اقتصاد دولي

كيف غذى التضخم نشاط «البيع بالآجل» في مصر؟

قبل أكثر من عام، كان هناك 1.44 مليون مصري يشترون أشياءهم نقداً وبشكل فوري، قبل أن ينضموا في العام الماضي، أمام تراجع القيمة الشرائية للجنيه المصري وارتفاع معدلات التضخم بشكل قياسي، إلى مئات الآلاف غيرهم من عملاء شركات التمويل الاستهلاكي، الباحثين عن تمويل عمليات البيع بالآجل، ليرتفع بذلك إجماليهم إلى 2.79 مليون مصري في 2022 من 1.34 مليون في 2021. عزز التضخم المستشري في البلاد لأسباب تتعلق بدورة التشديد النقدي التي مارستها البنوك المركزية نهاية 2021 والحرب الروسية – الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022، من إقبال قطاعات واسعة من المصريين على شراء السلع والمنتجات والخدمات بنظام تجزئة القيمة أو «التقسيط»، وهو إقبال غذى نشاط التمويل الاستهلاكي بقوة، ودفع نمو الشركات العاملة في القطاع.
«الكاش» يتراجع:- تقرير رسمي حديث، رصد ارتفاعاً في حجم التمويل الاستهلاكي الممنوح في مصر، وتزايداً في أعداد المستفيدين، ويؤشر إلى طلب كبير من جانب الأفراد، وحاجة متنامية لإيجاد طرق سداد بديلة لـ»الدفع الكاش» وأنسب لدخول الفئات الأقل دخلاً من المواطنين.
بإجراءات أسرع واشتراطات أقل من القطاع المصرفي، نجحت شركات التمويل الاستهلاكي، في اجتذاب فئات نمت خلال العامين الماضيين، من الباحثين عن التمويل الاستهلاكي متناهي الصغر، في وقت يقدر تقرير قطاع التمويل غير المصرفي والإدارة المركزية للبحوث والسياسات بالهيئة العامة للرقابة المالية، حجم التمويل الممنوح في فبراير بـ3.146 مليار جنيه (100 مليون دولار) مقارنة بـ2.119 مليار جنيه (69 مليون دولار) في الشهر المثيل العام الماضي.
يشير التقرير إلى أن ارتفاعاً كبيراً في أعداد الحاصلين على التمويل الاستهلاكي في مصر، إذ بلغوا في الشهر الثاني من العام الحالي وحده 266.7 ألف عميل، مقارنة بـ197.3 ألف عميل في فبراير عام 2022، بنسبة نمو 35.2 في المئة على أساس سنوي، وذهبت النسبة الأكبر (38.15 في المئة) من أقساطهم إلى مشتريات الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات التي شهدت خلال العام الماضي زيادة بنحو 100 في المئة، بحسب تقديرات شعبة الأجهزة الكهربائية بغرفة الجيزة التجارية.
ملابس وأحذية وساعات:- يكشف التقرير، أن أقساط المصريين ذهبت في المرتبة الثانية إلى قطاع السيارات والمركبات بنسبة 31.12 في المئة، ثم قطع غيار المركبات وسيارات الركوب بجميع أنواعها بنسبة 5.97 في المئة، ثم مشتريات الملابس والأحذية والحقائب والساعات والمجوهرات والنظارات بنسبة 5.38 في المئة، تلاها قطاع الأثاث وتجهيزات المنازل بنسبة 4.63 في المئة، وجاءت قطاعات التشطيبات والتجهيزات المنزلية والمواد الغذائية وحلول الطاقة المتجددة للمنازل ومشتريات المحال والسلاسل التجارية المختلفة في مراحل تالية. وبحسب تصريحات سابقة لرئيس الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر محمد فريد، فإن إجمالي التمويل الاستهلاكي الممنوح العام الماضي بلغ 29.8 مليار جنيه، مقارنة بـ17 ملياراً خلال العام السابق له، بمعدل نمو بلغ 75.3 في المئة. مصرفيون وخبراء، رأوا في الزيادة المسجلة في نشاط التمويل الاستهلاكي في مصر قرينة لارتفاع معدلات التضخم وتآكل دخول الأفراد والأسر وتراجع القدرة الشرائية، وقالوا لـ»اندبندنت عربية»، إن عدم استهداف البنوك لهذه الشريحة التي تبحث عن تمويل يتراوح بين 10 آلاف جنيه (326.29 دولار) و50 ألف جنيه (1631.45 دولار) بشكل كاف غذى نشاط التمويل الاستهلاكي في البلاد، ودفع إلى تعدد هذه الشركات التي تقدم القروض متناهية الصغر، وتوفر تمويل شراء السلع أو المنتجات بنظام «التقسيط» من دون تعقيدات القطاع المصرفي.
ارتفاع التضخم:- يرى عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع الدكتور محمد أنيس، أن ما يفصح عنه تقرير «الرقابة المالية» يأتي متوافقاً مع توقعاته السابقة، إذ يقول إن ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير منذ العام الماضي، دفع نحو الاستهلاك المفرط، وتكالب المواطنين على الشراء السريع تجنباً للزيادة في الأسعار مستقبلاً، وهو ما دفع البنك المركزي المصري، لزيادة أسعار الفائدة العام الماضي، كإحدى أدوات السياسة النقدية لتحجيم الطلب المحلي.
وعلى رغم تراجع معدل التضخم السنوي في مصر للمرة الأولى منذ 10 أشهر ليسجل 31.5 في المئة في أبريل (نيسان) الماضي مقابل 33.9 في المئة في مارس السابق له، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلا أن القراءة الأخيرة ظلت الأعلى منذ ما يزيد على ست سنوات. زاد معدل التضخم السنوي الشهر الماضي على أساس سنوي مقابل 14.9 في المئة، للشهر نفسه من العام السابق، كما صعد معدل التضخم الشهري 1.8 في المئة الشهر الماضي ليسجل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية 169.6 نقطة لشهر أبريل 2023، بارتفاع قدره 1.8 في المئة عن مارس 2023. يضيف المتخصص الاقتصادي، أنه يتعين على السياسة النقدية، التحكم في التمويل الاستهلاكي العام المقبل من أجل التحكم في معدلات التضخم عبر السيطرة على الاستهلاك ومن ثم تقليل الطلب، ومن المفترض أن يتم اتخاذ إجراءات من شأنها التحكم في التمويل الاستهلاكي كرفع معدل الفائدة على إقراض التمويل الاستهلاكي.
الارتفاع الذي رصده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في معدلات التضخم، جاء مدعوماً بارتفاع أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة سبعة في المئة، مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 0.9 في المئة، الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 7.3 في المئة، الزيوت والدهون بنسبة 0.8 في المئة، الخضراوات بنسبة 3.9 في المئة، السكر والأغذية السكرية 1.1 في المئة، البن والشاي والكاكاو 2.4 في المئة، والدخان بنسبة 6.1 في المئة.
وفق بيان «جهاز الإحصاء» في مصر، صعدت أسعار الأقمشة 1.8 في المئة، الملابس الجاهزة أربعة في المئة، التنظيف والإصلاح وتأجير الملابس 2.1 في المئة، الأحذية 4.8 في المئة، إصلاح الأحذية ثلاثة في المئة، الإيجار الفعلي للمسكن 0.7 في المئة، صيانة وإصلاح المسكن 1.1 في المئة، المياه والخدمات المتنوعة المتعلقة بالمسكن 0.1 في المئة، الأثاث والتجهيزات والسجاد وأغطية الأرضيات الأخرى 1.6 في المئة، والأجهزة المنزلية 2.9 في المئة.
قروض من دون تعقيدات:- لم يبد رئيس إدارة التحصيل والتسويات بالمصرف المتحد وليد عادل، استغراباً في شأن ارتفاع إجمالي التمويلات الممنوحة ضمن نشاط التمويل الاستهلاكي في مصر، وارتفاع عدد المستفيدين من النشاط، فيرى أن هناك ثلاثة عوامل أساسية تعطي تفسيرات حول الظاهرة، أولها اتساع عدد الشركات العاملة في المجال. ثانيها، ارتفاع عدد المستفيدين من نشاط التمويل الاستهلاكي عبر هذه الشركات التي هي في الأساس تستهدف بشكل أكبر الشريحة التمويلية التي لا تستهدفها البنوك، والتي تحتاج في العادة إلى قرض محدود وميسر لهذه الشرائح من دون تعقيدات القطاع المصرفي.
أما ثالث العوامل التي أسهمت في زيادة أعداد المستفيدين من نشاط التمويل الاستهلاكي، كما يقول وليد عادل، التضخم، وهو سبب رئيس يقدمه عن السببين المذكورين، فيشير إلى أن ارتفاع معدلات التضخم في مصر بشكل كبير خلال العام الأخير، أسهم في دفع عديد من الأفراد والأسر نحو تجزئة الشراء، وتقسيط قيمة السلع المشتراة على عدة أشهر.
وهوى الجنيه المصري، عبر ثلاث عمليات لتحرير سعر الصرف، بنسبة 97.7 في المئة، حيث تراجع السعر من 15.66 جنيه لشراء الدولار الواحد و15.75 جنيه للبيع قبل أن يسمح البنك المركزي المصري، في تعويم مدار مارس 2022، بانخفاض السعر وصولاً إلى متوسط 30.85 للشراء و30.95 جنيه للبيع في الوقت الحالي، إثر ضغوط أعقبت دورة التشديد النقدي التي بدأتها البنوك المركزية، وفي مقدمتها مجلس الاحتياطي الفيدرالي، نهاية عام 2021، وأدت إلى خروج 20 مليار دولار من سوق أدوات الدين الحكومية بنهاية الربع الأول من عام 2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى