أخبار عاجلةمقالات اقتصادية

تضخم الأجور قد يدفع “الاحتياطي الفيدرالي” لرفع ذروة الفائدة

كتب أسامة صالح

لدى المسؤولين في “الاحتياطي الفيدرالي” ما يكفي من بيانات التضخم المُقلقة لدراسة رفع أسعار الفائدة إلى ذروة أعلى مما يتوقعها المستثمرون، ومن الممكن أن يلتزموا بزيادة مقدارها نصف نقطة أساس كانوا لمحوا إليها هذا الشهر، ورفع الفائدة بنفس النسبة ذاتها مجدّداً في فبراير.
أظهر تقرير الجمعة أن الأجور الشهرية ارتفعت بأقوى وتيرة منذ يناير، كما صعد التوظيف بالولايات المتحدة بأكثر من التوقعات الشهر الماضي. سيثير ذلك اهتمام رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي نبّه هذا الأسبوع إلى أن ظروف سوق العمل المتراخية، ونمو الأرباح الأقل سخاءً، كانا ضروريين لتهدئة معدل التضخم الذي يحوم قرب أعلى مستوى في 40 عاماً.

ولمّح باول وزملاؤه، الذين يلتزمون حالياً التعتيم قبل اجتماعهم، بقوة إلى أنهم سيخففون من وتيرة رفع الفائدة إلى 50 نقطة أساس في اجتماعهم يومي 13-14 ديسمبر الجاري، بعد أربع زيادات متتالية بمقدار 75 نقطة أساس. وقال أيضاً إنهم سيحتاجون على الأرجح إلى معدلات فائدة أعلى مما كانوا يعتقدون في سبتمبر، عندما كان أوسط التوقعات يقدّرها بحدود 4.6% العام المقبل، من نطاق مستهدف حالياً يتراوح بين 3.75% و4%.

أفادت ريا توماس، كبيرة الاقتصاديين في شركة “ويلمنغتون ترست” (Wilmington Trust) بأن “رئيس الاحتياطي الفدرالي لمّح إلى أننا لسنا في دوامة نمو الأجور بعد، لكن هذا الخطر لا يزال قائماً”، مشيرة إلى أن هذا “يعزز فكرة أنهم قد يضطرون إلى رفع ذروة الفائدة، مع احتمالية إبقائها عند هذا المستوى لفترة أطول”.

ظلت الرهانات على التحول إلى نصف نقطة أساس هذا الشهر في محلّها بعد تقرير التوظيف، وتوقع المستثمرون حدوث ذلك مرة أخرى في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي يومي 31 يناير و1 فبراير، واصفين ذلك بأنه احتمالية متوازنة تقريباً، في وقت تضع أسواق العقود الآجلة في الحسبان أن ذروة الفائدة تحوم حول 4.9% العام المقبل.
سيحدّث المسؤولون توقعاتهم الفصلية في اجتماع ديسمبر، ويمكن أن يرفعوا أوسط توقعاتهم لذروة أسعار الفائدة العام المقبل إلى 5% أو أعلى. دعا جيمس بولارد، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، إلى ذروة تبلغ 5.25% على الأقل، فيما يتوقع بعض المحللين، بمن فيهم ديان سونك، كبير الاقتصاديين في “كيه إم بي جي” (KPMG)، أن ترتفع أسعار الفائدة إلى 5.5%، مع استعداد “الاحتياطي الفيدرالي” للتسبب في ركود إذا لزم الأمر، لاستعادة استقرار الأسعار.
قال سونك إن “التضخم مثل السرطان، فإذا لم يُعالج، ينتشر ويصبح مزمناً بدرجة أكبر. العلاج برفع أسعار الفائدة يعني أن 2023 سيكون عاماً صعباً”.

سيحصل مسؤولو “الاحتياطي الفيدرالي” على تقرير إضافي عن أسعار المستهلكين قبل اجتماع ديسمبر، ولديهم بيانات شهر إضافي للنظر فيها، قبل أن يجتمعوا مرة أخرى أوائل العام المقبل.

رجّح باول الأربعاء الماضي أن يكون ارتفاع الأجور “جزءاً مهماً للغاية من قصة” التضخم. ففي حين يبدو أن صعوبات سلاسل التوريد بالنسبة إلى السلع تتراجع، مما يساعد على توقع الأسعار في هذا القطاع، قال إن الأجور هي أكبر تكلفة لقطاع الخدمات، لذا فإن ظروف العمل هي الأساس لفهم النظرة المستقبلية للأسعار بكل شيء، بدءاً من الفنادق إلى تصفيف الشعر.

أظهر تقرير الوظائف قفزة في متوسط الدخل بالساعة بنسبة 0.6% في نوفمبر الماضي، فيما يُعتبر أكبر زيادة واسعة النطاق منذ يناير، وارتفاع بنسبة 5.1% مقارنة بالعام السابق. وزادت أجور عمال الإنتاج والعمالة غير الإشرافية بـ0.7% عن الشهر السابق، وهو أعلى ارتفاع في عام تقريباً. هذه الزيادة في الأجور غير متوافقة مع هدف التضخم الذي حدده “الاحتياطي الفدرالي” عند 2%.

قال فينسينت راينهارت، كبير الاقتصاديين في “درايفوس آند ميلون” (Dreyfus and Mellon): “لا تزال الضغوط مستمرة في سوق العمل، بل لا تزال سيئة بالقدر الذي كانت عليه. هم يريدون مزيداً من التحفظ الحقيقي نظراً لأنهم يعتقدون، على الأقل باول، أن ضغوط التضخم متجذرة بعمق في سلة أسعار المستهلكين”.

في الوقت الذي يحدّد محافظو البنوك المركزية هدفاً للنمو أقل من الاتجاه السائد من أجل تخفيف ضغوط الأسعار، فإن إضافة 263 ألف وظيفة الشهر الماضي، ما دفع معدل البطالة إلى 3.7%، يُعدّ أحدث دليل على أن الاقتصاد الأميركي لا يزال متماسكاً. قد يسجل النمو في الربع الرابع 2.8%، وهو أعلى بكثير من تقديرات ما هو مستدام على المدى الطويل، وفقاً لتقديرات التتبع الصادرة عن “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” في أتلانتا.

على الرغم من أن مسؤولي “الاحتياطي الفيدرالي” أشاروا إلى أن هناك مجالاً للاعتدال إلى 50 نقطة أساس هذا الشهر، فقد سعوا إلى تحويل تركيز المستثمرين إلى ذروة معدلات الفائدة، عوضاً عن حجم التحركات التي تُتخذ في كل اجتماع.
كما أكدوا على الأثر التراكمي للزيادات السابقة، والفكرة القائلة إن نتائج السياسة النقدية تصل متأخرة. وقد حفّز ذلك التكهنات بأن يتجهوا إلى زيادة بمقدار 25 نقطة أساس في العام المقبل، لتقليل المخاطر من أنهم قد بالغوا في سياستهم النقدية. ومع ذلك، فإن أحدث تقرير عن الوظائف قد يحض المسؤولين على النظر في زيادة الفائدة 50 نقطة أساس أخرى في أوائل العام المقبل.

قال توماس كوسترغ، كبير الاقتصاديين الأميركيين في “بيكتيت ويلث مانجمنت” (Pictet Wealth Management): “يركز بنك الاحتياطي الفيدرالي، وباول على وجه الخصوص، بشكل كبير على مصادر التضخم المدفوعة بسوق التوظيف، وسيبقيه هذا التقرير في حالة تأهب قصوى. أعتقد أنه يمكنهم الاستمرار عبر زيادة الفائدة 50 نقطة أساس أخرى في الاجتماع التالي”.
تنمو القوى العاملة بشكل أبطأ بكثير مما كان متوقعاً، إذ هناك نقص بـ3.5 مليون عامل مقارنة بالتوقعات، وذلك بعدما أدى كوفيد–19 إلى التقاعد المبكر وتغيير أنماط العمل بدءاً من 2020. ولن يتغير هذا في أي وقت قريب.

قال توماس باركين، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند الجمعة: “هذا النقص في العمالة ساعد على تحفيز التضخم، ومع تقاعد جيل طفرة الإنجاب بالولايات المتحدة، فمن المرجح أن يستمر هذا على المدى الطويل. على الرغم من رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بسرعة، رأينا أن الطلب على العمالة يستمر في التزايد بشكل أكبر من العرض”.

ربما يسعى مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي في الاجتماع القادم أيضاً، إلى تسليط الضوء على تصميمهم على رفع أسعار الفائدة مقابل “وول ستريت”، والتي جاء رد فعلها على التحول الهبوطي المخطط له، بتسهيل الشروط المالية، وهو ما يمكن أن يكون غير مرحبٍ به، إذ تعمّد “الاحتياطي الفيدرالي” تشديد الظروف لتقليل الطلب وتخفيف ضغوط الأسعار.

قال ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين في “أمهيرست بييربونت سيكيوريتيز” (Amherst Pierpont Securities)، إن “الظروف المالية الأوسع تزداد تيسيراً. ليس من الواضح لي أن الاحتياطي الفيدرالي يحرز الكثير من التقدم”.

أضاف ستانلي: “أمام الاحتياطي الفيدرالي الكثير من العمل الذي يتعين إنجازه من أجل تهدئة الاقتصاد بدرجة كافية، وخاصة سوق العمل، بما يكفي للوصول إلى مستويات التضخم التي يريدها. نحن بالتأكيد لم نصل إلى هذا المستوى بعد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى