اقتصاد دولي

هل تؤدي خسائر “مصر للطيران” إلى خصخصة الشركة؟

بينما تسعى مصر لمضاعفة عائداتها من السياحة وجذب 30 مليون سائح سنوياً كهدف معلن، جاء خروج الناقل الوطني “مصر للطيران” من قائمة أفضل 100 شركة طيران حول العالم ليثير قلقاً حول مصير واحدة من أعرق الشركات العربية وثاني أقدم شركة طيران أفريقية، إضافة لتأثير ذلك على جهود تطوير القطاع السياحي المصري.

كانت “مصر للطيران” تحتل العام الماضي المركز 95 في تصنيف شركة “سكاي تراكس” البريطانية لشركات الطيران التجارية، الذي يعتمد على نتائج استطلاعات من المسافرين الدوليين وفق عناصر مثل وسائل الترفيه على الطائرة وجودة مقاعدها والطعام وطاقم الضيافة، قبل أن يأتي التقرير الحديث الصادر الشهر الماضي، معلناً خروج الناقل الوطني المصري من قائمة أفضل 100 شركة طيران حول العالم.

وبمقارنة الشركة المصرية مع منافسيها في الشرق الأوسط وأفريقيا، يتبين تحسن مستوى معظم المنافسين لها، إذ تقدمت الخطوط الجوية الكويتية 34 مركزاً والكينية ثمانية مراكز، بينما تراجعت الإثيوبية تسعة مراكز لكنها تحتل المركز 35 عالمياً والأولى أفريقياً في التصنيف الذي تتصدره الخطوط الجوية السنغافورية متقدمة على الخطوط القطرية صاحبة المركز الثاني.

خسائر الشركة

وأعاد تراجع التصنيف فتح ملف خسائر الشركة التي بلغت 30 مليار جنيه (990 مليون دولار) حتى 30 يونيو (حزيران) 2022، وفق تصريحات وزير الطيران المدني المصري محمد عباس حلمي في فبراير (شباط) الماضي، على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه منذ تحرير سعر الصرف في 2016، وزيادة أسعار وقود الطائرات.

وأوضح الوزير أن فترة عدم الاستقرار التي تعرضت لها مصر بين 2011 و2014 أثرت على “مصر للطيران”، إذ تم تعيين أربعة آلاف عامل، وبحسب تقارير صحافية يبلغ عدد العاملين بالشركة 35 ألف موظف، وعقب ذلك تأثرت الشركة بحادثة انفجار الطائرة الروسية في 2015، ثم جائحة كورونا التي أثرت على قطاع الطيران عالمياً.

وفاقمت أزمة نقص النقد الأجنبي في مصر من خسائر “مصر للطيران”، إذ يؤكد رئيس الشركة محمد موسى، في تصريحات صحافية أن جزءاً من الخسائر ناتج من تحريك سعر الصرف، إذ إن 90 في المئة من مصروفات الشركة بالدولار فيما إيراداتها منه 70 في المئة. ولمواجهة تلك الخسائر أقرضت وزارة المالية مصر للطيران خمسة مليارات جنيه في 2021، بعد عام واحد من حصولها على قرض مشترك من بنكي “الأهلي” و”مصر” بقيمة ثلاثة مليارات جنيه.

اهتمام برلماني

تراجع التصنيف أثار غضباً برلمانياً، إذ تقدم عضو مجلس النواب محمد سعد الصمودي بطلب إحاطة لرئيس المجلس ووزير الطيران المدني حول استراتيجية الوزارة للحد من خسائر “الشركة القابضة لمصر للطيران” بعد وصولها لـ30 مليار جنيه (990 مليون دولار)، وهو الرقم الذي “يستدعي منا الوقوف أمامه والتحرك العاجل” بحسب تعبيره، في ظل المنافسة الكبيرة لشركات طيران عربية وإقليمية فيما “مصر للطيران” لا تستطيع الصمود أمام التحديات والمتغيرات في مجال الطيران عالمياً. واعتبر أن الشركة إحدى أدوات القوة الناعمة المصرية التي يجب إنقاذها.

وفيما رأى الصمودي أن عدد عمال الشركة الذين قدرهم بـ37 ألفاً كبير للغاية، طالب عضو مجلس الشيوخ محمود القط ببحث ذلك الملف لتقليل الخسائر. أضاف وهو طيار وخبير في السلامة الجوية، في تصريحات تلفزيونية أن تعاقب الأزمات بداية من ثورة 2011 حتى جائحة كورونا فاقم من خسائر “مصر للطيران”.

جرس إنذار

ورأى المتخصص في الشأن الاقتصادي أحمد معطي، أن تراجع التصنيف قد يكون فرصة لمنح الحكومة “جرس إنذار” للاهتمام بقطاع الطيران وتطويره، ليكون مؤهلاً للمنافسة عالمياً بعد أزمات استمرت لسنوات طويلة، مشدداً على أن خطة الدولة المصرية باستهدافها 30 مليار دولار إيرادات من قطاع السياحة لن تنجح إلا بتكامل كل القطاعات ونجاح المنظومة بالكامل.

وعن طرح شركة “مصر للطيران” للقطاع الخاص، قال معطي لـ”اندبندنت عربية”، إنه لا يمانع “لكن ليس في الوقت الحالي لأنها ستتكبد خسائر وسيعرض المستثمرون أقل من ثمنها الحقيقي مستغلين تراجعها في الترتيب العالمي”، مضيفاً “فكرة المنافسة ودعم دخول القطاع الخاص في الاستثمار بالطيران المدني مهم جداً لتطوير المنظومة”.

ويتفق ذلك مع ما طرحه رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس عبر “تويتر” أن حل أزمة “مصر للطيران” هو طرحها للخصخصة، كما كان قد صرح العام الماضي بأنه يجب على الدولة طرح 30 في المئة من أسهم الشركة في البورصة.

وكان من بين المنادين بفتح مجال الاستثمار بقطاع الطيران وزير التجارة والصناعة والسياحة المصري الأسبق منير فخري عبدالنور، الذي نادى خلال المؤتمر الاقتصادي العام الماضي بإنهاء احتكار شركة مصر للطيران للرحلات لدعم السياحة، داعياً إلى تخارج الدولة من الملكية من طريق الطرح في البورصة، إلا في حالة وجود شريك استراتيجي لتوفير آليات جديدة وفتح أسواق تصديرية.

ويؤيد الخبير السياحي حسام هزاع فتح المجال أمام رجال الأعمال للاستثمار في قطاع الطيران وإنهاء احتكار “مصر للطيران” لتلك الصناعة، مضيفاً لـ”اندبندنت عربية” أن ذلك سيزيد من عدد الرحلات ومستوى الخدمة ما سينعكس في جذب مزيد من السياح.

لكن هزاع وهو مستثمر بقطاع السياحة، لا يرى في تراجع تصنيف الناقل الوطني المصري تأثيراً على جهود تطوير قطاع السياحة، موضحاً أن معظم السياح القادمين إلى مصر يستخدمون الطيران العارض منخفض الكلفة “شارتر”، الذي تهبط طائراته في مطارات المحافظات، على عكس الطيران المنتظم الذي تقدمه “مصر للطيران”، إلا أنه طالب بفتح خطوط منتظمة جديدة لوجود طلب لا يتم تلبيته، مثل مد خط بين القاهرة وكاليفورنيا بالولايات المتحدة.

أنشئت “مصر للطيران” بمرسوم ملكي في السابع من مايو (أيار) عام 1932، لتصبح شركة الطيران الأولى في الشرق الأوسط وأفريقيا والسابعة على مستوى العالم، وتمتد خطوطها إلى 52 دولة عبر 72 وجهة، إضافة إلى 13 خطاً داخلياً، عبر 24 طائرة “إيرباص” و41 طائرة “بوينغ”.

وقبل أيام، أعلن وزير السياحة والآثار المصري أحمد عيسى، أن أكثر من سبعة ملايين سائح دخلوا مصر، خلال النصف الأول من العام الحالي، مؤكداً استهداف ثمانية ملايين سائح خلال النصف الثاني من العام الحالي، ليصل الإجمالي إلى 15 مليون سائح، وهو المستهدف من الحكومة، ارتفاعاً من 11.7 مليون سائح استقبلتهم مصر العام الماضي بنسبة نمو 28 في المئة، وتعني تلك التقديرات نمو الإقبال السياحي بنسبة 35 في المئة خلال النصف الأول من العام الحالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى