اقتصاد دولي

انتقال عدوى الأزمات للقطاع المالي الصيني ينذر بتهديد النمو

في بيان مشترك لبنك الشعب “المركزي” الصيني وهيئة الأوراق المالية الصينية صدر قرار طلب من القطاع المصرفي الرسمي بزيادة حجم الإقراض للشركات لدعم فرص النمو وتحفيز الاستهلاك، وتعهد البنك المركزي وهيئة تنظيم الأسواق في اجتماعهما نهاية الأسبوع الماضي باتخاذ إجراءات لتنشيط الاقتصاد وتسهيل الائتمان مع زيادة حدة الأزمات في القطاع العقاري الذي يشكل ما يزيد على ربع حجم الاقتصاد.

وفي محاولة لتشجيع نشاط السوق التي شهدت تراجعاً في مؤشرات السهم وهبوط أسعار السندات وارتفاع نسبة العائد عليها، أعلنت هيئة الأوراق المالية زيادة الاستثمارات في السوق وفي ظل هرب رؤوس الأموال منها. من بين تلك الإجراءات التي أعلنت الجمعة تشدد جميع الشركات على إعادة شراء أسهمها لوقف انخفاض أسعارها وخفض رسوم المعاملات على تداول الأوراق المالية التي تدفعها شركات السمسرة في البورصة للسلطات.

إلى ذلك أعلن البنك المركزي إجراءات عدة إضافية تتضمن خفض معدلات الفائدة على القروض قصيرة الأجل لمدة عام ومتوسطة الأجل لمدة خمسة أعوام، وذلك بعد القرار المفاجئ الأسبوع الماضي بخفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 15 نقطة أساس إلى نسبة 2.5 في المئة.

وبحسب مسح لوكالة “بلومبيرغ” ينتظر خفض أسعار الفائدة على الإقراض لمدة عام بمقدار 15 نقطة أساس إلى 3.4 في المئة، في أكبر خفض لها منذ يناير (كانون الثاني) عام 2022، أما سعر الفائدة على القروض لمدة خمس سنوات فيتوقع بحسب المسح خفضه من نسبة 4.2 في المئة حالياً بما بين 10 إلى 15 نقطة أساس.

أزمة سيولة أم انكماش ائتمان

وتوقع المحللون في بنك “نومورا” الاستثماري أن يواصل البنك المركزي الصيني خفض كلفة الاقتراض، وربما خفض سعر الفائدة الأساسية بمقدار 15 نقطة أساس أخرى إلى نسبة 2.35 في المئة وخفض سعر الفائدة على القروض قصيرة الأجل لمدة عام واحد (المرتبطة بتسعير كلفة القروض العقارية) إلى نسبة 2.35 بنهاية هذا العام. وفي مذكرة لعملاء البنك كتب المحللون “إلا أن المشكلة الحقيقية التي تقف وراء هبوط النمو الاقتصادي حالياً هي ضعف الطلب على الائتمان وليس عدم توفر السيولة للإقراض، وستضطر السلطات في بكين في مرحلة ما إلى اتخاذ إجراءات تعزز زيادة الطلب على الاقتراض”.

من شأن خفض الفائدة على القروض قصيرة الأجل لمدة عام أن يسهم ولو قليلاً في تنشيط التمويل في القطاع العقاري، إذ إن تلك النسبة هي التي تعتمد في كلفة قروض الرهن العقاري. ومن ناحية أخرى يمكن أن يزيد ذلك من الطلب في السوق، بعدما أظهرت الأرقام الرسمية لشهر يوليو (تموز) الماضي أن الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، دخل مرحلة انكماش سعري نتيجة الهبوط الشديد في الطلب الاستهلاكي بشكل عام.

وتحاول السلطات الصينية وقف انتقال عدوى الانكماش الائتماني من القطاع العقاري إلى القطاع المالي، لأن ذلك سيعني تأثيراً سلبياً مضاعفاً في فرص النمو الاقتصادي المتباطئ أصلاً. وكانت الحكومة الصينية أقرت هذا الأسبوع بأن التعافي، ليس بالقوة المطلوبة وأنه يواجه صعوبات. فلم تزد نسبة النمو في الربع الثاني على 0.8 في المئة عن الربع الأول، وبمعدل نمو سنوي للناتج المحلي الإجمالي عند 6.3 في المئة بينما كانت توقعات السوق بنمو بنسبة 7.1 في المئة.

في مذكرة للعملاء مطلع الأسبوع الماضي، قدر بنك “جيه بي مورغان” الاستثماري الأميركي أن أزمة في قطاع شركات التمويل وصناديق الإقراض الخاصة في الصين يمكن أن تؤدي إلى تراجع في نمو الاقتصاد الصيني بشكل مباشر بنسبة ما بين 0.3 إلى 0.4 في المئة. وتوقع البنك احتمال أن يؤدي ذلك إلى دخول القطاع العقاري الصيني في “دائرة مفرغة” عبر سلسلة أزمات متتالية. وفي مذكرة أخرى من بنك “نومورا” الاستثماري قدر الباحثون أنه “إضافة إلى المخاطر المالية المباشرة واتساع نطاقها، فإن موجة إفلاسات بين شركات إدارة الثروات وأدوات الإقراض الخاص يمكن أن تسبب تداعيات تضر بالاقتصاد كله”.

عدوى القطاع المالي

ويعاني القطاع العقاري أزمة سيولة خانقة منذ نحو عامين، بدأت بإفلاس مجموعة “إيفرغراند” العقارية تحت وطأة أكبر مديونية شركات في العالم عند 300 مليار دولار، وتوالى إفلاس شركات التطوير العقاري مع تخلفها عن سداد التزاماتها في ظل التباطؤ الشديد في الطلب على شراء المساكن وعدم قدرتها على الوفاء بالتزامات الديون المستحقة عليها.

وكان آخرها الأسبوع الماضي حين أعلنت مجموعة “كانتري غاردن” تخلفها عن سداد المستحقات على نحو 11 سند دين مستحقة عليها. ذلك بعدما أعلنت في وقت سابق من شهر أغسسطس (آب) الجاري أنها تتوقع خسائر بما بين 45 مليار يوان (6.2 مليار دولار) و55 مليار يوان (7.6 مليار دولار) للنصف الأول من هذا العام. وتراجعت مبيعات الشركة العقارية بنسبة 61 في المئة مقارنة مع النصف الأول من عام 2021 قبل أن يبدأ مسلسل أزمات القطاع العقاري الصيني. وبنهاية العام الماضي 2022 كانت المجموعة العقارية تعمل في أكثر من 3 آلاف مشروع عقاري في الصين، وتوظف ما يصل إلى 70 ألف شخص، ويزيد حجم محفظتها العقارية على 200 مليار دولار.

وتزامنت أنباء احتمال انهيار شركة “كانتري غاردن” مع تخلف واحدة من أكبر شركات التمويل الخاصة في الصين، “جونغرونغ انترناشونال ترست كو”، التي تستثمر بكثافة في القطاع العقاري، عن سداد بعض التزاماتها عن أوراقها المالية في الموعد المحدد. وتشكل شركات التمويل وصناديق الإقراض الخاصة في الصين قطاعاً يوصف بأنه “صيرفة الظل”، إذ تعمل تلك الشركات كوسيط يستخدم سيولة المدخرات لدى القطاع المصرفي الرسمي لتمويل الشركات والأعمال التي يصعب عليها الاقتراض مباشرة من البنوك أو الحصول على التمويل المصرفي بأشكال الائتمان المختلفة نتيجة القيود التنظيمية المشددة.

ويصل حجم قطاع شركات التمويل وصناديق الإقراض والاستثمار الخاصة في الصين إلى نحو 3 تريليونات دولار – أي تقريباً ما يماثل حجم اقتصاد بلد مثل بريطانيا كله. وبالتالي فإن انتقال عدوى الأزمة من القطاع العقاري إليه قد يؤدي إلى أزمة أوسع في الاقتصاد ككل، وربما للاقتصاد العالمي أيضاً في ظل هشاشة وضعه، خصوصاً وأن الصين تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم وتتشابك مع أغلب الاقتصادات الرئيسة حول العالم. على سبيل المثال فإن مجموعة “جونغرونغ” تدير أصولاً أغلبها في هيئة ائتمان للقطاع العقاري قدرت بنحو 108 مليارات دولار بنهاية العام الماضي 2022.

وعلى رغم إجراءات البنك المركزي الأسبوع الماضي إلا أن الأسواق ما زالت ترى التدخل الحكومي الصيني غير كاف لاستعادة الثقة في القطاع المالي، وكان البنك ضخ 757 مليار رينمينبي (104 مليارات دولار) في السوق خلال الأسبوع، وقام بتثبيت سعر صرف العملة الوطنية عند مستوى معقول بعدما شهد هبوطاً كبير بسبب بيع المستثمرين لها، كذلك طلب البنك من القطاع المصرفي الرسمي بيع الدولار وشراء الرينمينبي لتعزيز قيمته.

لكن من غير المتوقع أن تقدم الحكومة الصينية على ضخ مزيد من السيولة، كما ذكرت صحيفة “الفاينانشيال تايمز” في تحليل لها في عددها الأسبوعي. لكن كل ذلك يبقى رهناً بمدى تأثير الإجراءات الحالية وإمكان منعها انتقال أزمة الانهيارات من القطاع العقاري إلى القطاع المالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى