مقالات اقتصادية

هروب الودائع .. أمان البنوك الإقليمية الأمريكية تحت التهديد

كتب أسامة صالح 

دى فانيسا فام كثير لتقلق بشأنه دائما كرئيسة تنفيذية لـ”أومسوم”، شركة أدوات طعام آسيوية سريعة النمو. لكن احتمال خسارة كل أموال شركتها الناشئة في عملية سحب كبرى في بنك ما، لم تكن واحدة منها، حتى الآن.

في 9 آذار (مارس)، وجدت نفسها تكافح لسحب أموال شركة أومسوم من “سيليكون فالي بنك”. كانت فام في مؤتمر طعام كبير في لوس أنجلوس عندما بدأت في تلقي رسائل مقلقة من مستثمريها. في اليوم السابق، كشف “سيليكون فالي بنك” أنه باع محفظة سندات بخسارة 1.8 مليار دولار، وأنه يتطلع إلى جمع 2.25 مليار دولار في صورة أسهم جديدة لدعم ميزانيته العمومية. كانت جميع أموال شركة أومسوم موجودة في حساب في “سيليكون فالي بنك” الذي لم يعد بإمكانها الوصول إليه بحلول نهاية اليوم.

كانت فام مجرد واحدة من آلاف الأمريكيين الذين علقوا في الذعر المالي الذي ساد الشهر الماضي. وقد كشفت الزيادة السريعة في أسعار الفائدة عن تصدعات في الطريقة التي تدير بها بعض البنوك ميزانياتها العمومية. انهارت ثلاثة بنوك مقرضة، والرابع لا يزال في وضع صعب. شطبت مليارات من التقييم السوقي لأسهم البنوك.

للأزمة تداعيات كبيرة على البنوك الإقليمية الأمريكية ومستثمريها. لقد تغيرت تصورات المخاطر بشكل حاد. ويبدو أن التنظيم الأكثر صرامة والربحية المنخفضة أمران لا مفر منهما. بعد ذلك، قد تتبع سياسة سعر الفائدة الأمريكية الآن مسارا أبطأ وألطف.

كانت هذه الاعتبارات بعيدة كل البعد عن أفكار فام، حيث حثها الداعمون على سحب أموال شركة أومسوم من “سيليكون فالي بنك”. لكن كان الأوان قد فات. بدأ العملاء الأسرع في عمليات سحب بلغت 42 مليار دولار في ذلك اليوم، ما ترك البنك برصيد نقدي سالب قدره 958 مليون دولار.

في اليوم التالي، تدخلت الجهات التنظيمية ووضعت يدها على “سيليكون فالي بنك”. استغرق الأمر أقل من 40 ساعة بالنسبة إلى واحد من أكبر 20 بنكا بإجمالي أصول بقيمة 209 مليارات دولار ليصبح ثاني أكبر فشل مصرفي في التاريخ الأمريكي بعد بنك واشنطن ميوتشوال في 2008.

تتذكر فام قائلة “لم أعتقد مطلقا أن أموالي ستكون غير آمنة في أحد البنوك في الولايات المتحدة”.

تلقى ملايين من الأمريكيين الإنذار نفسه، ويقومون بإلقاء نظرة فاحصة على المكان الذي يحتفظون فيه بأموالهم. وبعد يومين من انهيار “سيليكون فالي بنك”، انهار بنك سجنتشير، ومقره نيويورك، بعد عملية تهافت مشابهة من قبل المودعين لسحب أموالهم. تلقى بنك فيرست ريببلك ضخا نقديا طارئا بقيادة الصناعة ووظف بنك لازارد وبنك جيه بي مورجان تشيس لتقديم المشورة له بشأن الخيارات الاستراتيجية المتاحة له. واضطر بنك باسيفيك ويسترن أن يلجأ إلى شركة أطلس إس بي بارتنر الاستثمارية للحصول على تسهيلات تمويلية بقيمة 1.4 مليار دولار.

اتخذ صناع السياسات إجراءات غير عادية لتهدئة الذعر بين المودعين. ومع ذلك، انخفضت الودائع في البنوك الصغيرة بمقدار 120 مليار دولار، أو نحو 2.2 في المائة، في الأسبوع حتى 15 آذار (مارس)، وفقا لبيانات من الاحتياطي الفيدرالي. تظهر بيانات منفصلة أن نحو 240 مليار دولار قد تدفقت في صناديق أسواق المال في الأسبوعين حتى 22 آذار (مارس). سواء تراجع هروب الودائع هذا أو استمر، فسيلعب دورا كبيرا في تحديد سلامة أوضاع البنوك الصغيرة في البلد والشركات التي تخدمها.

الفحص

تغطي مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية الأمريكية أكثر من 4,200 بنك تجاري، أو بنك إقراض واحد لكل 80 ألف مواطن. وبالمقارنة، يوجد في المملكة المتحدة 260 بنكا فقط، أو بنك واحد لكل 257 ألف شخص. وفي الولايات المتحدة، تدير البنوك سلسلة كاملة، من أسماء وول ستريت رفيعة المستوى مثل بنك جيه بي مورجان إلى القوى الإقليمية مثل بنك بي إن سي وبنوك الأحياء التي تقل أصولها عن مائة مليون دولار. غالبا ما يخدم المقرضون الصغار المناطق المحلية والصناعات المتخصصة التي تفتقر إلى البنوك الكبرى.

لا يمكن التنبؤ بالذعر المالي، إذ ينتقل عن طريق الكلام المنقول ووسائل التواصل الاجتماعي. لكن هروب الودائع لم يكن تعسفيا تماما. فقد اقتصر على المقرضين الذين يتسمون بخاصيتين. أولا، مستوى عال من الودائع غير المؤمنة، ما يعني في هذا السياق أكثر من 250 ألف دولار لكل مودع. وثانيا، وجود فجوة كبيرة بين قيمة السوق العادلة وقيمة الميزانية العمومية لأصولها. كان “سيليكون فالي بنك” ناشزا في كلتا الناحيتين.

فحص عمود ليكس لـ”فاينانشيال تايمز” أكثر من 150 بنكا أمريكيا لتكوين صورة عن صحة القطاع. ومثل أي تصنيف آخر، فإنه مجرد لقطة للمعايير المالية وليس هناك سبب للاعتقاد بأن أيا من المقرضين الصغار في القائمة الناتجة والذين يتم تداولهم بشكل عادي سيعانون انهيارا على غرار “سيليكون فالي بنك”.

إن حالات الذعر المالي جميعها غير منطقية وقد تركز على خصائص غير قابلة للفحص. ومن الأمثلة على ذلك الطبيعة عالية التشابك لقاعدة عملاء “سيليكون فالي بنك” في صناعة التكنولوجيا في الساحل الغربي.

مع ذلك، وجد فحصنا أن البنوك ذات التصنيف العالي عادة ما تكون لديها مستويات منخفضة مما يسمى بالأوراق المالية المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق، والتي يمكن أن تولد خسائر فادحة إذا كان لا بد من بيعها في حالة الطوارئ، وتعرض منخفض للعقارات التجارية.

كانت أقوى البنوك الإقليمية في الفحص سيتي ناشونال بنك في ويست فرجينيا، المدرج باسم سيتي هولدينج كومبني، وفيرست بنك، الذي يعرف باسم فيرست بان كورب ويعمل في منطقة الكاريبي وفلوريدا.

كان لا بد أن يكون لدى البنوك ذات التصنيف الضعيف رأسمال أقل مقارنة بإقراضها ونسبة أقل من الأصول السائلة إلى الودائع. وكان أضعف اللاعبين “أسوشييتد بنك” في ويسكونسن، المدرج باسم أسوسييتد بانك-كورب وبنك فالي ناشونال في نيو جيرسي.

قمنا بتصنيف البنوك على أساس ثلاث خصائص رئيسة: مرونة الأصول، وسيولة الودائع، وثقة المستثمرين. احتوت كل من هذه الخصائص على ثلاثة مقاييس. وتشمل نسبة المديونية، والأصول السائلة كحصة من الودائع والسعر إلى القيمة الدفترية الملموسة على التوالي.

قصرنا فحصنا لبيانات منصة إس آند بي كابيتال آي كيو برو على البنوك المدرجة برأسمال سوقي يزيد على مليار دولار لاستبعاد المقرضين الصغار. كما استبعدنا البنوك الاستثمارية الكبيرة، والسماسرة والبنوك التي تفتقر إلى البيانات. وترك لنا ذلك 107 مؤسسات تضم 14.6 تريليون دولار من أصول الصناعة المصرفية الأمريكية.

لم نعدل التصنيفات حسب حجم المؤسسات التي تتجاوز عتبة السوق البالغة مليار دولار. وهذا يعني أن عملاق الصناعة، بنك جيه بي مورجان احتل المرتبة 21 بالاشتراك مع بنك إف بي فاينانشيال في ناشفيل. إن البنوك الأمريكية الضخمة آمنة بشكل لا يرقى إليه الشك أو ببساطة أكبر من أن تفشل، اعتمادا على وجهة نظرك. لقد تم شمولها بشكل رئيس لأغراض المقارنة.

صيغة المستقبل

ينبغي أن تساعد الإجراءات الفيدرالية الوقائية لتوفير السيولة للبنوك على منع مزيد من حالات الفشل المصرفية. في غضون ذلك، تغير سلوك المودعين. سيتعين على البنوك تقديم أسعار فائدة أعلى لمنع العملاء المتوترين من اللجوء إلى المنافسين أو وضع أموالهم في صناديق أسواق المال. وهذا يعني أن تكاليف التمويل سترتفع، ولا سيما بالنسبة إلى البنوك الصغيرة ومتوسطة الحجم، وستتقلص الأرباح.

يقول إريك كومبتون، محلل استراتيجي للأسهم في شركة مورنينجستار ريسيرش، “ستنطبق قضايا الربحية على القطاع المصرفي كاملا، وإن كان ذلك بمستويات مختلفة. ينبغي أن تشهد البنوك الكبرى مثل ترويست ضغوطا أقل لخروج التمويل، ومن المرجح أن تكون متلقية”. لكن البنوك الأخرى مثل فيرست ريبابليك تخاطر بأن تصبح ما يسمى بالبنوك الزومبي، ما لم تعد هيكلة ميزانياتها العمومية أو ترد تدفقات الودائع.

مصدر القلق الآخر، قد تؤدي قواعد رأس المال الأكثر صرامة للبنوك متوسطة الحجم، التي تخضع حاليا للدراسة من قبل الجهات التنظيمية، إلى زيادة الحد من قدرة الصناعة على تقديم الائتمان للشركات. في حين إن أكبر 25 بنكا تستحوذ على أكثر من 63 في المائة من إجمالي أصول الصناعة، فإن البنوك الصغيرة تستحوذ على 70 في المائة من القروض العقارية التجارية و95 في المائة من القروض المضمونة بالأراضي الزراعية.

يمكن أن تؤدي شروط الإقراض الأكثر صرامة إلى حدوث حلقة ردود فعل سلبية تؤدي إلى ركود ومزيد من التخلف عن السداد. ينظر إلى العقارات التجارية، التي تعاني بالفعل انخفاض نسبة الإشغال بعد الجائحة، على أنها نقطة الضغط التالية على ميزانيات البنوك.

يقول توماس سايمونز، خبير اقتصادي في أسواق المال في بنك جيفريز “أزمة السيولة ستنتهي. لكن أزمة الائتمان قادمة”.

لا شيء يخلو من المخاطر حقا

غمرت البنوك بنحو خمسة تريليونات دولار من الودائع الجديدة أثناء الجائحة. متسلحة بالأموال الرخيصة، وعمد كثير منها إلى شراء سندات الخزانة طويلة الأجل أو الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري التي تضمنها حكومة الولايات المتحدة. قدمت هذه عوائد جذابة نسبيا عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة. واحتفظت البنوك الأمريكية بمبلغ 5.5 تريليون دولار من هذه الأوراق المالية في ميزانياتها العمومية نهاية 2022، بزيادة قدرها 44 في المائة مقارنة بما كانت عليه قبل الجائحة.

لكن أسعار هذه السندات انخفضت عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بقوة العام الماضي. حيث بلغ إجمالي الخسائر غير المحققة 620 مليار دولار في نهاية 2022، وفقا لشركة تأمين الودائع الفيدرالية.

إن هذه الخسائر على الورق لا تتبلور إلا عندما يضطر البنك إلى بيع هذه السندات وإلى أن يتم ذلك، تسمح لهم القواعد المحاسبية بتخفيف الضربة على كفاية رأس المال. يمكن تصنيف حيازات الأوراق المالية على أنها “محتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق” أو “متاحة للبيع”. يجب أن تقوم أي خسائر في سلة الأوراق المالية المتاحة للبيع بسعر السوق وخصمها من قاعدة رأسمال البنك، لكن يتم استبعاد الخسائر الموجودة في الأوراق المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق. وللحفاظ على استقرار نسبة رأس المال، قام كثير من البنوك بتحويل الأصول بعيدا عن الأوراق المتاحة للبيع نحو تلك المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق.

يقول المؤيدون “إن محاسبة الأوراق المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق تساعد البنوك على الحد من التقلبات في نسبة حقوق الملكية ونسبة رأس المال”. قد يكون ذلك منطقيا، طالما أن المودعين لا يطلبون استرداد أموالهم ويمكن للبنوك الاحتفاظ بالسندات حتى تاريخ الاستحقاق. بخلاف ذلك، يمكن أن تعطي محاسبة الأوراق المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق شعورا زائفا بوسيلة الوقاية الرأسمالية.

كانت تلك هي الحال في “سيليكون فالي بنك”، الذي لم تتم تغطية خسائره في الأوراق المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق البالغة 15.1 مليار دولار إلا بمقدار 16 مليار دولار من الأسهم في نهاية العام الماضي. وقد تفاقمت إدارته السيئة للمخاطر عبر قاعدة عملاء مركزة يهيمن عليها رأس المال المغامر والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا. وكان نحو 94 في المائة من ودائع “سيليكون فالي بنك” غير مؤمنة، وبالتالي فمن المرجح أن تهرب عند أول بادرة متاعب، النسبة الأكبر من أي بنك لديه أصول تزيد على 50 مليار دولار. ومع ارتفاع أسعار الفائدة، بدأ رأس المال المغامر في النضوب، ما أجبر الشركات في المرحلة المبكرة على سحب الأموال المودعة لدى “سيليكون فالي بنك” للوفاء بالأجور والنفقات اليومية الأخرى. وبمجرد عدم تمكن “سيليكون فالي بنك” من تلبية عمليات السحب تلك، كان عليه البدء في بيع محفظته من الأوراق المالية بخسارة.

يقول ناثان ستوفال، رئيس أبحاث المؤسسات المالية في بنك إس آند بي جلوبال ماركيت إنتلجينس “لقد شد سيليكون فالي بانك انتباه الناس إلى مخاطر المدة الزمنية”.

عملية سحب كبرى لبنك في العصر الرقمي

فاقمت عقلية القطيع والتكنولوجيا عملية تهافت المودعين على “سيليكون فالي بنك” لسحب أموالهم منه. إذ يمكن أن ينتشر الخوف والذعر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو مجموعات واتساب. بدلا من تشكيل صفوف خارج البنوك، يمكن للمودعين سحب الأموال ببضع نقرات على تطبيقاتهم المصرفية.

نحتاج إلى إعادة النظر في المخاطر النظامية التي تعتمد على حجم المؤسسة فحسب، وفقا لمايكل هيلد، الشريك في “ويلمرهيل” ومستشار عام سابق في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. يقول هيلد “من الواضح هنا أنه في هذه الحالة لم يكن الأمر يتعلق بالحجم، بل بسلوك القطيع، وهذا ما فاقم خطر عملية التهافت لسحب الأموال”.

يثير هذا سؤالا شائكا، هل يمكن إجراء اختبار إجهاد لعلم النفس السلوكي؟ بعد أن أخذنا استقرار الودائع كأمر مسلم به خلال أعوام أسعار الفائدة المنخفضة، يتعين على السوق الآن أن تفكر في كيفية تصميم أنموذج لاحتمالية حدوث عملية تهافت لسحب الأموال من أحد البنوك. لا يوجد مقياس واحد مثالي لهذا الغرض. لكن الودائع الأساسية -الأموال التي يضعها صغار المودعين الذين يعيشون عادة ضمن منطقة سوق البنك- هي أحد البدائل.

وعادة ما ينظر إلى هذه الحسابات على أنها أقل عرضة للتبديل من الحسابات الكبيرة، التي غالبا ما تنتقل بين البنوك مع تغير أسعار الفائدة. ولهذا السبب، يستخدم فحص ليكس مقياسا آخر، الوقت الذي يسمح خلاله للعملاء بسحب الودائع محددة المدة.

الفجوة الأخرى في التقييم

لم تكن الخسائر في الأوراق المالية المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق لبنك فيرست ريبابليك عالية كخسائر “سيليكون فالي بنك”. حيث أبلغ عن خسارة على الورق بنحو 4.8 مليار دولار مقابل 17 مليار دولار من حقوق المساهمين في نهاية العام الماضي. بل كانت فجوة التقييم في دفتر قروضه هي التي جذبت الانتباه.

على مدى أعوام، استقطب بنك فيرست ريبابليك العملاء ذوي الملاءة المالية العالية من خلال خفض الفوائد على الرهون العقارية والقروض. تشير نسبة القروض إلى الودائع البالغة 94 في المائة إلى أن البنك الذي يتخذ من سان فرانسيسكو مقرا له يستخدم جميع ودائعه تقريبا لتمويل أنشطة الإقراض التي يقوم بها. حيث كان لديه قروض عقارية سكنية بقيمة 102 مليار دولار في دفاتره نهاية العام الماضي، تستحق كلها تقريبا في غضون 15 عاما أو بعد ذلك.

جعلت العوائد المرتفعة على سندات الخزانة فائقة الأمان هذه الرهون العقارية طويلة الأمد والكبيرة تبدو أقل جاذبية. حيث تشير الفجوة البالغة 19.3 مليار دولار بين القيمة العادلة لرهوناته العقارية المضمونة وقيمة ميزانيته العمومية إلى القدر نفسه. في الوقت نفسه، غالبا ما تكون ودائع عملائه الأثرياء أكبر من أن يتم تأمينها من قبل مؤسسة التأمين الفيدرالية، ما يعني أن المودعين أقل استعدادا لإبقاء ودائعهم في البنوك في أوقات توتر السوق. ومما لا يثير الدهشة، أن سعر سهم بنك فيرست ريبابليك هو خمس قيمته الدفترية الملموسة لكل سهم.

أين كان المنظمون؟

هل كان من الممكن تفادي الأحداث التي وقعت أخيرا؟ حتى في الوقت الذي شدد فيه الاحتياطي الفيدرالي رقابته على البنوك الكبرى في وول ستريت عقب الأزمة المالية لعام 2008، كان العكس يحدث مع المؤسسات الأصغر حجما. إذ كان التراجع عن قانون دود-فرانك في 2018، وهو أكبر الجهود المبذولة لإلغاء الضوابط التنظيمية منذ الأزمة المالية لعامي 2007 و2008، قد رفع الحد الأولي للمؤسسات المالية التي يجب اعتبارها ذات أهمية نظامية من 50 مليار دولار في الأصول إلى 250 مليار دولار.

وهذا يعني أن البنوك التي تصل أصولها إلى 250 مليار دولار قد تم إعفاؤها من أشد الإجراءات الرقابية التي يقوم بها مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بما في ذلك اختبارات الإجهاد وكذلك متطلبات رأس المال والسيولة.

تقول سولي أوماروفا، أستاذة القانون في جامعة كورنيل، التي كانت أيضا مرشحة من قبل الرئيس جو بايدن للعمل ككبيرة مسؤولي التنظيم المصرفي “أعتقد أنه لو لم نتراجع عن قانون دود-فرانك في 2018، لكان من غير المرجح أن تمر مشكلات سيليكون فالي بنك دون أن يلحظها أحد. كما سيتم إخضاع سيليكون فالي بنك لمتطلبات إضافية -مثل نسبة تغطية السيولة وصافي نسبة التمويل المستقر- وهو أمر مهم أيضا باعتباره مسألة إجرائية. فإذا كان عليك الخضوع لاختبارات الإجهاد عدة مرات في العام، فسيكون عليك وضع ضوابط داخلية أفضل. وسيكون لديك حافز لإعادة توازن محفظتك بشكل أكثر فطنة”.

تحتفظ البنوك التي تم فحصها بواسطة عمود ليكس في المتوسط بأصول سائلة تعادل نحو ربع الودائع. هذا مقياس للسيولة أبسط من مقياس نسبة تغطية السيولة، الذي يقيس السيولة بالنسبة إلى الالتزامات قصيرة الأجل. يقترب بنك جيه بي مورجان من قمة الترتيب الذي وضعناه بنحو ثلاثة أرباع تقريبا. والثاني من الأسفل، هو بنك فيرست ريبابليك الذي كان قد احتفظ بأصول سائلة تساوي 4 في المائة فقط من الودائع.

الأرباح: هل هي أقل لفترة أطول؟

إن سيلا من الإجراءات الحكومية -بما فيها إنشاء تسهيل جديد للإقراض في حالات الطوارئ- يساعد على تهدئة المخاوف قصيرة الأجل حول السيولة من خلال منح البنوك إمكانية الحصول على تمويل أكبر للدفع للمودعين.

لكن ثمن هذه الأموال ليس زهيدا. فبرنامج التمويل البنكي لبنك الاحتياطي الفيدرالي -وفيه يمكن للبنوك التعهد بحيازاتها من الأوراق المالية كضمان للقروض- يتقاضى سعر مبادلة المؤشر لمدة عام واحد “حاليا عند نحو 4.68 في المائة” إضافة إلى عشر نقاط أساس، مقابل الاستفادة من هذه التسهيلات. كما تفرض القروض من نظام بنك القروض السكنية الفيدرالي، الذي يعد الملاذ قبل الأخير للإقراض، رسوما مرتفعة على نحو مشابه في السوق.

اعتمادا على المدة التي يتعين على البنوك الاقتراض بها بأسعار الفوائد تلك ومقدار ربحها من الأصول الموجودة في دفاترها، سيتعرض صافي دخل الفائدة للضغط. نتيجة لذلك، قد يختار الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بشكل أبطأ بهدف تقليل مزيد من الصدمات التي يتعرض لها النظام المالي.

في النهاية، ستحتاج البنوك إلى استعادة الودائع، التي تعد أرخص أشكال التمويل. وهي ليست بالمهمة السهلة نظرا إلى أسعار الفوائد المرتفعة المتاحة في أماكن أخرى وزعزعة الثقة بالبنوك الأمريكية.

توضح فام هذا التحول بصفتها الرئيسة التنفيذية لشركة ناشئة. وقد استعادت في النهاية القدرة على الوصول إلى أموال شركتها المحتفظ بها في “سيليكون فالي بنك”. لكنها الآن تقوم بتقسيم السيولة النقدية بين ثلاثة بنوك مختلفة وتدرس استخدام أنواع مختلفة من الحسابات، بما في ذلك الحسابات التي من شأنها تحويل أموالها إلى صناديق أسواق المال.

تقول “بعد رؤيتي لنظام موثوق به وهو يخذلنا، جعلني ذلك أكثر تأملا في المكان الذي نودع فيه أموالنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى