اقتصاد كويتي

بيان الجمعية الاقتصادية الكويتية بخصوص الموازنة التقديرية لعام 2023/2024

منذ أكثر من خمس سنوات حذرت الجمعية الاقتصادية الكويتية ما نعيش فيه من اختلالات هيكلية لاقتصادنا وعدم استدامة نموذج التنمية الاقتصادية المبني على قيادة القطاع العام. واستمرارنا بإطلاق صرخات علها تعبر جدار الصمت الحكومي المنشغل بالسياسة على حساب اقتصاد الوطن الذي يعتبر الشريان الرئيسي لضمان واستقرار وازدهار ونماء البلاد، فما نسعى له دوماً في بياناتنا المتعاقبة لهو “نهجُ وقيمُ وسعيٌ قديم لأبناء الكويت الأوفياء للمحافظة على ثروات الوطن وموارده، وآن الأوان لهذا النهج أن يورًّث لجميع أطياف المجتمع وعلى رأسهم جمعيات النفع العام كل وفق اختصاصه” كما وصفه المرحوم الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح – رحمه الله –

أصدرت وزارة المالية مؤخراً مسودة الموازنة الأولية للسنة المالية 2023/2024، في اتجاه محاسبي مخالف لمسار العجز المالي المتوقع للسنة المالية الحالية. حيث تضمنت الميزانية التقديرية لـ2023/2024 وللمرة الأولى، تقدير واحتساب الجهات المستقلة التابعة للدولة، ما رفع نسبة مساهمة الإيرادات غير النفطية بعد شمولها الإيرادات المتوقعة عن أرباح هذه الجهات في الموازنة إلى 19%.

وقدّرت وزارة المالية أرباح الجهات المستقلة في موازنة السنة المالية المقبلة بنحو 1.773 مليار دينار، مقارنة بـ1.353 مليار أرباحاً متوقعة لها في السنة المالية الحالية. وتوقعت كذلك وزارة المالية أن تُحقق الكويت عجزاً في موازنة السنة المالية المقبلة يبلغ نحو 6.826 مليار دينار قبل احتساب أرباح الجهات المستقلة، و5.053 مليار بعد احتسابها، بزيادة ما يعادل نحو 40 ضعف العجز المقدّر للسنة المالية الحالية البالغ 123.9 مليون. وعلى ذلك من المتوقع أن تحقق موازنة 2022/2023 فائضاً صغيراً جداً بنهاية المطاف، يصل الى نحو 600 مليون دينار (1% من الناتج المحلي الإجمالي) بمعدل سعر بيع 95 دولارا للبرميل مقابل 70 دولار للبرميل تم تقديره في الميزانية 2022/2023 ، ولكن على حسب المتغيرات ففي حال النزول عن 70 دولار فالعجز يصل لأكثر من 6 مليار وبعد مضي شهرين ونصف من السنة المالية الجديدة بلغ معدل سعر بيع النفط ما يقارب الـ80 دولار للبرميل. وعلى الرغم من أن الارتفاع المتوقع للنفقات الحكومية سيدعم الطلب على المدى القريب، إلا أنه يضيف أيضا إلى ضغوط الاستدامة المالية على المدى الطويل، خاصة في سياق استمرار الاعتماد المفرط على العائدات النفطية المتقلبة (88% من إجمالي الإيرادات).

ولا يمكننا الالتفات عن عامل مهم وهو أن من ركائز العيش الكريم هي التعليم والصحة والبنية التحتية بحيث مقارنةً بحجم الميزانية الغير مسبوق في مصاريفها فإن الزيادة فقط 122.4 مليون دينار لتغطية تكاليف الأدوية في وزارة الصحة و زيادة بمبلغ 35 مليون دينار للصرف على هندسة الطرق وصيانة الطرق السريعة مقارنة بالميزانية المعتمدة 2022/2023 ومقارنتها بإمور لا ينتفع بها عموم مكونات الشعب والمجتمع وهو بيع الاجازات، بحيث أن تم ادراج للمرة الأولى مبلغ 481.8 مليون دينار نتيجة قرار البدل النقدي لرصيد بيع الإجازات على بند المصروفات، وهذا يشكل ثلاثة اضعاف زيادة الأدوية وصيانة الطرق مجتمعين.

وما لا يمكن أن نلتقت عنه أيضاً وهو أن ارتفاع أسعار النفط اليوم من خلال الحرب الروسية – الأوكرانية غير مستدامة وبالنظر لآخر 5 سنوات فإن اختلالات الميزانية واضحة ولا يمكن إغفالها. وتشير تقارير ديوان المحاسبة وكذلك تقارير اقتصادية أخرى على ان هناك عدم جدية واضح من وزارات الدولة في الإسراع بتنفيذ المشاريع المدرجة ضمن خطة التنمية بميزانية الدولة وهذا يضخم العجز ويضعف وتيرة الانجاز. وكذلك الأخطاء الجسيمة من وزارات الدولة في تقدير مشاريعها (مثال وزارة الصحة) أخطأت بتقدير إيرادات الضمان الصحي للوافدين وتم تسجيله 110,000 د.ك وهي في الحقيقة 110,000,000 د.ك ! في الموازنة 2021/2022 وتم ذكرها في تقرير ديوان المحاسبة.

ومن الواضح عجز الحكومة في تحصيل إيراداتها من الشركات والافراد البالغة 2.2 مليار دينار، وكذلك من الشركات التي تماطل في دفع الضرائب لمدة تزيد عن عشر سنوات. ولا يمكننا الالتفات عن عدم الجدية في الالتفات الى تحصيل الغرامات الجزائية على الشركات المتعثرة من تنفيذ المناقصات الحكومية.

لذلك نحن في الجمعية الاقتصادية الكويتية نؤكد على أن أولى مراحل الإصلاح الشامل هي وجود إرادة سياسية جادة تعزز ثقة الشعب في الحكومة ومن ثم تهيئة المجتمع لأي إجراء إصلاحي في المستقبل كما فصّلنا في رؤية الجمعية في “أولويات الإصلاح الشامل في الاقتصاد الكويتي”، وأن يرتكز الإصلاح اليوم على أمر واحد أساسي وهو الإصلاح المؤسسي كي تتمكن الحكومة من الوصول إلى الإصلاحات الأخرى. ونؤكد على أن أي إصلاح يبدأ من مس جيب المواطن هو إصلاح ساقط اقتصادياً قبل أن يسقط شعبياً. فالهدر المالي في الميزانية من الواجب ضبطه قبل التفكير بفرض ضرائب، ومحاربة الفساد وتقليل التكلفة الباهظة والمصاحبة له كذلك على رأس سلم الأولويات. كما أنه من الضروري دراسة الآثار الاقتصادية المترتبة على أي قرار قبل اتخاذه.

ختاماً نؤكد كمؤسسة مجتمع مدني منتخبة تهدف الى المساهمة الفاعلة ونشر الوعي وتقديم مبادرات بغرض خدمة الصالح العام ولا مصلحة لنا سوى الارتقاء بتنافسية وشفافية الاقتصاد الكويت، وكذلك نطمح بأن نساهم ولو بشيء بسيط بتطوير بيئة الأعمال والارتقاء بتنافسية وشفافية الاقتصاد الكويتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى