مختارات اقتصادية

التكلفة الغارقة .. كيف تلافت آبل مؤخرًا واحدة من أشهر المغالطات التي تواجه الشركات والمستثمرين؟

كشفت تقارير أن شركة “آبل” ألغت مشروع تصنيع سيارة كهربائية ذاتية القيادة، لتكتب نهاية محاولات استمرت لنحو عقد كامل.

ورغم إنفاق صانعة جوالات “أيفون” مليارات الدولارات على هذا المشروع بدون تحقيق أي استفادة، فإنها فضلت تجنب الوقوع في براثن مغالطة “التكلفة الغارقة” والتي كانت تهدد بمزيد من الخسائر.

إلغاء مفاجئ للمشروع

– ذكرت عدة تقارير أن “آبل” ألغت مشروع تصنيع سيارة كهربائية والذي يحمل اسم “مشروع تيتان   Project Titan”، مع التحول لتمويل أبحاث للذكاء الاصطناعي.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

– قررت “آبل” التخلي عن الفريق الذي يعمل فيما يطلق عليه “مجموعة المشاريع الخاصة”، والبالغ عددهم نحو 2000 موظف، مع الاستعانة بجزء من الفريق في أعمال الذكاء الاصطناعي.

– قبل أكثر من عقد، قام “تيم كوك” الرئيس التنفيذي لشركة “آبل” بزيارة إلى ميونخ الألمانية، ليمضي عدة أيام في جولة في مصانع واستوديوهات التصميم الخاصة بشركة “بي إم دبليو”.

– في عام 2014، أشارت تقارير إلى أن “آبل” بدأت مشروعها الخاص لتصنيع سيارة كهربائية ذاتية القيادة خاصة بها، في إطار خطة لتنويع منتجات الشركة بعيدًا عن أجهزة “أيفون”.

– حصلت “آبل” في عام 2017 على ترخيص لاختبار السيارات ذاتية القيادة في كاليفورنيا الأمريكية، قبل أن تعين “دوج فيلد” نائب رئيس الهندسة السابق في “تسلا”.

– لكن في يناير 2019، قامت “آبل” بالاستغناء عن 20% من الموظفين أو ما يعادل حوالي 200 موظف في المشروع، كما غادر “فيلد” عمله في 2021 ليلتحق بشركة “فورد”.

– في الوقت نفسه تقريبًا، ذكرت تقارير أن “آبل” تواصلت مع كل من شركتي “نيسان” و”هيونداي” بشأن التعاون في مشروع تصنيع السيارات، لكن المحادثات لم تدم طويلاً.

– لم تعترف “آبل” أو رئيسها التنفيذي بمشروع تصنيع السيارات الكهربائية بشكل عام نهائياً، مع الاكتفاء بالإشارة إليه باعتباره “نظام القيادة الذاتية”.

– قال محللون في “مورجان ستانلي” إن “آبل” كانت متخلفة كثيرًا عن المنافسين الذين يتمتعون بتمويل جيد ووضع أفضل من حيث التسويق والإنتاج، واصفين المشروع بأنه “لم يكن يحمل أي قيمة للشركة”.

– أشار البنك إلى أن هناك أكثر من 200 شركة عالمياً تعمل على تكنولوجيا السيارات الكهربائية والقيادة الذاتية، منها أكثر من 20 شركة تبيع بالفعل ما يتجاوز 10 آلاف سيارة كهربائية سنوياً، في الوقت الذي كانت فيه “آبل” لا تزال في مرحلة الاختبار.

تباطؤ القطاع وطموح جديد

– جاء قرار “آبل” بإلغاء فكرة تصنيع السيارات الكهربائية بالتزامن مع تباطؤ الصناعة عالمياً في الأشهر الأخيرة.

– حذرت شركة “تسلا” في شهر يناير الماضي من أن تباطؤ الطلب وارتفاع معدلات الفائدة والمنافسة الشرسة ستؤدي إلى تباطؤ وتيرة نمو المبيعات هذا العام.

– كما علقت شركتا “فورد” و”جنرال موتورز” خططاً لتوسيع منشآت لتصنيع السيارات الكهربائية في الأشهر الماضية، بينما أعلنت “ريفيان” تسريح 10% من القوى العاملة.

– بشكل عام، نمت حصة السيارات الكهربائية من السوق العالمي بنسبة 2.8% لتصل إلى 15.8% في العام الماضي، مقابل نمو 4.7% في عام 2022.

– يأتي قرار “آبل” بإلغاء مشروع تصنيع السيارات الخاصة بها، في الوقت الذي تستعد فيه لإعلان المزيد من التفاصيل حول عملها في قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي.

– أصدرت الشركة في الشهر الماضي سماعة الرأس الجديدة للواقع المعزز “فيجن برو”، مع تعيين موظفين جدد للاستعداد لجلب ميزات الذكاء الاصطناعي إلى أجهزتها.

– تعمل “آبل” على تسريع وتيرة البحث والتطوير، حيث أنفقت نحو 30 مليار دولار العام الماضي، مع زيادة متوقعة للإنفاق خلال السنوات المقبلة.

– على جانب آخر، أشارت تقارير إلى أن تكلفة إنتاج سيارة “آبل” كانت ستصل إلى 100 ألف دولار، بالإضافة إلى أن هذا المشروع لن يرقى إلى هوامش الربح الكبيرة التي تتمتع بها الشركة من مبيعات أجهزة “أيفون”.

– قال “دان آيفز” المحلل في شركة “ويدبوش” إن “آبل” كانت تمتلك طموحات كبيرة، لكن المشكلة كانت تكمن في مدى قدرتها على تنفيذ فكرة تصنيع سيارة ذاتية القيادة بالكامل عند مستوى سعري يسمح لها بالتواجد في السوق.

الهروب من الفخ

– جاء قرار “آبل” ليتحدى فخ “التكلفة الغارقة” الشهيرة، والتي يعتبر من أشهر المغالطات التي أضرت الشركات والمستثمرين وحتى الأشخاص في حياتهم اليومية.

– التكلفة الغارقة أو “sunk cost” هي تكلفة حدثت بالفعل ولا يمكن استردادها بأي طريقة.

– تشير مغالطة التكلفة الغارقة إلى أن مواصلة الاستثمارات أو الالتزامات يعتبر أمرًا مبررًا، لأن التخلي عن المشروع بعد إنفاق هذه الأموال سيعني فقدان هذه التكلفة للأبد.

– تعتبر مغالطة التكلفة الغارقة خطأ في التفكير، حيث يتم أخذ الإنفاق الذي تم بالفعل ولا يمكن استرداده في الاعتبار عند اتخاذ قرار بشأن الاستمرار في النشاط، وهو ما يطلق عليه بعض المحللين وصف “خسارة الأموال الجيدة بعد السيئة”.

– تبرز المشكلة الأساسية في هذه المغالطة في أن الشركة أو الشخص الذي يقع ضخية لها يقوم بتقييم قراراته على أساس التكاليف التي تم تكبدها بالفعل، وليس على أساس العائد المتوقع منها.

– يميل بعض الأفراد أو الشركات إلى الالتزام بالقرار الأولي، لمجرد أن الأموال غير القابلة للاسترداد قد تم إنفاقها بالفعل.

– على سبيل المثال، إذا كان لدى أحد الأشخاص عمل خاص لكنه يفشل، وكان الخيار الوحيد هو إغلاقه، فإن هذا القرار سيؤدي إلى تجنب الخسائر الإضافية، بينما سيعني الاستمرار في المشروع إنفاق المزيد من الأموال وزيادة الخسائر.

– في حالة “آبل”، فإن قرار الشركة كان قائمًا على تجنب المزيد من الإنفاق على مشروع قد لا يجني الأرباح الكافية والتي تبرر القيام به.

– فضلت الشركة الأمريكية التضحية بالنفقات التي تمت بالفعل على المشروع خلال السنوات الماضية، معترفة بأنه في حين لا يمكن استرداد هذه الأموال، فإنه لا يزال من الممكن تجنب أي خسائر مالية إضافية.

– يرى “دان آيفز” أن جهود “آبل” لتصنيع سيارة كهربائية كان بمثابة الخروج عن جوهر عملها الأساسي، كما أن إنفاق عشرات المليارات الإضافية كان ليصبح بمثابة وضع أموال جيدة بعد تلك السيئة.

موجة تفاؤل بالقرار

– رغم فقدان “آبل” مليارات الدولارات التي تم إنفاقها على مشروع تصنيع السيارة الكهربائية بدون استفادة فعلية، فإن تصاعد اهتمام الشركة بتقنية الذكاء الاصطناعي أثار موجة من التفاؤل بآفاق صانعة “أيفون”.

– امتنعت “آبل” حتى الآن عن القيام بأي تحركات كبيرة في قطاع الذكاء الاصطناعي، في تناقض واضح مع شركات تكنولوجيا أخرى مثل “ألفابت” و”مايكروسوفت”.

– أثار نهج “آبل” مخاوف من تأخر الشركة في دمج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في منتجاتها، وهو ما انعكس على سعر السهم والذي – رغم ارتفاعه بنحو 50% في العام الماضي – كان الأقل صعودًا بين شركات ما يُطلق عليه “العظماء السبع”.

– كما فقدت صانعة جوالات “أيفون” المرتبة الأولى في قائمة أكبر الشركات عالمياً من حيث القيمة السوقية لصالح “مايكروسوفت”، مع تفوق الأخيرة في قطاع الذكاء الاصطناعي.

– قال “بن باجارين” الرئيس التنفيذي لشركة “كرايتيف ستراتيجيز” إن تركيز “آبل” بشكل أكبر على الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال الفترة المقبلة من شأنه أن يمنح المستثمرين مزيدًا من التفاؤل بشأن قدرة الشركة على المنافسة في هذا المجال.

– كما ذكرت “سوزانا ستريتر” رئيس قسم الأسواق في “هارجريفز لانسداون” أن “آبل” تتبع الاتجاه السائد، مع تراجع الحماس نحو استثمارات السيارات الكهربائية من جانب، وتصاعد الجنون المرتبط بما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.

– أشارت “ستريتر” إلى أنه من المهم أن تظل “آبل” متقدمة بخطوة في تطوير التكنولوجيا التي يتوق إليها الجميع، لتبرير الأسعار المرتفعة لمنتجاتها، ما يجعل استكشاف فرص الذكاء الاصطناعي أمرًا ضروريًا لأعمالها المستقبلية.

– كما يتوقع محللو “بنك أوف أمريكا” مكاسب مستقبلية لشركة “آبل”، مع دمج قدرات الذكاء الاصطاعي في أجهزة “أيفون”، مع دورة تحديث قوية ستتم على مدار العامين المقبلين.

– قال محللو “مورجان ستانلي” إنه من الأفضل إعادة توظيف المواهب والاستثمارات والوقت في تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي بدلاً من مشروع “تيتان” للسيارات الكهربائية.

– لكن رغم التفاؤل حيال قرار “آبل” بالتخلي عن مشروع تصنيع السيارات والاهتمام بالذكاء الاصطناعي، فإن الشركة لا تزال تواجه تحديات متصاعدة.

– تعرضت “آبل” لعدة صدمات مؤخرًا، حيث أعلنت المفوضية الأوروبية تغريمها نحو ملياري دولار بسبب إساءة استغلال مكانتها في سوق بث الموسيقى.

– كما انخفضت مبيعات “أيفون” في الصين بنحو 24% خلال أول ستة أسابيع من العام الجاري، بحسب بيانات “كاونتربوينت”.

– تواجه “آبل” منافسة شرسة مع شركات الجوالات الذكية المحلية في الصين مثل “هواوي” و”أوبو” و”فيفو” و”شاومي”.

المصادر: أرقام – بلومبرج – فاينشنال تايمز – سي إن بي سي – ذا ستريت – سي إن إن – رويترز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى