اقتصاد خليجي

كيف تتحرك السعودية لتوفير التمويل لمشاريعها الكبرى؟

تسعى شركة “نيوم السعودية” حالياً نحو تعزيز روافد تمويلها لمشاريع البناء الضخمة في المدينة المستقبلية التي يعتبرها كثر واحدة من أكبر مشاريع العالم كلفة، إذ تقدر قيمتها بنحو 1.5 تريليون دولار، بينما شرعت أخيراً في التسويق والجولات الترويجية للمستثمرين.

إلى ذلك، قال محللون اقتصاديون لـ”اندبندنت عربية”، إن هناك عديد الخيارات لتمويل مشروع “نيوم” سواء من خلال التمويل الحكومي أو من خلال شراكات القطاع الخاص أو إصدار ديون أو الاقتراض المصرفي أو الطرح العام الأولي المحتمل في البورصة السعودية، من منطلق أن اﻟﺘﻤﻮﻳﻞ يعد أداة مهمة ﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرﻳﺔ ونجاحها.

وفي حين يعتبر مشروع “نيوم” الأهم ضمن خطط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرامية إلى تنويع اقتصاد البلاد بعيداً من النفط، إذ يشكل أحد المشروعات العملاقة ضمن المحفظة الاستثمارية المتنوعة لصندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي للسعودية) وهو الكيان الرئيس الذي يملك المشروع ويموله، فإن المشروع الحضري العملاق والطموح، الذي أعلن عنه عام 2017، يشكل “جوهرة التاج” أو “حجر الزاوية” لـ”رؤية السعودية 2030” والتحولات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها، بما في ذلك تخفيف القيود الاجتماعية وجذب الاستثمار.

تتمثل خطة تحويل تلك المنطقة النائية، الواقعة على ساحل البحر الأحمر شمال غربي السعودية، إلى مدينة عالية التقنية في الصحراء بمساحة بحجم دولة بلجيكا.

ومدينة “نيوم” هي مجموعة من البلدات والمدن المستقبلية التي من المتوقع أن تستوعب 450 ألف شخص بحلول عام 2026، وحظي أحد التطورات داخلها، والمعروف باسم “ذا لاين”، بأكبر قدر من الاهتمام لكونها أول مدينة مغلقة بالكامل بطول 170 كيلومتراً وعرض 200 متر وارتفاع 500 متر، وتشمل خطط “نيوم” تشييد منطقة صناعية وموانئ ومنشآت سياحية.

وتطمح الحكومة السعودية إلى أن يكون مشروع “نيوم” بمثابة تحفة فنية من شأنها أن تحول اقتصاد البلاد، وأن يكون بمثابة منطقة اختبار للتكنولوجيا المستقبلية التي يمكن أن تحدث ثورة في الحياة اليومية. وإلى جانب مشروع “ذا لاين”، تشمل خطط “نيوم” إنشاء مدينة صناعية وموانئ ومواقع سياحية، ومن المقرر أيضاً أن تستضيف دورة الألعاب الآسيوية الشتوية عام 2029 في منتجع جبلي يسمى “تروجينا”.

من المؤكد أن العمل مستمر في أجزاء أخرى من مشروع “نيوم” الأوسع، إذ حافظ المسؤولون على أهدافهم العامة لمشروع “ذا لاين” بحسب ما نقلت وكالة “بلومبيرغ” عن مصادر مطلعة.

وعلى سبيل المثال، من المقرر افتتاح مشروع تطوير آخر داخل “نيوم” يحول جزيرة في البحر الأحمر إلى وجهة سياحية فاخرة تعرف باسم “سندالة” هذا العام.

وفي الـ27 من ديسمبر (كانون الأول) 2023، كشفت “نيوم” النقاب عن “نورلانا”، وهو “نمط حياة نشط فائق الحداثة” حصرياً، ويعكس الإعلان أيضاً عن “أوتامو”، الوجهة الجديدة للفن والترفيه جهوداً أخرى تبذلها “نيوم” لخلق تجربة جديدة مع دعم التنمية المستدامة في الوقت نفسه، فيما ظهرت مواقع سياحية بيئية فاخرة مماثلة داخل “نيوم” مثل “ليجا” و”إبيكون”، و”سيرانا”، كمشاريع ساحرة في الأشهر الأخيرة.

وفي الشهر ذاته أطلقت “نيوم” أيضاً شركة “توبيان للأغذية” بهدف تعزيز “مجتمع نابض بالحياة من العلماء وخبراء الصناعة والمبتكرين”، وأكملت نقل ملكية “نادي الصقور”، وتغيير علامته التجارية إلى نادي “نيوم الرياضي”.

وترى الوكالة الأميركية أن النجاح الرئيس الذي حققه “نيوم” حتى الآن تجسد في تطوير مشروع كلفته نحو 8 مليارات دولار لبناء مزارع لتوليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستستخدم لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وتأمل الرياض أن تصبح واحدة من أكبر منتجي هذا الوقود في العالم، إذ تتطلع إلى تقليل اعتمادها على مبيعات النفط.

موازنة “نيوم”

توفر معظم تمويل المشروع حتى الآن من طريق نقل أسهم للشركة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي (مالك المشروع) لكن لإنجاز المشروع الطموح، درس مطورو “نيوم” اللجوء لصور جديدة من التمويل خلال الأشهر الأخيرة.

500 مليار دولار

وظهرت الكلفة البالغة 500 مليار دولار في وقت مبكر من دورة حياة المشروع، على رغم أن معايير “نيوم” تغيرت بصورة كبيرة منذ ذلك الحين، ووفقاً لبيانات صندوق الاستثمارات العامة ستتكلف المرحلة الأولى من المشروع نحو 319 مليار دولار، ويأتي نحو نصف التمويل من الصندوق السيادي السعودي.

مسار طبيعي

وقال مصدر مطلع لـ”اندبندنت عربية” إن تقييم صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي للسعودية) بصفته مالك مشروع “نيوم” مجموعة من الخيارات لجمع الأموال للمشروع بما في ذلك تسريع إصدارات الديون وتنظيم عروض لبيع حصص من شركات محفظته، يعتبر مساراً طبيعياً يتوافق مع مقتضيات الحال باعتبار المشروع من بين الأكبر عالمياً، وهي خطوة متبعة مع جميع المؤسسات والشركات سواء كانت صغيرة أو كبيرة.

وأوضح المصدر – الذي فضل عدم ذكر اسمه – أن القرارات المتعلقة بالتمويل واختيار مصادرها مهمة ومعقدة، الأمر الذي يستلزم دراستها جيداً وبصورة متأنية، مشيراً إلى أن هناك خمس نقاط رئيسة لتقييم وسائل تمويل مشروع “نيوم”، الأولى هي تحديد حجم كلفة المشروع ومقارنتها بكلفة أكبر المشروعات العملاقة حول العالم، أما النقطة الثانية فهي دراسة آليات تمويل تلك المشروعات واختيار ما يتناسب مع ظروف المشروع السعودي الطموح.

وأضاف المصدر أن النقطة الثالثة هي تحديد وسائل التمويل سواء من خلال القطاع الحكومي أو الخاص أو إصدار سندات أو الاقتراض المباشر من المصارف، والرابعة تتمثل في سعي منفذ المشروع وهو الحكومة السعودية للحصول على أقل كلفة تمويلية التي تنعكس على تحقيق الأرباح وتقليل المصاريف، والنقطة الخامسة ترتكز على دراسة النقاط السابقة، وفي حال أظهرت البيانات أن “نيوم” الأكبر من جهة الكلفة التمويلية عالمياً سيكون من الطبيعي التفكير خارج الصندوق لضمان وجود الموارد المالية اللازمة لتنفيذ المشروع، لذلك لا بد من وجود “توليفة” من مصادر التمويل، سواء من خلال التمويل الحكومي أو شراكة مع القطاع الخاص أو أسواق الدين بما في ذلك إصدار السندات أو الاقتراض المباشر من المصارف.

لا مؤشر إلى التباطؤ

من جهته استبعد كبير الباحثين بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، روبرت موجيلنيكي، أي تباطؤ في الوتيرة المذهلة لتوجهات التطوير في مشروع “نيوم” خلال العام الحالي، وبدلاً من ذلك أعلن مخططو المشروع الضخم في مطلع 2024 عن منتجع فاخر للسياحة البيئية يسمى “زردون”، في إشارة إلى وجهة السياحة البيئية الفاخرة الجديدة على خليج العقبة، إضافة إلى “مجتمع رقمي تحت الأرض للمستقبل”، يطلق عليه اسم “أكويلوم”.

وأضاف موجيلنيكي “يعد (نيوم) مؤشراً إلى أكثر عناصر رؤية 2030 طموحاً، إذ يجرى تطوير مشاريع فرعية سكنية وصناعية وسياحية وتجارية ومشاريع بنية تحتية للطاقة المتجددة بصورة متزامنة ضمن المساحة الجغرافية نفسها، وهي مساحة ضخمة، وفي بعض الحالات تظهر مشاريع فرعية ذات طبيعة متشابهة، مثل السياحة البيئية الفاخرة في صور مختلفة”.

وتابع روبرت موجيلنيكي في تقرير حديث له “في واقع الأمر كلما توسعت (نيوم) بهذه الطريقة أصبح من الصعب تحديد نجاح المشروع بصورة كاملة، نظراً إلى صعوبة تكامل جميع أجزاء هذا المشروع التنموية بسلاسة، ولكن من المنطلق نفسه ليس من المرجح أن يفشل المشروع بصورة كاملة أيضاً، فالتزام الدولة الواضح ودعمها المالي القوي للمشروع من شأنه أن يضمنا إحراز تقدم في بعض عناصره، وفي حين أنه لا يزال من السابق لأوانه إجراء تقييم كامل لمشروع (نيوم) ومشاريعه الفرعية المختلفة، إلا أنه من الواضح أن (نيوم) أصبحت وجهة الوجهات”.

وأشار كبير الباحثين بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن إلى أن جاذبية وجهات “نيوم” على المدى الطويل تعتمد إلى حد كبير على البيئة المحلية السريعة التغير داخل السعودية، لكن الظروف الإقليمية الصعبة ستبقي القائمين على المشروع في حالة استنفار.

نهج استراتيجي وكلفة ضخمة

وقال الرئيس التنفيذي لمركز “كوروم للدراسات الاستراتيجية” في لندن طارق الرفاعي، إن مشروع “نيوم” يسير على النهج الاستراتيجي نفسه المخطط له عند إطلاقه قبل نحو سبع سنوات مستهدفاً جذب المستثمرين الأجانب، موضحاً أن كلفة المشروع تعتبر ضخمة للغاية مما يستلزم استمرار الإنفاق الحكومي على مدى العقود القليلة المقبلة.

وأشار الرفاعي إلى أهمية تنويع مصادر التمويل أمام المشروع سواء من خلال الاقتراض المصرفي أو اللجوء لأسواق الدين أو الطرح العام الأولي المحتمل في البورصة السعودية، بحسب ما صرح به أحد المسؤولين السعوديين سابقاً.

وفي حين تسعى “نيوم” إلى تعزيز روافد تمويلها لمشاريع البناء الضخمة في المدينة المستقبلية البالغة قيمتها 1.5 تريليون دولار، تعتزم الشركة طرح سندات مقومة بالريال في وقت لاحق من العام الحالي، في سابقة هي الأولى من نوعها.

وبحسب ما نقلته وكالة “بلومبيرغ” الإخبارية عن مصادر على دراية بالأمر، فإن “نيوم”، وهي وحدة تابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، عينت بنوكاً بما في ذلك “أتش أس بي سي” ووحدات الأوراق المالية التابعة لـ”مصرف الراجحي” والبنك الأهلي السعودي لتقديم استشارات حول الطرح المرتقب للصكوك.

وأضافت المصادر أن الصكوك ستكون مقومة بالريال، ويمكن أن تجمع ما يصل إلى 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار)، مشيرين إلى أن صكوك “نيوم” قد تطرح بحلول النصف الثاني من العام الحالي، مشيرة إلى أن القرار النهائي في شأن توقيت وحجم الطرح سيعتمد على ظروف السوق.

وتعليقاً على ذلك، قال الباحث المتخصص في الاقتصاد الكلي وعضو جمعية الاقتصاد الأميركية، علي الحازمي، إن توجه “نيوم” المحتمل لأسواق الدين دليل على الرغبة في تنويع مصادر تمويلها وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، وجذب رؤوس الأموال بجميع أنواعها للمساعدة في تسريع عملية تطوير مشاريع البناء المخطط لها للمدينة، وهو أمر عادي بخاصة مع جذب مستثمرين دوليين للمشروع.

وأكد الحازمي أن هذه الخطوة تعطي إشارات إيجابية بأن الرياض تؤمن بأهمية مشاركة القطاع الخاص بتلك المشاريع، لافتاً إلى أن الجولات التي قام بها مسؤولو المشروع بالفترة السابقة بهدف عرض الفرص الاستثمارية الخاصة به، لا سيما في الكويت، تعد من أساليب التسويق الذكي، وهو ما يدلل على أن المشروع سيكون محركاً للاقتصاد السعودي والدول المحيطة.

الصندوق السيادي السعودي

وبدوره أفاد المحلل الاقتصادي والرئيس التنفيذي لشركة “أي تي أي غلوبال”، علي حمودي، بأن صندوق الاستثمارات العامة بصفته مالك المشروع نجح حتى الآن في توفير معظم تمويل مراحله، ومع ذلك يدرس مطورو “نيوم” اللجوء إلى صور جديدة من التمويل خلال الأشهر الأخيرة لإنجاز المشروع الضخم، على رغم الأنباء الخاصة بأن الصندوق السيادي لم يعتمد موازنة “نيوم” لعام 2024 وسط تكهنات في شأن زيادة الكلفة.

وأوضح حمودي أن كلفة المشروع الضخمة تجعل من الحكمة المالية والاستثمارية توجه الحكومة السعودية نحو استهداف مستثمري القطاع الخاص وقطاعات المستثمرين المؤسسيين لجمع مزيد من رأس المال لتمويل المشروع، مبيناً أن تقديرات السوق تشير إلى أن صندوق الاستثمارات العامة سيحتاج إلى جمع 270 مليار دولار أخرى لتحقيق طموحاته بالكامل للمشروع.

قرض بـ2.7 مليار دولار

وفي يوليو (تموز) الماضي كشفت مصادر عن أن “نيوم” تدرس الحصول على قرض بقيمة 10 مليارات ريال (2.7 مليار دولار)، وتجري الشركة محادثات مع مجموعة من البنوك المحلية لجمع القرض بهدف تمويل المراحل المبكرة من مشروع المدينة المستقبلية بكلفة 500 مليار دولار.

وفي سياق متصل تخطط “نيوم” أيضاً لجمع ما يصل إلى 3 مليارات ريال (800 مليون دولار) من البنوك المحلية لتمويل تطوير جزيرة “شوشة”، وهي إحدى أهم الوجهات الساحلية ضمن المشروع.

جولة ترويجية في الصين

وقبل أيام، نظمت “نيوم” النسخة الأحدث من جولاتها العالمية التعريفية “اكتشف نيوم في الصين”، وتحديداً في مدينتي بكين وشنغهاي، بحضور أكثر من 500 من قادة الأعمال والصناعة.

وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إن الجولة انطلقت بحدث نظمته “نيوم” في العاصمة الصينية بكين الإثنين الماضي، بالشراكة مع المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية.

وتبع هذا الحدث تنظيم جولة أخرى في شنغهاي بالشراكة مع المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية في شنغهاي، إذ استعرض خلالها عدد من كبار التنفيذيين في “نيوم” أهم المنجزات والتطورات في المشروع حتى الآن، واستعراض عدد من التفاصيل حول أهم القطاعات المختلفة في المشروع، فيما أبدى عديد من الشركات اهتماماً كبيراً بما جرى عرضه من فرص الشراكات المستقبلية.

وتضمنت الجولة كذلك عقد منتدى خاص بقطاع الإنشاءات، شاركت فيه أكثر من 100 شركة بناء صينية، إذ سلط الضوء على فرص البناء المتاحة أمامها في “نيوم” ومناطقها المختلفة، وجرى إطلاعها على مستوى التقدم الحالي في مواقع البناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى