اقتصاد دولي

المشاريع الصغيرة في تونس تتعثر بسبب ضعف التمويل

يكابد عدد من المستثمرين التونسيين الشباب من أجل النفاذ إلى مصادر التمويل البنكي لتأسيس مشاريعهم الصغيرة في مشهد يتسم بشدة المنافسة وتنامي الاقتصاد الموازي من جهة، وارتفاع الضرائب والإجراءات الإدارية المقيتة من جهة أخرى، مما يدفع كثيرين إلى الإحجام عن خوض مغامرة تأسيس المشاريع وتفضيل الهجرة.

ويتذمر الفاعلون الاقتصاديون في تونس، بخاصة الشباب من قلة التمويل البنكي وشروطه المجحفة التي يكاد أن يكون من المستحيل الامتثال لها، ليجدوا ضالتهم في بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة الحكومي المتخصص الأول في تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة التي يتجاوز حجمها 5 ملايين دينار (1.6 مليون دولار).

ولئن أدى هذا البنك مهمته بنجاح في أولى سنوات تأسيسه عام 2005 إلا أنه صار يعاني صعوبات مالية كبيرة خلال الأعوام الماضية أضحت تهدد وجوده، وبالتالي إمكان تعطل تمويل المشاريع لهذه الفئة من المستثمرين التونسيين.

وسيعقد مجلس إدارة البنك اجتماعاً الخميس المقبل للنظر في إمكان تصفية المصرف أو إيجاد الحلول المالية من الدولة لإنقاذه ومواصلة اضطلاعه بدوره في تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة.

منظومة بصدد الانهيار

المتخصص المالي والبنكي بسام النيفر اعتبر أن بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يلعب دوراً مهماً في منظومة تمويل المشاريع في تونس والأهم من ذلك أنه يتحمل الأخطار مع المستثمر الشاب إذ لا يطلب ضمانات.

وأضاف لـ”اندبندنت عربية” أن عملية تحمل الأخطار امتدت لأعوام عدة، بخاصة تحمل إفلاس عدد من المشاريع، مما أثَر في توازناته المالية، وبما أن البنك المركزي التونسي فرض معايير تصرف حذرة وصارمة، وجد هذا البنك نفسه في مأزق كبير ودخل في دوامة أزمات جعلته يحيد نسبياً عن دوره ليركز على مشكلاته المالية الداخلية.

وأوضح أن الناتج البنكي الصافي لبنك تمويل المؤسسات الصغرى في تونس بلغ 7.4 مليون دينار (2.4 مليون دولار) وتحمل أخطار بقيمة 9.5 مليون دينار (3.1 مليون دولار) علاوة على إقراضه عدد من المتعاملين أفلسوا ليجد نفسه في وضعية مالية تنذر بالإفلاس.

ورجح النيفر أن تكون وضعية البنك صارت شبيهة تقريباً بوضعية البنك الفرنسي- التونسي الذي تم تفليسه وتصفيته نهائياً عام 2022، وتطرق إلى الإشكاليات الحقيقية والعميقة في تونس المتمثلة في صعوبة الاستثمار في البلاد بسبب نسب الفوائد البنكية المرتفعة، إضافة إلى سوء التصرف والحوكمة في المشاريع الصغيرة.

خسائر متراكمة

وفق الموازنات المالية المنشورة لهذا البنك عام 2021، وصلت خسائره المتراكمة الى 114 مليون دينار (38 مليون دولار) علماً أن رأسمال البنك يبلغ 100 مليون دينار (31.97 مليون دولار)، مما يعني أنه ابتلع رأسماله بالكامل وفي هذه الحال يتعين على السلطات المالية في البلاد إعلان إفلاسه.

وتراجع الناتج البنكي الصافي للبنك بنسبة 19 في المئة من 9.2 مليون دينار (3 ملايين دولار) أواخر 2020 إلى 7.4 مليون دينار (2.4 مليون دولار) نهاية 2021، كما تطورت الالتزامات المحمولة على البنك بنسبة خمسة في المئة لتصل مع نهاية عام 2021 إلى ما قيمته حوالى 450 مليون دينار (150 مليون دولار) مقابل 428.2 مليون دينار (142.7 مليون دولار) في 2022.

تصفية البنك ليست مطروحة

ومن جانبه قال المدير المكلف بالاتصال والعلاقات العامة في بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة حمدي قصيعة إن مسألة حل البنك ليست مطروحة بالمرة في الوقت الراهن على رغم الصعوبات الهيكلية التي يعرفها المصرف، وأقر في تصريح إلى “اندبندنت عربية” أنه على رغم الصعوبات المالية التي يعيشها البنك منذ أعوام عدة وابتلاعه رأسماله بنسبة 100 في المئة بسبب الإشكاليات المالية التي يعرفها، غير أن عملية تصفية البنك أو تفليسه ليست مطروحة في الوقت الراهن على الحكومة.

ولفت إلى أن الدولة المساهم الأكبر في البنك ولن تترك هذه المؤسسة تنهار بدليل عقد الحكومة لمجلس وزاري في أبريل (نيسان) 2023 للنظر في الصعوبات التي يعيشها البنك وإقرار جملة من الإجراءات لإنقاذه.

وتعقد الخميس المقبل جلسة عامة استثنائية لبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة (حكومي) للنظر في مصيره الذي يعرف صعوبات هيكلية ومالية كبيرة، إذ ستتم خلالها مناقشة قرار مهم يتمثل في عدم تصفية البنك، وفق قصيعة.

وتأتي الدعوة إلى الجلسة العامة الاستثنائية لمجلس الإدارة في ظل الصعوبات المالية التي يعرفها البنك المتخصص في تمويل المشاريع التي تفوق قيمتها 5 ملايين دينار (1.60 مليون دولار) وتم تأسيسه كمنظومة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البلاد بعد البنك التونسي للتضامن، كما يضيف قصيعة.

 إجراءات عاجلة

وأفاد قصيعة بأن الإجراءات التي أقرها المجلس الوزاري بإشراف رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن أفضت إلى اتخاذ جملة من الإجراءات والقرارات ترمي إلى تحسين السيولة المالية للبنك، مؤكداً أن الإجراءات المتخذة قصيرة المدى وتمتد على حوالى عام ونصف من أجل مواصلة البنك العمل في ظروف مريحة نسبياً.

وبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة هو بنك تونسي يخضع لإشراف وزارة المالية وتم إنشاؤه في مارس (آذار) 2005 ورأسماله 50 مليون دينار تونسي (16.6 مليون دولار)، ثم تضاعف ليصبح 100 مليون دينار (33.3 مليون دولار).

دور محوري

وأسهم البنك منذ تأسيسه إلى نهاية مارس 2023 في تمويل مشاريع شركات صغرى ومتوسطة (جديدة وتوسعة) بكلفة 1.2 مليار دينار (400 مليون دولار).

وبلغ حجم مصادقات القروض المسندة الى أواخر مارس الماضي 380 مليون دينار ليسهم البنك منذ تأسيسه في توفير حوالى 31 ألف موطن شغل.

وأكد قصيعة أن بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يعد شريكاً استراتيجياً لبعث الشركات الصغرى والمتوسطة في البلاد، مردفاً أن لتونس منظومة متكاملة في تمويل الشركات والمشاريع انطلاقاً من القروض المتناهية الصغر التي تفوق ألف دولار بقليل، مروراً ببنك التضامن المشجع على تمويل الحرفيين ووصولاً إلى المشاريع المتوسطة التي لها سقف تمويل بقيمة لا تتجاوز 5 ملايين دينار والمتخصص فيها بنك المؤسسات الصغرى والمتوسطة.

ولم ينفِ أهمية التمويل معترفاً بأنه في حال اضمحلال هذا المصرف فإن المنظومة سوف تنهار بالكامل ليجد آلاف الشباب أنفسهم عاجزين عن تحويل أحلامهم إلى مشاريع حقيقية فيزيد الوضع صعوبة.

فشل إحداث بنك الجهات

وكان يفترض تحويل بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى بنك للجهات وهو مشروع عملت عليه الحكومات المتعاقبة، خصوصاً وزير المالية الراحل سليم شاكر الذي قام بجميع الدراسات الفنية ودراسات الجدوى الاقتصادية، غير أن المشروع سقط في الماء وأجهض ليتم التخلي عنه نهائياً على رغم حصول تونس على هبة من برنامج التعاون التونسي- الألماني لإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية لبنك الجهات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى