اقتصاد دولي

مهمة صعبة أمام محافظي البنوك المركزية في اجتماعهم السنوي بأميركا

كتب أسامة صالح

تترقب الأسواق هذا الأسبوع الاجتماع السنوي لمحافظي البنوك المركزية في الولايات المتحدة في جاكسون هول في ولاية وايومينغ. ويكتسب هذا الاجتماع أهمية اقتصادية خاصة، كونه اللقاء الذي تتم خلاله مناقشة وجهات نظر مجموعة من المحافظين ويرسلون إشارات حول السياسة النقدية المقبلة والتوقعات الاقتصادية لأميركا والعالم. وسينعقد الاجتماع الخميس، ومن المقرر أن يلقي رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي خطاباً يوم الجمعة.

وسيكون تركيز المستثمرين على توقعات أسعار الفائدة، لكن بالنسبة إلى الاقتصاديين فإن التوقعات الاقتصادية ستكون مهمة لمعرفة اتجاهات الاقتصاد الأميركي.

توقعات النمو

ففي عام 2016 كان لافتاً ما قاله جون ويليامز رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الحالي في نيويورك، والذي كان في ذلك الوقت رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، إنه بسبب ضعف الإنتاجية وشيخوخة السكان، فإن النمو الاقتصادي الأميركي النموذجي بنسبة 2.5 في المئة أو أكثر سنوياً “لم يعد ممكناً” بشكل مستدام. وعلى أثر ذلك، قام صناع السياسة النقدية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض متوسط توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل إلى 1.8 في المئة.

الانفاق الحكومي

لكن على مدى السنوات التي تلت عام 2016، وباستثناء سنوات جائحة فيروس كورونا تجاوز النمو في الولايات المتحدة نسبة 1.8 في المئة في 21 من أصل 28 ربعاً منذ عام 2016، بما في ذلك فترة نمو سنوي بنسبة 2.5 في المئة. وفي السنوات ما بين اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي عام 2016 وظهور الجائحة، بلغ متوسط النمو ثلاثة في المئة حتى الآن.

ولعبت تريليونات الدولارات التي ضخت واشنطن الاقتصاد دوراً في تحفيز النمو، لكن خلق هذا الوضع صعوبة في فهم كيفية نمو الاقتصاد ومدى استمرار ذلك النمو في الفترة المقبلة، خصوصاً مع الرفع المستمر للفائدة.

مهمة صعبة للمحافظين

لذا عندما يجتمع صناع السياسة النقدية هذا الأسبوع، سيكون أمامهم مهمة صعبة في التركيز على “التحولات الهيكلية” في الاقتصاد، وسيتعين عليهم التعامل مع تقلباته العميقة. والملفات الرئيسة ستكون استمرار التضخم المرتفع وسلاسل التوريد العالمية ونمو القوى العاملة والطفرة المتوقعة في قطاع البناء والتشييد.

أما بالنسبة لتباطؤ النمو السكاني، فهي قضية حساسة سياسياً، مع وجود تيار قوي من الجمهوريين المعارضين لاستمرار تدفق المهاجرين، لذا سيكون من الصعب توقع إنتاجية أفضل، حيث إن النمو السكاني هو اللاعب الرئيس في استمرار النمو الاقتصادي. وقد خفضت شركة “بلاك روك” الاستثمارية هذا الشهر النمو المحتمل للولايات المتحدة إلى واحد في المئة مع تقاعد جيل طفرة المواليد، وبقاء التضخم متقلباً، واستمرار نقص العمالة.

الاقتصاد عكس التوقعات

ومن المفارقة أن الاقتصاد يتفاعل بشكل مخالف لتوقعات “الاحتياطي الفيدرالي”، ففي الفترة من سبتمبر 2016 إلى 2019، على سبيل المثال نمت القوى العاملة في الولايات المتحدة بسرعة تبلغ نحو ضعف معدل النمو البالغ 0.5 في المئة سنوياً، والذي توقع “الفيدرالي” أنه الاتجاه المحتمل، وهي وتيرة استمرت بالزيادة بمجرد تعافٍ من الوباء، حيث استمر عدد العمال المتاحين في الازدياد في عام 2022.

ونقلت وكالة “رويترز” عن آدم بوسن، صانع السياسات السابق في بنك إنجلترا، والذي يشغل الآن منصب رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن “إن القدرة على جذب الناس إلى العمل كانت أعلى بكثير مما كان يعتقده (الفيدرالي)”. ووصف قراءة البنك المركزي الأميركي الخاطئة للقضية بأنها “فشل كبير” يمكن أن يفسد تحليل حال الاقتصاد.

إجماع سياسي

وفعلياً ما غير من التوقعات أنه منذ عام 2016 اجتمعت سياسات إدارتي ترمب وبايدن المختلفتين إلى حد كبير اجتمعت على إبقاء الوظائف والنمو الاقتصادي أعلى من تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي. ففي عهد الرئيس السابق دونالد ترمب أدت التخفيضات الضريبية على الشركات وغيرها من التغييرات إلى دفع النمو إلى الأعلى بطرق فاجأت البنك المركزي، بينما في عهد خليفته الرئيس جو بايدن تم تطبيق مجموعة من السياسات الصناعية المتعلقة بالطاقة والتكنولوجيا مع الإنفاق على البنية التحتية بسخاء داخل الاقتصاد الأميركي. ودعم كلا الرئيسين برامج التعافي من الوباء التي ربما لا تزال تعزز إنفاق المستهلكين والحكومات المحلية.

وانتهت سنوات ترمب التي سبقت “كوفيد-19” بمعدل بطالة بلغ 3.5 في المئة في فبراير (شباط) 2020. وكان عند هذا المستوى منذ مارس (آذار) 2022 في عهد بايدن، مع استمرار الاقتصاد في إضافة ما يقرب من 200 ألف وظيفة شهرياً.

النمو غير مستدام

لكن هذا الأمر مقلق لأن هذا الانفاق غير مستدام ولا يعكس الاقتصاد الحقيقي، بحسب ما تقوله دانا بيترسون كبيرة الاقتصاديين في مركز أبحاث كونفرنس بورد، حيث ترى أن هناك عقبتين تواجهان الاقتصاد الأميركي، الأولى هي ارتفاع الدين العام، والثانية هي ارتفاع التضخم الذي يحاول “الفيدرالي” محاربته بزيادة أسعار الفائدة. ويعني ذلك أن الاقتصاد قد يدخل أخيراً في الركود في ظل هذه التداخلات ما بين السياسة والاقتصاد، كما سيؤدي إلى كلف إضافية للولايات المتحدة التي تبدو وكأنها تنفق من ناحية وتلجم الاقتصاد من ناحية أخرى.

الفائدة والنمو

وكان “الاحتياطي الفيدرالي” قد رفع أسعار الفائدة بمقدار 5.25 نقطة مئوية منذ مارس 2022 في محاولته لكبح ارتفاع التضخم، لكنه لم يشهد حتى الآن استجابة كبيرة من الاقتصاد كما كان متوقعاً، فقد نما الناتج الأميركي بمعدل سنوي 2.4 في المئة في الربع الثاني، وربما يستعد لربع ثالث قوي أيضاً.

وانخفض متوسط توقعات صانعي السياسة النقدية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي للنمو الاقتصادي إلى 1.8 في المئة اعتباراً من يونيو (حزيران) 2023.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى