اقتصاد دولي

إجراءات صينية حاسمة لإنهاء أزمات السوق العقارية

مع تنامي المخاوف من انفجار قنبلة بنفس سيناريو “ليمان براذرز” في 2008، بسبب موجة الإفلاس التي تطارد أكبر شركات التطوير العقاري في الصين، أطلقت حكومة الصين مجموعة جديدة من إجراءات التحفيز لتعزيز سوق العقارات المتعثرة في البلاد ودعم اليوان الضعيف، في أحدث محاولة لاستعادة الثقة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وبشكل تراكمي، أدت الإعلانات السياسية إضافة إلى علامات الانتعاش في قطاع التصنيع الصيني في أغسطس (آب) الماضي، إلى ارتفاع الأسهم الآسيوية بشكل متواضع في التعاملات الأخيرة.

وفقاً لبيان مشترك صادر عن بنك الشعب الصيني والإدارة الوطنية للتنظيم المالي، سيتم تخفيض الحد الأدنى من الدفعات المقدمة للقروض العقارية إلى 20 في المئة للمشترين لأول مرة، و30 في المئة للمشترين للمرة الثانية، بعدما كان في السابق، يتعين على مشتري المساكن في مدن مثل بكين وشانغهاي تقديم دفعات مقدمة لا تقل عن 30 إلى 40 في المئة.

وفيما تخيم أزمات القطاع العقاري على بيانات النمو الصيني، كشفت وكالة “موديز”، أن الصين تواجه “تحديات نمو كبيرة” ناجمة عن ضعف ‏ثقة الأعمال والمستهلكين وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، واستمرار ‏مشكلات قطاع العقارات وشيخوخة السكان العاملين.‏

وأبقت الوكالة الدولية على توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني لهذا العام عند مستوى خمسة في المئة، لكنها ‏خفضت توقعاتها لعام 2024 إلى أربعة في المئة من 4.5 في المئة في توقعات سابقة، وقالت في تقريرها، “تشير البيانات الواردة من الصين إلى أن التعافي ‏الاقتصادي من سياسة القضاء على فيروس كورونا لفترة طويلة لا يزال ضعيفاً، ‏إذ يبدو أن زخم إعادة فتح اقتصادها الذي شهدناه في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) ‏ومايو (أيار) 2023 يتضاءل”.‏

خفض الفائدة على القروض الجديدة

وبخلاف خفض الحد الأدنى من الدفعات المقدمة للقروض العقارية، سيتم أيضاً خفض أسعار الفائدة على القروض العقارية الجديدة بنحو 40 نقطة مئوية بعد أن حدد البنك المركزي حداً أدنى لسعر الفائدة الرئيس على القروض.

وقال المنظمون في بيان منفصل، إن أسعار الفائدة على القروض العقارية الحالية لشراء المنزل الأول يمكن إعادة التفاوض في شأنها اعتباراً من 25 سبتمبر (أيلول) الحالي، وشجع المنظمون البنوك على تقديم أسعار أقل.

وأوضحوا أن “انخفاض أسعار الفائدة على قروض الإسكان الحالية يمكن أن يوفر نفقات الفائدة للمقترضين، وهو ما يفضي إلى توسيع الاستهلاك والاستثمار”.

وفي أعقاب هذا الإعلان، قام عشرات من أكبر البنوك التجارية في البلاد (بما في ذلك البنك الصناعي والتجاري الصيني وبنك التعمير الصيني والبنك الزراعي الصيني) بتخفيض أسعار الفائدة على ودائعهم بما يتراوح بين 10 إلى 25 نقطة أساس.

في مذكرة بحثية حديثة، قال محللون من بنك “نومورا”، إن هذه الخطوة المنسقة تهدف إلى “تمهيد الطريق” أمام البنوك لخفض أسعار الفائدة على الرهن العقاري الخاصة بها بناءً على المتطلبات الجديدة للهيئات التنظيمية.

وأفادت شركة “يي كاي” المملوكة للدولة، نقلاً عن أشخاص مقربين من المنظمين أن الإجراءات الجديدة يمكن أن تساعد 40 مليون مشتري منازل، وتؤثر في 25 تريليون يوان (3.5 تريليون دولار) من القروض العقارية، أو نحو ثلثي قروض الإسكان في البلاد.

وقال رئيس قسم العقارات في الصين وهونغ كونغ في بنك “يو بي أس” الاستثماري للأبحاث جون لام “هذا جزء أساس من التيسير الإضافي للسياسة الذي كنا نتوقعه، نحن نعتبر تخفيف السياسة هذا أكثر إيجابية ومختلفاً مقارنة بالسياسات السابقة، إذ تساعد سياسة مثل هذه على مستوى البلاد على تعزيز ثقة مشتري المنازل في توقعات أسعار العقارات“.

واتفق محللو “كابيتال إيكونوميكس” مع هذا الرأي، وأكدوا أن “جهود التحفيز تكتسب زخماً أخيراً”، وأضافوا أن الإجراءات الجديدة ستخفض الكلفة الأولية لملكية المنازل في عديد من المدن الكبرى، وإذا كان بإمكان هذه الإجراءات أيضاً تعزيز الثقة على نطاق أوسع، فقد يكون هذا كافياً لوقف الانحدار في سوق الإسكان”.

إجراءات لتخفيف الضغط على اليوان

بالتوازي، قرر المسؤولون أيضاً معالجة تراجع قيمة اليوان، الذي انخفض بسرعة في الأشهر الأخيرة مع تزايد مخاوف المستثمرين في شأن صحة الاقتصاد الصيني.

وقال بنك الشعب الصيني إنه سيخفض، للمرة الأولى هذا العام، حجم العملات الأجنبية التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها كاحتياطات إلى أربعة في المئة من ستة في المئة من ودائعها بالعملات الأجنبية.

وتراجع اليوان في الآونة الأخيرة مع انسحاب المستثمرين الأجانب من الأصول الصينية وسط مخاوف في شأن تراجع نمو الصين وتفاقم أزمة العقارات، وانخفض اليوان في الخارج بنسبة ستة في المئة مقابل الدولار الأميركي منذ أبريل الماضي، وقالت رئيسة استراتيجية الاقتصاد الكلي للصين في بنك “ستاندرد تشارترد”، بيكي ليو، إن الخطوة التي اتخذها “بنك الشعب الصيني” قد تخفف الضغط على اليوان.

وقالت إن المبلغ قد يكون ضئيلاً، لكن هذه الخطوة رمزية لأنها “أعادت تأكيد الموقف الحاسم لبنك الشعب الصيني” للحد من ضعف اليوان في المستقبل المنظور.

وذهبت الحكومة الصينية إلى أبعد من ذلك لتعزيز استهلاك الأسر، الذي يمثل نحو 37 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الصين، وقالت السلطات، إنه اعتباراً من هذا العام، ستضاعف الإعفاءات الضريبية على تكاليف رعاية الأطفال والتعليم، كما تمت زيادة الإعفاء الضريبي لرعاية الوالدين المسنين بشكل ملحوظ.

وأظهرت البيانات الصادرة عن “ستاندارد آند بورز غلوبال” أن مؤشر مديري المشتريات في قطاع التصنيع قد تحول بشكل مفاجئ إلى التوسع في أغسطس الماضي، وارتفع المؤشر إلى 51 مقارنة بـ49.2 في يوليو (تموز) السابق له، ويمثل هذا أعلى مستوى منذ فبراير (شباط) 2023، مما يشير إلى تحسن ملحوظ في نشاط المصانع.

وكانت القراءة أكثر تفاؤلاً من المسح الحكومي الرسمي الذي صدر، الخميس الماضي، والذي أظهر أن التصنيع لا يزال عالقاً في الانكماش في أغسطس الماضي على رغم علامات التحسن، وكتب كبير الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى في مجموعة “ماكواري” لاري هو، في مذكرة بحثية حديثة، “يظهر الاقتصاد الصيني مزيداً من علامات الاستقرار بدلاً من مزيد من التدهور”.

وقال إن الإجراءات السياسية خلال الشهر الماضي قدمت الدعم لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، وأضاف “خلاصة القول هي أن الاقتصاد الصيني لم يخرج من الأزمة بعد، لكنه ليس في أزمة أيضاً”، مضيفاً أن صناع السياسات في حاجة إلى التصرف بشكل أكثر حسماً لانتشال سوق الإسكان من دوامة الهبوط المستمرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى