اقتصاد كويتي

«الهيدروجين» بوابة الكويت لبناء «صناعة فولاذ خضراء».. لتصديرها إلى أوروبا

تنشر مصادر دراسة خاصة أعدها م.أحمد طاهر، الباحث بمجال إدارة الطاقة والهندسة الكهربائية، حول سبل استخدام الهيدروجين في الصناعات الثقيلة، حيث تناولت الدراسة السابقة التي نشرتها «الأنباء» في عددها الصادر بتاريخ 27 ديسمبر 2022، كيفية استخدام الهيدروجين بدلا من الوقود الأحفوري بقطاع النقل، حيث خصلت الدراسة إلى أن الطلب على الطاقة في الشاحنات الثقيلة قد يميل أكثر نحو كهربة الصناعة بالكامل.
ومع ذلك فإن الطلب على الطاقة في الصناعات الثقيلة يختلف عن قطاع النقل، حيث تعد الحاجة إلى توفير الطاقة الحرارية لعمليات التصنيع أمرا بالغ الأهمية لإنتاج المصنوعات النهائية المطلوبة للانتقال نحو اقتصاد خال من الانبعاثات، ويمثل هذا تحديا لحجة كهربة كل شيء، حيث في بعض الحالات، لا تكون الحرارة الناتجة عن الكهرباء فعالة كما هو الحال عند استخدام نفس الكهرباء لإنتاج الهيدروجين.
صناعة الفولاذ:- وتمثل صناعة الصلب 7% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، فمقابل كل طن من الفولاذ المنتج من خام الحديد يتم إطلاق ما يقرب من طنين من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، لذلك، فإن إزالة الكربون من صناعة الصلب سيكون بغاية الأهمية.
ويجب الملاحظة أنه من غير الممكن إزالة الكربون من صناعة الصلب لأن الكربون هو عنصر التصلب في صناعة الصلب، وبالتالي فهو جزء من التركيب الكيميائي، ويمكن إنتاج الفولاذ إما من خام الحديد المكرر أو عن طريق إعادة تدوير قصاصات الصلب القديمة، وفي الواقع يأتي 40% من إنتاج الصلب بالعالم من الفولاذ المعاد تدويره. وهناك طرق متعددة لتكرير خام الحديد وإنتاج كريات الحديد التي يمكن تحويلها بعد ذلك إلى صلب، عن طريق فرن الانفجار.
مسار الأفران اللافحة:- الأفران اللافحة هي ما يتبادر إلى الذهن عندما تفكر في تكرير الحديد، وهي عبارة عن خزانات معدنية كبيرة تحتوي على معادن حمراء ساخنة وحرارة شديدة تتدفق منها، وتستخدم أفران الصهر فحم الكوك المعدني والهواء لإنتاج الحرارة وإزالة الشوائب من خام الحديد وإنتاج كريات الحديد.
ويتم بعد ذلك نقل الكريات إلى المحول الأكسجيني، والذي يستخدم مزيدا من الحرارة لإنتاج الفولاذ، وتستهلك طريقة الفرن اللافح + المحول الأكسجيني نحو 20.8 جيجا جول لكل طن من الفولاذ الجديد.
وعند النظر إلى الهيدروجين كبديل للفحم يمكن أن يحل جزئيا محل الكوك المستخدم في عملية الفرن اللافح مع الاضطرار إلى تغيير العملية الكيميائية التي كانت مستخدمة قبل إدخال الهيدروجين. ينتج عن هذا تحد تقني ومالي، حيث إن تغيير العملية الكيميائية سيتطلب اختبارات صارمة وتغييرا في كل من الأساليب والمعدات مع الحاجة إلى المزيد من الاستثمارات لإزالة ثاني أكسيد الكربون من هذا المسار.
مسار الحديد المختزل المباشر:- في هذا المسار لا يتم صهر الحديد بالحرارة العالية كما في مسار الأفران اللافحة، بدلا من ذلك يتم تسخين خام الحديد إلى درجات حرارة أقل من تلك الموجودة في الأفران اللافح ويتم اختزال الشوائب باستخدام مزيج من غاز أول أكسيد الكربون والهيدروجين لاستخراج الشوائب عن طريق التفاعل كيميائيا مع الشوائب (أي الأكسجين).
ويتم إنتاج الهيدروجين وأول أكسيد الكربون عن طريق إعادة تشكيل الميثان بالبخار أو من خلال تغويز الفحم. يتم تحويل الكريات الحديدية التي يتم إنتاجها عبر مسار الاختزال المباشر (DRI) عادة إلى الفولاذ باستخدام فرن القوس الكهربائي. والآن، تختبر شركات مختلفة استخدام الهيدروجين بدلا من الغاز الطبيعي في عملية الاختزال المباشر. على سبيل المثال، تم بناء مصنع تجريبي في السويد بواسطة شركة SSAB في عام 2020 لاختبار الهيدروجين كعامل اختزال قبل بناء مصنع تجريبي ذي حجم إنتاج تجاري بحلول عام 2025.
وكما يوحي الاسم، تستخدم أفران القوس الكهربائي الكهرباء وقضبان الغرافيت لإنتاج الحرارة وكربونات الحديد. تستخدم أفران القوس الكهربائي عادة لإعادة تدوير الفولاذ، ولكن يمكن أيضا استخدامها لاستبدال المحول الأكسجيني وصنع الفولاذ من الحديد المكرر. يستهلك مسار الحديد المختزل + أفران القوس الكهربائي ما بين 12-15 جيجا جول للطن من الفولاذ الجديد.
أصبح من الواضح كل يوم أنه إذا توجه العالم نحو إزالة الكربون من صناعة الصلب، فإن مسار مسار الحديد المختزل + أفران القوس الكهربائي سيزداد شعبيته وقد تصبح العملية المهيمنة على عكس مسار مسار الأفران اللافحة الحالي.
وهناك دراسات لطرق أخرى تهدف إلى إلغاء الحاجة إلى إضافة الحرارة العالية في عمليات تصنيع الصلب وبالتالي تقضي تماما على الحاجة إلى الوقود. طريقة التحليل الكهربائي بأكسيد المعادن هي الطريقة الأبرز الأقرب للتسويق.
مسار التحليل الكهربائي لأكسيد المعادن:- تستخدم طريقة التحليل الكهربائي لتنقية خام الحديد أو حتى خام الحديد ذي الجودة المنخفضة (على عكس عملية الحديد المختزل المباشر). تدعم هذه الطريقة حاليا شركة تدعى Boston Metals، والتي بنت مؤخرا مصنعا تجريبيا في الولايات المتحدة. وقبل البدء بعملية التحليل الكهربائي لا بد من زيادة درجة حرارة خام الحديد إلى 1600 درجة مئوية، لذلك هناك الحاجة إلى الطاقة الحرارية مرة أخرى. يضاف هنا خام الحديد المسخن إلى قبو مملوء بمحلول (يحتوي على أيونات حرة تشكل وسطا ناقلا للكهرباء) وأنود مثبت. القطب الموجب مسؤول عن استخلاص الأكسجين من خام الحديد بينما ينجذب الحديد المنصهر المنقى إلى القطب السالب. ثم يغادر الحديد المصفى الحجرة لتشكيل كريات يتم إدخالها بعد ذلك في فرن القوس الكهربائي. تشير التقديرات إلى أن مسار التحليل الكهربائي لأكسيد المعادن + فرن القوس الكهربائي يستخدم 14 جيجا جول للطن من الفولاذ الجاهز.
ويمكننا أن نرى أن الهيدروجين الأخضر سيكون مطلوبا في صناعة الصلب وأن كهربة الصناعة بأكملها ليست جاهزة بعد. الطريقة الوحيدة التي يمكن بها كهربة صناعة الصلب بالكامل في الوقت الحالي هي عندما ينخفض طلبنا على الفولاذ بدرجة كبيرة بحيث يكون من المنطقي إعادة تدوير المخزون الحالي فقط من الفولاذ الذي نستخدمه. أحد الأشياء التي سيحتاج اليها انتقال الطاقة هو المزيد من الفولاذ أكثر مما نطلبه حاليا.
ماذا يعني هذا للكويت؟:- كان إنتاج الكويت من الفولاذ أقل من مليوني طن/ سنة. لوضع ذلك في الاعتبار، بلغ إنتاج الإمارات في عام 2021 نحو 5 ملايين طن/ سنة.
وحقيقة أن إنتاجنا ليس مرتفعا مثل إنتاج جيراننا ويمكن أن يلعب دورا جيدا في تنمية صناعة الفولاذ بالكويت لأنه يعني أننا لسنا بحاجة إلى الاستثمار في تغيير عملياتنا الحالية بقدر ما يمكننا توجيه هذا الاستثمار إلى بناء صناعة الفولاذ الأخضر سواء قررنا استخدام الهيدروجين في مسار الحديد المختزل + أفران القوس الكهربائي أو كهربة العملية بأكملها، وفي حالة مسار التحليل الكهربائي لأكسيد المعادن + أفران القوس الكهربائي. وفي كلتا الحالتين، فإن بناء صناعة فولاذية خضراء في الكويت بهدف بيع هذه المنتجات إلى أوروبا سيزيد من حصة مشاريع الطاقة المتجددة في البلاد حيث سيكون هناك طلب أعلى على هذا النوع من الطاقة. علاوة على ذلك، سيفتح هذا الباب أمام المزيد من الاستثمارات الأجنبية في القدرات الجديدة للحديد الأخضر والطاقة المتجددة بالكويت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى