مقالات اقتصادية

هل بإمكان سويسرا الاستيلاء على احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي لإعادة إعمار أوكرانيا؟

كتب أسامة صالح 

تتكثف المحادثات في أوروبا حول إمكانية مصادرة أصول البنك المركزي الروسي المُجمّدة من أجل دفع تكاليف أعمال إعادة الإعمار في أوكرانيا. وتخوض الدول المعنية، بما في ذلك سويسرا، سجالات حول مجموعة من القضايا القانونية المتعلقة بجدوى هذه الفكرة المثيرة للجدل.

يحث شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي (أي الجهاز التنفيذي للاتحاد) الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على التفكير بجدية في تحويل أصول البنك المركزي الروسي المجمدة لديها منذ بداية الغزو إلى صندوق، حيث يُمكن إدارتها من خلاله لتحقيق أرباح، بحيث يتسنى بعد ذلك استخدام هذه العائدات لإعادة الإعمار في أوكرانيا.

وفي تصريحات لصحيفة فايننشال تايمز اللندنية، قال ميشيل: “إنها مسألة عدالة وإنصاف”، وأضاف: “يجب أن يتم ذلك بما يتماشى مع المبادئ القانونية – هذا أمر واضح للغاية”.

ومن أجل طمأنة الدول – التي يشكك بعضها ليس فقط في الأساس القانوني للاستيلاء على أموال دولة أجنبية ولكن أيضًا في المخاطر المحتملة على الاستقرار المالي عموما – تعهّد مسؤولو الاتحاد الأوروبي بأنه لن يتم اتخاذ أي إجراء إلا بشكل مشترك مع الحلفاء.

ومن بين هؤلاء الحلفاء نجد سويسرا. وفي الوقت الذي خلُصت فيه مجموعة عمل في الأيام الأخيرة إلى أن مصادرة الأصول الخاصة ذات الأصل المشروع ستكون عملية غير قانونية، فإن خيار الاستيلاء على احتياطيات روسيا المجمّدة وعلى أصول أخرى تابعة لها يظل مسألة مطروحة على النقاش الدولي، وتقول الحكومة إنها تتابعها عن كثب.

لماذا تهتم الدول بأصول البنك المركزي الروسي؟

تحث أوكرانيا الدول التي فرضت عقوبات على روسيا على تحويل أي أصول مجمدة إلى كييف حتى يتسنى استخدامها في عمليات إعادة الإعمار. وفي حين أن الكثير من التركيز كان على الاستيلاء على أصول أعضاء الأوليغارشية الروسية – جمّدت سويسرا حوالي 7.5 مليار فرنك (8 مليارات دولار) من هذه الأموال – تحول الاهتمام الآن إلى وعاء آخر يشتمل على حوالي 300 مليار دولار (275 مليار فرنك) من احتياطيات النقد الأجنبي الروسي الموجودة في حسابات خارجية تم تجميدها بعد فترة وجيزة من بدء الحرب.

يُمكن لهذه الأصول أن تسهم إلى حد كبير في دفع تكاليف أعمال إعادة الإعمار، التي قدّر رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال الخريف الماضي أنها قد تصل إلى 750 مليار دولار.

مع ذلك، لا يزال الاتحاد الأوروبي يقوم بجرد الأموال التي تم تجميدها فوق أراضيه وتحديد قيمتها بدقة. وتشير إحدى التقديرات إلى أنها تناهز حوالي 33 مليار يورو (32.5 مليار فرنك).

هل يُمكن للدول قانونًا مُصادرة الأصول التي تم تجميدها على أراضيها؟

في الاتحاد الأوروبي وسويسرا، لا يوجد حاليًا قانون يسمح للسلطات بمصادرة الأصول الروسية المُجمّدة.

يُمكن لسويسرا سنّ قانون فدرالي يمنحها سلطة القيام بذلك، كما يقول بيتر ف. كونز، مدير معهد القانون الاقتصادي في جامعة برن، لكنه حذّر من أن أيّ نص مقترح قد يحتاج أولاً إلى موافقة الناخبين السويسريين.

في الاتحاد الأوروبي، يُفترض أن يكون وضع الأسس القانونية لقرار من هذا القبيل بسيطًا نسبيًا، وفقًا لما قاله ماتياس غولدمان، أستاذ القانون الدولي في جامعة اي بي اس في فيسبادن بألمانيا. فعلى سبيل المثال، يُمكن للكتلة المكونة من سبعة وعشرين عضوا، إنشاء وصاية تُشرف على إدارة الأموال المُصادرة كجزء من اختصاصها فوق الوطني لاعتماد تدابير متعلقة بالعقوبات أو على أساس اتفاق دولي، وهو السيناريو الذي يبدو الأكثر احتمالا.

ويقول غولدمان إن النقطة الشائكة الرئيسية تتمثل فيما إذا كان الاستيلاء على الأموال أمرًا قانونيًا بموجب القانون الدولي، الذي تتمتع احتياطيات البنك المركزي في إطاره بما يُعرف بـ “حصانة الدولة من التنفيذ”. وهو ما يعني أنه لا يُمكن مصادرة الأصول إذا كانت مُخصّصة للاستخدام العام.

وقال أستاذ القانون الدولي: “هل ينتهك (أخذ المال) حصانات روسيا؟ ليس من الواضح ما إذا كانت أموال البنك المركزي لحكومة ارتكبت انتهاكًا خطيرًا، مثل شن حرب عدوانية، ستظل تتمتع بالحصانة أم لا”.
وإذا ما قررت الدول المعنية أن روسيا لا تزال تتمتع بالحصانة، فسوف تحتاج أولاً إلى موافقتها على الاستيلاء على احتياطياتها. لكن موسكو قالت بالفعل إنها ستتصدى لأي محاولة لمصادرة أموالها.

هل تم القيام بشيء مماثل لهذا من قبل؟

وفقًا لغولدمان، حصلت معظم حالات الاستيلاء على الاحتياطيات الأجنبية عندما تعلق الأمر بإنفاذ ديون سيادية.
في العام الماضي، سُجّل تطور على صلة أكبر بهذا الموضوع، عندما سمحت محكمة أمريكية للسلطات بنقل نصف احتياطيات البنك المركزي الأفغاني المجمدة في نيويورك – حوالي 3.5 مليار دولار – إلى صندوق ائتماني في جنيف. ومن المقرر أن يقوم هذا الصندوق الائتماني بصرف بعض هذه الأموال لصالح شعب أفغانستان، الذي واجه ظروفًا إنسانية متدهورة منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في كابول في شهر أغسطس 2021.

يقول غولدمان إن هذا القرار – جنبًا إلى جنب مع المناقشة الجارية حول الأصول الروسية – يُمكن اعتباره علامة على ظهور قاعدة جديدة في القانون العرفي تسمح بالنظر في (إمكانية إقرار) إعفاءات من الحصانة في حالات الانتهاكات الجسيمة للحقوق.

ماذا عن المخاطر المحتملة على الاستقرار المالي الدولي؟

ألمحت بعض الدول إلى أن الاستيلاء على أصول روسية قد يدفع بنوكا مركزية إلى الخروج باستنتاج مفاده أن الاحتفاظ بأموالها في الخارج أصبح يتسم بخطورة شديدة. وهو احتمال لا يستبعده غولدمان.

ويقول: “قد يكون من نتائج ذلك أن تحاول بعض البنوك المركزية إعادة كميات الذهب التابعة لها إلى موطنها”، ويضيف أن ذلك “يعتمد على ملف المخاطر الخاص بالبلد الأصلي وبالظروف (القائمة)، لكن إذا ما حصلت هذه الإعادة إلى البلد الأصلي فلن يكون ذلك عائقا بوجه التجارة الدولية”.
وفي هذا الصدد، من المرجّح أن ترغب روسيا نفسها في الحفاظ على أي احتياطيات نقد أجنبية متبقية لديها.

ويضيف غولدمان: “لديهم بعض الحسابات التي لا يعرف عنها أحد شيئا، لذا سيحاولون بالتأكيد إعادة ما فيها إلى الوطن.. لكن بالنسبة لبنك مركزي مثل البنك المركزي الروسي، فسيكون من المهم دائمًا امتلاك بعض الاحتياطيات في الخارج لأنك لا تعرف أبدًا ما الذي قد يحدث للعملة المحلية”.

ما احتمال أن تستولي سويسرا بالفعل على أصول روسية مُجمّدة؟

بالنسبة لكونز الأستاذ بجامعة برن، يبدو أنه من غير المعقول أن تستولي سويسرا المحايدة على الاحتياطيات الروسية.
ويشرح قائلا: “المصادرة ستكون تغييرًا جذريًا عن الوضع الحالي [من خلال موقف الدولة من مسألة الحياد]”، إلا أنه “سيكون مقبولاً إذا لم يقتصر الأمر على مصادرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وآخرون للأصول الروسية، ولكن أيضًا على وجود عقوبات من طرف الأمم المتحدة في هذا الصدد”. ويضيف أن هذا التطور الأخير غير مُرجّح إلى حد كبير، بالنظر إلى حق النقض الذي تتمتع به روسيا في مجلس الأمن الدولي.

كما أعرب كونز أيضًا عن تشككه في احتمال تأييد الناخبين السويسريين لفكرة الاستيلاء على الأصول.

في الوقت الحالي، يكتنف الغموض نوايا المسؤولين عن هذا الملف. وقالت إنغريد ريسر، وهي متحدثة باسم وزارة العدل والشرطة لـ SWI swissinfo.ch إن سويسرا “مستعدة للعمل باتجاه إقرار عملية منسقة دوليًا لإيجاد حلول من شأنها أن تمكن من تعويض الأضرار التي لحقت بأوكرانيا وإعادة إعمارها، في ظل احترام مبادئ سيادة القانون”.

وردا على سؤال عما إذا كانت الكنفدرالية ستساعد الاتحاد الأوروبي في مساعيه الرامية إلى إنشاء صندوق للاحتياطيات الروسية، رفضت رايسر التعليق.

على الرغم من ذلك، يعتقد غولدمان أنه يتعيّن على الدول أن تقوم بمصادرة الأصول، حتى وإن اقتصر الأمر على الإمساك بورقة مساومة في أيّ مفاوضات سلام مستقبلية.
ويقول: “إذا كان لدى أوكرانيا بعض الإمكانات التفاوضية، فسوف تطالب عندها بـ (الحصول على) بعض التعويضات.. وعندها ستلعب هذه الأصول المجمدة دورها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى