منوعات اقتصادية

لماذا تحركت بنوكٌ أمريكية لا الحكومة لإنقاذ مصرف آخر من الانهيار؟

مع تعاقب الضربات الموجهة إلى القطاع المصرفي في الأسابيع القليلة الماضية، يسارع المسؤولون الحكوميون والمنظمون وحتى البنوك نفسها، لمعالجة الاضطرابات وطمأنة المودعين والمستثمرين، لتجنب اندلاع عدوى مالية واسعة النطاق.
بعد انهيار «سيليكون فالي بنك» في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، عقدت الحكومة البريطانية والمنظمون والبنوك مباحثات، لإيجاد حل لأعمال البنك في المملكة المتحدة، واستمرت المحادثات (عبر الهاتف) حتى الساعات الأول من صباح الاثنين.
كانت الحكومة البريطانية تسابق الزمن لبيع الوحدة قبل افتتاح السوق، خشية من رد الفعل الذي قد يتحول لاحقًا إلى حالة من الهلع، ووُفقت في النهاية إلى اتفاق مع «إتش إس بي سي» لشراء أعمال «سيليكون فالي بنك» في بريطانيا مقابل جنيه إسترليني.
ونظرًا لأن انهيار «سيليكون فالي بنك» كان الأكبر في أمريكا منذ الأزمة العالمية، وجاء مصحوبًا بانهيار مصرف أمريكي آخر أصغر هو «سيجنتشر»، ومن قبلهما مباشرة «سيلفيرجيت»، تزايدت المخاوف بشأن الصحة المالية للبنوك الأمريكية الإقليمية (بنوك متوسطة الحجم).
ويتجه تركيز الأسواق تحديدًا الآن إلى «فيرست ريبابليك بنك»، الذي لديه نحو 120 مليار دولار من الودائع غير المؤمن عليها، وهو ما يمثل 68% من إجمالي أصوله، ما يجعله في وضع مشابه لما كان عليه «سيليكون فالي» قبل الانهيار مباشرة.
الحكومة تحرك البيادق
– في أعقاب انهيار «سيليكون فالي بنك»، أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستضمن أموال جميع المودعين بما في ذلك غير المؤمن على ودائعهم، في محاولة لتهدئة المخاوف، وأطلق الاحتياطي الفيدرالي برنامجًا طارئاً لتمويل البنوك.
– مع ذلك، ظلت البنوك الإقليمية بقيادة «فيرست ريبابليك بنك» عرضة للضغط، حتى إن المستثمرين الذين باعوا أسهم هذه المصارف على المكشوف حققوا مكاسب قوية، وازداد المشهد تأزمًا مع الاضطرابات التي شهدها بنك «كريدي سويس» هذا الأسبوع.
– كان على السلطات الأمريكية التحرك فورًا لمنع انهيار «فيرست ريبابليك» الذي من شأنه تعزيز فرص هلع الأسواق والمودعين، وبالتالي خلق عدوى مالية واسعة النطاق، وبحلول الثلاثاء اتصلت وزيرة الخزانة «جانيت يلين» برئيس بنك «جيه بي مورجان».
– تساءلت «يلين» أثناء تحدثها مع «جيمي ديمون» عن إمكانية إيداع البنوك الأكبر حجمًا في الولايات المتحدة مليارات الدولارات لدى «فيرست ريبابليك»، وهو ما حاز على قبول رئيس «جيه بي مورجان».
– ناقشت وزيرة الخزانة «يلين» الفكرة في وقت مبكر مع كبار المسؤولين بما في ذلك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي «جيروم باول» ورئيس مجلس إدارة مؤسسة التأمين الفيدرالية «مارتن جروينبيرج».
ميلاد الأمل والخوف معًا
– بادر «ديمون» بالتواصل مع رؤساء أكبر البنوك في الولايات المتحدة؛ «بنك أوف أمريكا» و»سيتي جروب» و»وويلز فارجو»، والتي استفادت بالأساس من مخاوف المودعين الذين سارعوا بسحب أموالهم من المصارف الأصغر حجمًا وتوجيهها إليهم.
– على مدار يومين، استمرت المكالمات الهاتفية والمفاوضات المباشرة التي شهدت شدًا وجذبًا وحتى الضغط على بعض الأطراف، وفي النهاية وافق أحد عشر بنكًا على إيداع 30 مليار دولار في المصرف المأزوم، وتعهدوا بإبقائها لديه لمدة 120 يومًا على الأقل.
مساهمات البنوك الكبرى في مساعدة «فيرست ريبابليك»
– في هذا الاتفاق، آمل الرؤساء التنفيذيون (والحكومة والمنظمون من ورائهم بالطبع) أن يكون هذا كافياً لإنقاذ البنك الذي يتخذ من سان فرانسيسكو مقرًا له، وتمكينه من تلبية احتياجات العملاء، أو على الأقل منحه الوقت الكافي لإيجاد حل آخر، مثل البيع.
– بقدر ما خلق هذا قدرًا من الأمل والتفاؤل، فإنه أعاد للأذهان ذعر الأسواق في عام 1907، عندما توسط «جيه بييربونت مورجان» مؤسس بنك «جيه بي مورجان» الذي يقوده «ديمون» الآن، لمنع أزمة وعدوى مالية واسعة النطاق.
– آنذاك، جمع «مورجان» الممولين المعروفين في وول ستريت داخل مكتبته الخاصة، وحثهم على دعم شركة «تراست كومباني أوف أمريكا»، لمنع اندلاع موجة من هروب أموال المودعين من البنوك، والتي كانت تهدد بانهيار القطاع.
– كان السبب الرئيسي وراء تصدر البنوك القوية للمشهد في ذلك الوقت، هو أن السلطات الأمريكية لم يكن لديها قدرة كبيرة على التصرف، وأدى ذلك في النهاية إلى إنشاء الاحتياطي الفيدرالي بعد ما بات يعرف بـ»أزمة ذعر المصرفيين».
هل انتهت المخاوف إذن؟
– لا يبدو أن حزمة الإيداع تلك كافية لإشعار المستثمرين بالراحة حتى الآن، حيث تراجع سهم المصرف بأكثر من 20% في بداية تداولات الجمعة، وحتى إعلان الفيدرالي، اقتراض البنوك نحو 165 مليار دولار من خلاله، لم يؤثر إيجابًا في حركة الأسواق.
– في الحقيقة، الأسواق ما زالت لا تصدق أن المخاطر انحسرت، فحتى بنك «كريدي سويس» الذي حصل على قرض بقيمة 54 مليار دولار من البنك المركزي السويسري، ما زال تحت الضغط وتراجع سهمه 10% خلال تعاملات الجمعة.
– لم يقتنع الجميع بأنها فكرة جيدة، وقال المستثمر الملياردير «بيل أكمان» في تغريدة الخميس، إن محاولة الإنقاذ تلك سياسة سيئة وتعطي إحساسًا زائفًا بالثقة، قائلاً: «لقد تجاوزنا النقطة التي يستطيع فيها القطاع الخاص حل المشكلة».
– في نهاية المطاف، البنوك الأمريكية اقتنعت أن إنقاذ «فيرست ريبابليك» سيكون في مصلحتها على غرار إنقاذ صندوق «إل تي سي إم» في التسعينيات دون استخدام الأموال العامة، لتجنب الانهيار في الأسواق المالية.
– لم تكن هذه المرة الأولى التي يتدخل فيها «جيمي ديمون» لإنقاذ أحد المقرضين في البلاد، فقبل 15 عامًا تدخل لشراء بنك «بير ستيرنز» الاستثماري، ثم «واشنطن ميوتشوال» بعد سيطرة المنظمين عليه، لكن هذه التشابهات ربما تكون هي ما يثير خوف الأسواق خشية أن تتكرر جميع الأحداث أيضًا.
المصادر: بلومبيرغ- أرقام- ياهو فايننس

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى