أخبار عاجلةمنوعات اقتصادية

كيف تفاعلت أسواق الدين الأمريكية مع الإصدار الدولي الأخير لسندات السعودية؟

بينما كانت أسواق الدين العالمية تستقبل سندات دولية مزمع الإعلان عنها خلال الأيام القليلة الماضية، شهدت سندات الخزانة الأمريكية موجة بيع في وقت كانت فيه عمليات بناء سجل الأوامر تتوالى في الإصدار السعودي الجديد الذي لاقى إقبالا كبيرا من المستثمرين.
وأصدرت السعودية سندات دولية على 3 شرائح لأجال 5 و10.5 و30 عاما في وقت تخطت فيه طلبات الاكتتاب نحو 35 مليار دولار لم يقبل منهم سوى 10 مليارات دولار فقط.
ويقول تجار بالسوق ومتعاملون لـ «أرقام» إن موجة البيع التي شهدتها سندات الخزانة الأمريكية بالتزامن مع الإصدار السعودي يعود إلى رغبة المستثمرين في «خلق مساحة» داخل محافظهم المالية لإضافة الإصدار الجديد من الدين السعودي والذي يعد العلامة الأحدث على ثقة المستثمرين في الاقتصاد السعودي.
نظرة على الإصدار الجديد:- وتظهر الوثائق التي اطلعت عليها «أرقام» إقبالا قويا من قبل المستثمرين على باكورة إصدارات الدين السعودية في 2023، إذ تلقت السندات طلبات بأكثر من 35 مليار دولار ما سمح لها بخفض هامش العائد عليها وسط إقبال قوي من قبل المستثمرين.
وتشير البيانات التي اطلعت عليها «أرقام» إلى أن هامش التسعير السندات لأجل خمس سنوات كان فوق مستوى سندات الخزانة الأمريكية لنفس الأجل بنحو 140 نقطة أساس أي أن التسعير المبدئي كان حول مستوى عائد يبلغ 5.5%، فيما جاء التسعير النهائي عند 3.87% للسندات التي تستحق في ديسمبر 2027. وبلغ العائد على السندات التي تستحق في نوفمبر 2032 نحو 4.12%، فيما بلغ العائد على السندات طويلة الأجل 3%. وتشير البيانات التي اطلعت عليها «أرقام» إلى أن هامش التسعير كان فوق مستوى سندات الخزانة الأمريكية لسندات الأجل خمس سنوات بنحو 140 نقطة أساس و170 نقطة أساس لأجل 10 سنوات ونصف و210 نقاط أساس لسندات لأجل 30 عاما.
بيد أن التسعير النهائي للسندات هبط إلى 110 نقاط أساس لسندات الخمس سنوات و140 نقطة أساس لسندات العشر سنوات ونصف وتقديم عائد 5.5% لسندات آجال 30 عاما في علامة لا تخطئها العين على الإقبال القوي من قبل المستثمرين.
وجمعت السعودية بفضل الإقبال القوى نحو 10 مليارات دولار في وقت قالت فيه مصادر مصرفية لـ»أرقام» إن مستهدف الصفقة الرئيسي كان يتراوح ما بين 5-7 مليارات دولار.
وأظهرت وثيقة اطلعت عليها «أرقام» أن طلبات الاكتتاب توزعت بواقع 12 مليار دولار لأجل 5 سنوات و12.5 مليار دولار لأجل 10 سنوات ونصف و12.5 مليار دولار لأجل 30 عاما. وقال مصرفي في أحد البنوك المرتبة للصفقة، لم يكشف عن هويته كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، إن عملية الإصدار شهدت مرونة كبيرة من الآجال الزمنية الجيدة التي قدمتها الصفقة لكافة أنواع المستثمرين.
وأضاف «نتحدث هنا عن علاوة سعرية فقط نحو 20 نقطة أساس. هذا بمثابة شهادة نجاح للإصدار. لقد لبت الصفقة جميع تطلعات المستثمرين ولهذا شهدنا الإقبال القوي. كنا نتحدث عن 7 مليارات دولار فقط ومن ثم زيادة حجم الصفقة إلى هذا الرقم.» واستطرد «أعتقد أن المبلغ الذي تم جمعه سيغطي كافة استحقاقات السعودية من أرصدة السداد القائمة في 2023».
وأظهرت نتائج مسح أجرته «أرقام» أن حجم السندات المستحقة السداد على السعودية خلال العام الجاري تقدر بنحو 12 مليار دولار ما يجعل الصفقة تغطي وحدها 83% من إجمالي المستحقات واجبة السداد خلال العام الجاري .ويقول، بدر فضيل، والذي يعمل كتاجر للسندات الحكومية لدى «جي بي.مورغان» لـ «أرقام» إن جلسة التداول التي طرحت فيها سندات السعودية الدولارية اتسمت بالتقلبات لمعظم سندات الخزانة الأمريكية مع توجه مديري المحافظ نحو إعادة ضبط أحجام السندات داخل محافظهم رغبة في إضافة سندات السعودية.
ويتابع «الإصدارات السعودية عادة ما تتسم بالقوة لو تتبعنا أداء الإصدارات السابقة سنجد أنها في مجملها تقلص العائد ويرتفع سعرها وهذا هو المعيار الجيد لأداء السند».
وتراجعت أسعار سندات الخزانة الأمريكية لعشر سنوات في وقت ارتفع العائد عليها إلى 3.6% في جلسة 10 يناير الجاري إبان بيع السندات السعودية في وقت كان المستثمرين فيه يعيدون ضبط محافظهم بالإضافة إلى موجة بيع في ختام الجلسة بعد كسر العوائد لحاجز 3.63%.
وتوزعت فئات جنسيات المكتتبين في صفقة السندات الدولية ما بين 24% من آسيا و8% من الشرق الأوسط و31% من أمريكا الشمالية و37% من أوروبا. تاجر السندات الحكومية لدى «فيديلتي» للاستثمار، «جاك بي» لـ «أرقام» أن التراجع الذي حدث في أداء السندات الأمريكية بالتزامن مع طرح السندات السعودية يعود أيضا في جزء منه لتحرك الصناديق الخاملة التي تتبع لوغاريتمات تبيع على أساسها بمجرد كسر العائد أو السعر لحاجز معين.
وقال بي «لقد أججت مبيعات السندات السعودية من موجة بيع على سندات أمريكا بالنظر إلى كسر السندات لمستوى هام يتبعه على الفور عمليات بيع تلقائية للصناديق التي تنفذ عمليات البيع والشراء بصورة تلقائية اعتماداً على معادلات حسابية». شهادة ثقة:- وفي بيئة مرتفعة لأسعار الفائدة ينظر إلى سندات الخزانة الأمريكية كأحد الملاذات الآمنة التي يلجأ إليها المستثمرون للتحوط وهو ما يمثل شهادة ثقة أيضا في السندات السعودية التي عملت المحافظ على ضمها وباعت السندات الأمريكية لأجلها.
وتشهد أسواق السندات حول العالم بما فيها سندات الأسواق الناشئة موجة بيع غير مسبوقة تسببت في تراجعات قياسية في الأسعار وارتفاع العوائد. والعلاقة عكسية بين سعر السند والعائد عليه إذ يتسبب ارتفاع الأسعار في تراجع العوائد والعكس بالعكس، وكلما زاد الإقبال على السند ارتفع سعره وتراجع العائد عليه.
وتشير بيانات بورصة لندن إلى ارتفاع أسعار السندات السعودية استحقاق يوليو 2039 بنحو 15% على مدار تعاملات العام الماضي في علامة واضحة على الإقبال القياسي من المستثمرين رغم موجة البيع في الأسواق الناشئة بوجه عام.
ويقول محلل أسواق الدخل الثابت لدى «انتركونتنتال تشانج»، «أشيش كومار» لـ «أرقام» إن جاذبية إصدارات الدين السعودية تأتي في وقت كان بمثابة اختبار حقيقي لأسواق أدوات الدخل الثابت مع ارتفاع معدلات التضخم وتأثيره السلبي على العوائد.
ويوضح كومار «لقد جرى تفضيل الديون السعودية على أنواع أخرى من الإصدارات في الأسواق الناشئة بوجه عام. والأداء الذي تظهره تلك السندات في بيئة مرتفعة لأسعار الفائدة دليل على الثقة التي يوليها المستثمرون في السعودية في بيئة من التضخم المرتفع».
ويتضرر مستثمرو السندات من ارتفاع معدلات التضخم، إذ يقوض ارتفاعه العائد الحقيقي الذي سيحصل عليه المستثمر مع انقضاء مدة السند.
فعلى سبيل المثال إذا قام المستثمر بضخ 100 ألف دولار في شراء سندات العائد عليها 10% وتاريخ استحقاقها بعد عام فإن المستثمر سيحصل على 1100 ألف دولار، ولكن تلك المكاسب يجب أن يتم تضمينها في إطار سعر العائد الحقيقي والذي يستثني معدلات التضخم من سعر العائد على السند. فإذا ارتفعت معدلات التضخم خلال تلك السنة نحو 6% فإن ما سيحصل عليه المستثمر من عائد لن يبلغ سوى 4% مع تراجع القوة الشرائية للعملة بفعل ارتفاع معدلات التضخم.

درجة الأمان

 

ويقول تاجر السندات الحكومية لدى «فيديلتي» للاستثمار، جاك بي لـ «أرقام»: إن الإقبال القوى يعود بالأساس إلى انخفاض درجة المخاطرة المرتبطة بها وتضاؤل فرصة تعثر المُصدر ما يصنفها في مصاف الملاذات الآمنة التي يلجأ إليها المستثمرون في أوقات الأزمات.

 

ويشير مسح لـ «أرقام» إلى أن تكلفة التأمين السعودية على ديونها السيادية من بين الأقل في الأسواق الناشئة في علامة على ثقة المستثمرين والمؤسسات البحثية في قوة ومتانة الاقتصاد السعودي.

 

وتشير بيانات «فاكت سيت» إلى أن تكلفة التأمين على عقود المخاطرة لاحتمالية التعثر عن السداد لأجل خمس سنوات تبلغ 63.6 نقطة أساس وترتفع في بقية الأسواق الناشئة على غرار الأرجنتين إلى مستويات قياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى