاستثمار لدى «دايمنشينال فاند أدفيسورز» إن الأسواق يكون لديها تنبؤ بالركود حتى قبل أن يعلن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية الأمريكي رسميا دخول الاقتصاد في حالة ركود.
وبفحص فترات الركود البالغ عددها 11 والتي مر بها الاقتصاد الأمريكي منذ عام 1948، وحساب إجمالي العوائد السنوية لمؤشر (إس آند بي 500) بما في ذلك توزيعات الأرباح بدءا من اليوم الأول من أول شهر بعد الركود تم التوصل إلى أنه بعد عام واحد من تاريخ بدء الركود، حقق المؤشر عائدا بنسبة 6.4%. وبعد ثلاث سنوات من تاريخ بدء الركود، حقق المؤشر عائدا بنسبة 12.1%. وبعد خمس سنوات، بلغ العائد 10.4%. وبعد عشر سنوات، سجل 12%. وبعد عشرين عاما، حقق المؤشر عائدا قدره 11.5%.

محاذير

على الرغم من تلك النتائج، فإن هناك عددا من المحاذير التي يجب وضعها في الاعتبار منها أن تلك النتائج عبارة عن متوسطات طويلة الأمد وهناك اختلافات كبيرة بينها.

فعلى سبيل المثال، بلغ أفضل عائد على مدى 20 عاما، والذي حدث في العقدين اللذين بدآ في فبراير 1980، 17.2%. وهذا من شأنه أن يحول دولارا واحدا جرى استثماره في المؤشر «إس آند بي 500» إلى 24.02 دولار بعد 20 عاما.

أما أسوأ عائد على مدى 20 عاما، في العقدين اللذين بدآ في مايو 1960، فبلغ 7.3% سنويا. وهذا من شأنه أن يحول دولارا واحدا إلى 4.09 دولار بعد 20 عاما.

من ناحية أخرى، كان التباين في العوائد أكبر بكثير خلال فترات أقصر. فمثلا بعد عام واحد من ركود عام 1953، كان الاستثمار في المؤشر «إس آند بي 500» يحقق عائدا يقترب من 32 بالمئة.

لكن بعض السنوات كانت سيئة بحق، إذ ظلت البورصة منخفضة بعد عام واحد من بدء ثلاث فترات للركود في أعوام 1973 و1981 و2007.

بعد عام واحد من بدء الركود في تلك السنوات، انخفض المؤشر «إس آند بي 500» مع توزيعات الأرباح بنسبة 37%. يعني ذلك أنك إذا استثمرت دولارا واحدا في المؤشر في بداية الركود فقد تقلص إلى 63 سنتا فقط بعد عام واحد.

بعد ثلاث سنوات ظل الوضع كما هو تقريبا، إذ بلغت قيمة الدولار الذي استثمرته 92 سنتا فقط. وبعد خمس سنوات وفي عام 2012، تحسن الوضع لكن ليس كثيرا إذ بلغت قيمة استثمارك 1.09 دولار. وفي خلال 10 سنوات أي في عام 2017، بلغ الإجمالي 2.26 دولار. وبالتالي فإن فرضية التحسن خلال 20 عاما لم تتحقق بشكل كامل.

أدى الركود الأخير الذي بدأ في فبراير 2020 إلى عوائد ممتازة للأسهم سريعا على الرغم من الخسائر الأولية. بعد عام واحد، زاد الدولار إلى 1.31 دولار. بعد ثلاث سنوات، بلغ 1.41 دولار. يراهن البعض على أنه سيستمر في الارتفاع خلال العقدين المقبلين لكن ليس هناك ما يضمن ذلك.

نصائح

 

التاريخ غني بالدروس لكنه لا يتوقع بالضرورة المستقبل. قد لا يتردد صدى هذه العوائد التاريخية بشكل وثيق بما يكفي لتكون بمثابة برهان يتسم بالموثوقية. إذا كان أداء سوق الأسهم أفضل بكثير مما كان عليه في الماضي، فهذا أمر جيد. أما إذا كان أسوأ فربما ستظل في وضع مقبول إذا كنت تنوع استثماراتك ولديك أصول في الأسواق حول العالم.

 

ومع ذلك ما دام الاقتصاد مستمرا في النمو على الرغم من فترات الركود الدورية وما دامت الأسواق تعمل بسلاسة نسبيا، فإن ثمة أسبابا للتفاؤل والحذر معا.

 

ينصح الخبراء بألا تخاطر بأموال في الأسواق تتوقع أن تحتاجها في خلال 3 إلى 5 سنوات، وأن تضع نقودك في أدوات مختلفة بما في ذلك الصناديق الحكومية لأسواق المال وحسابات التوفير المؤمن عليها. كما تعتبر شهادات الإيداع المصرفية وأذون الخزانة من الخيارات الجيدة أيضا.

 

على المدى الطويل، يوصي الخبراء بالاستثمار في السندات وكذلك الأسهم في صناديق مؤشرات واسعة ومتنوعة ومنخفضة التكلفة والتي تعكس أسهما في أسواق مختلفة.

 

المصادر: أرقام- رويترز- نيويورك تايمز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى