اقتصاد دولي

لماذا يثير صعود فائدة القروض العقارية المخاوف في بريطانيا؟

ارتفعت أسعار الفائدة المخفضة لمدة محددة على قروض الرهن العقاري في بريطانيا إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2008، متجاوزة الارتفاع الكبير الموقت الذي أعقب كارثة الموازنة التكميلية لحكومة ليز تراس العام الماضي.

وبحسب أرقام أصدرتها شركة “موني فاكتس كومبير” وصل سعر الفائدة المخفضة الذي يفرضه المقرضون، من بنوك ومؤسسات عقارية، لمدة عامين إلى أكثر من 6.6 في المئة.

وتلك أعلى نسبة فائدة مثبتة لمدة عامين على قروض الرهن العقاري منذ الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاماً، وكانت أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري ارتفعت بشكل حاد عقب إعلان حكومة تراس قصيرة العمر موازنتها التكميلية في الخريف، حين وصلت نسبة الفائدة إلى 6.65 في المئة، لكنها عادت للتراجع مع إلغاء كل بنود الموازنة التكميلية وإعادة بعض الاستقرار للاقتصاد البريطاني.

ويهدد الارتفاع الجديد مئات الآلاف من المواطنين البريطانيين الذين انتهت مدة تثبيت فائدة قروضهم العقارية، وسيكون عليهم تجديد الفائدة المخفضة لفترة جديدة.

ولتوضيح الأزمة التي يواجهها هؤلاء يشار إلى أنه قبل نحو عام كانت تلك الفائدة المحسومة عند نحو اثنين في المئة، وأحياناً أقل والآن تضاعفت أكثر من ثلاث مرات.

استجواب برلماني

وجاءت أرقام “موني فاكتس كومبير” حول الارتفاع الهائل في سعر الفائدة المثبتة لمدة عامين على قروض الرهن العقاري قبل ساعات من مثول عدد من رؤساء البنوك ومؤسسات الإقراض العقاري أمام لجنة في مجلس العموم (البرلمان البريطاني) لمواجهة أسئلة حول رفع أسعار الفائدة على القروض العقارية، وتأثير ذلك في القطاع العقاري ككل.

ويستجوب النواب في لجنة الخزانة بالبرلمان كبار المسؤولين في “لويدز بانكنغ غروب” وفرع “سانتاندير” البريطاني و”مؤسسة سكيبتون العقارية” ومؤسسة “نيشن وايد” للتمويل العقاري و”باراغون بانكنغ غروب”، ويشمل الاستجواب مواضيع مثل مستويات التدقيق في القروض العقارية وتأثير ارتفاع الفائدة في أسعار العقارات في بريطانيا والقطاع العقاري ككل، ومدى توفر القروض العقارية للمواطنين وأيضاً قدرتهم على تحمل كلفتها من أقساط شهرية.

كما ستثير لجنة الخزانة أيضاً مع ممثلي البنوك ومؤسسات التمويل العقاري موضوع “ميثاق قروض الرهن العقاري” الذي طرحته الحكومة البريطانية، وأيضاً تأثير تحركات السوق العقارية في القروض العقارية للمستثمرين الذين يشترون البيوت لتأجيرها وأيضاً أسعار إيجارات المساكن.

يذكر أن بريطانيا من دول العالم القليلة التي يملك معظم سكانها العقارات التي يسكنونها ويمولون عمليات الشراء تقليدياً بقروض رهن عقاري من البنوك وشركات التمويل العقاري، ويدفعون أقساطاً شهرية لمدد طويلة تصل أحياناً إلى 30 عاماً، بالتالي يتأثر ملايين البريطانيين بأي تغير ولو طفيف في أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري تزيد من مدفوعاتهم للأقساط الشهرية.

وكان بنك “إتش أس بي سي” ذكر الشهر الماضي أن هناك 300 ألف من عملائه انتهت فترة الفائدة المثبتة لهم لمدة عامين وعليهم تجديدها، والآن سيواجهون دفع نسبة فائد أكثر من 6.5 في المئة.

سلوك السوق

منذ نحو عام والبنوك ومؤسسات التمويل العقاري ترفع سعر الفائدة على القروض العقارية للمشترين الجدد، ليس فقط بالتوازي مع رفع بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) أسعار الفائدة التي وصلت الآن إلى نسبة خمسة في المئة، وإنما يرفع المقرضون الفائدة العقارية بنسبة أعلى أيضاً تحسباً لاستمرار البنك المركزي في رفع أسعار الفائدة.

وتقدر البنوك وشركات التمويل العقاري الآن أنه مع استمرار معدلات التضخم المرتفعة في بريطانيا سيضطر بنك إنجلترا إلى رفع سعر الفائدة مجدداً، ربما الشهر المقبل إلى 5.5 في المئة، بل وقد يرفعها مرة أخرى بنصف نقطة مئوية لتصل إلى ستة في المئة، وفي هذه الحال سترفع البنوك والشركات العقارية نسبة الفائدة على قروض الرهن العقاري إلى أكثر من سبعة في المئة.

مما يزيد المشكلة تعقيداً أن الأرقام الصادرة اليوم الثلاثاء جاءت عقب صدور بيانات بريطانية صباح اليوم نفسه عن ارتفاع معدلات الأجور في البلاد بنسبة تزيد على سبعة في المئة، وذلك عكس ما يرغب فيه بنك إنجلترا في محاولته لضبط ارتفاع معدلات التضخم.

ومع أن ارتفاع نسبة الفائدة بهذا القدر على قروض الرهن العقاري من شأنه تقليدياً أن يضغط على الطلب في السوق ويؤدي إلى انخفاض أسعار العقارات بشدة، إلا أن التراجع في الأسعار ليس كبيراً بما يكفي، فحسب الأرقام الصادرة الجمعة نهاية الأسبوع الماضي من شركة “هاليفاكس” تراجعت أسعار البيوت في يونيو (حزيران) الماضي بمعدل شهري بنسبة 0.1 في المئة. ومع أن ذلك يعني نسبة هبوط سنوي في الأسعار عند 2.6 في المئة إلا أن الأسعار ما زالت متماسكة بل وتشهد ارتفاعاً في بعض شرائح البيوت وبعض المناطق في أنحاء بريطانيا.

يعني ذلك أن التشوه في القطاع العقاري البريطاني يتزايد بوتيرة مقلقة، سواء لبنك إنجلترا أو لوزارة الخزانة في الحكومة، وهذا ما يناقشه نواب البرلمان مع ممثلي البنوك والشركات العقارية.

صحيح أن السوق العقارية البريطاني ما زالت صامدة حتى الآن، لكن سلسلة ارتفاع الأجور والتضخم مع ارتفاع أسعار الفائدة تنذر باحتمالات أزمة قد لا تطاول القطاع العقاري فحسب بل تؤثر سلباً في آفاق النمو الاقتصادي ككل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى