اقتصاد دولي

ماذا تعني قوة الدولار للأميركيين؟

مع استمرار دورة السياسة النقدية المتشددة وفي ظل تلاشي توقعات خفض أسعار الفائدة، استعرض الدولار الأميركي القوي بعض عضلاته خلال تعاملات الأسبوع الماضي في إشارة إيجابية إلى القوة الشرائية للأميركيين.

ووفق البيانات المتاحة أغلق مؤشر الدولار الأميركي، الذي يقيس قوة العملة مقابل ستة من نظيراتها، عند مستوى 106.26 نقطة، وهو أعلى مستوى له منذ أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفي الوقت نفسه كانت القوة الملحوظة التي يتمتع بها الاقتصاد الأميركي سبباً كبيراً وراء ارتفاع الدولار خلال الأسبوع الماضي.

وأظهرت أحدث البيانات حول إنفاق التجزئة التي صدرت قبل أيام أن الأميركيين يواصلون فتح محافظهم، وتظهر أرقام أخرى صدرت في وقت سابق من هذا الشهر أن سوق العمل الأميركية لا تزال قوية، وأن قطاع التصنيع في البلاد آخذ في التوسع.

وقال مسؤولو “الاحتياط الفيدرالي” إن مرونة الاقتصاد تعني القدرة على إبقاء أسعار الفائدة ثابتة عند أعلى مستوى لها منذ 23 عاماً، بينما ينتظرون مزيداً من الأدلة على أن التضخم يتجه نحو هدفهم البالغ نحو اثنين في المئة.

ويخفض البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة إذا كان من الواضح أن الاقتصاد ينكمش، لأنه مسؤول أيضاً عن زيادة فرص العمل إلى الحد الأقصى إضافة إلى استقرار الأسعار.

مكاسب الدولار تتضاعف مع خسائر الأسواق

لكن هناك دلائل تشير إلى توقف إجراءات تهدئة التضخم المرتفع، إذ كان مارس (آذار) الماضي، هو الشهر الثالث على التوالي الذي تشهد فيه قراءات التضخم أعلى من المتوقع، وارتفع معدل التضخم بصورة عامة في الآونة الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار الغاز وكلفة الإسكان.

وقالت محافظ بنك الاحتياط الفيدرالي ميشيل بومان في خطاب ألقته الأربعاء الماضي إن “البنك المركزي قد يحتاج إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى أو تأجيل التخفيض الأول نظراً إلى وجود “كثير من نشاط السوق المالية وكثير من النمو المستمر الذي لم نكن نتوقعه… إذا كانت السياسة صارمة بما فيه الكفاية، لكن في الوقت ذاته فإن قوة الاقتصاد الأميركي ليست هي الشيء الوحيد الذي يرفع قيمة الدولار الأميركي”.

ويرى رئيس قسم الاقتصاد العالمي في بنك “أوف أميركا”، كلاوديو إيريغوين، أن الدولار يكتسب قوة لعديد من الأسباب، وذكر أن البنك المركزي الأميركي لم يكن هو الوحيد الذي قال إنه لن يخفض أسعار الفائدة قريباً، وهو ما دفع الأسواق إلى إعادة التسعير، بل إن أداء الاقتصاد الأميركي أفضل من بقية الكتل الإقليمية الرئيسة، بما في ذلك منطقة اليورو.

ولفت إلى أن غالب مفاجآت النمو لا تزال تأتي من الولايات المتحدة، ويرجع ذلك أيضاً إلى أنه في كل مرة تتعرض فيها لصدمة على الجانب الجيوسياسي، يكون هناك هذا الهرب إلى المكونات العالية الجودة، مما يساعد الدولار، وقال إنه إذا استمرت الحوادث في الشرق الأوسط فإن تلك الصدمات ستتسبب في ارتفاع أسعار الطاقة، وسيكون لهذه الصدمات تأثير أكبر نسبياً على أوروبا واليابان، ولكن ليس بالقدر نفسه على الولايات المتحدة، التي تعد أكثر استقلالاً في مجال الطاقة.

كيف يتعامل الأميركيون مع قوة الدولار؟

بالنسبة إلى الأميركيين فإن القوة الشرائية للدولار أعلى وسيظل الاستهلاك قوياً، ومن المحتمل أن يسافر الناس إلى الخارج أكثر، والواردات ستصبح أرخص، لذلك سيستوردون المزيد، لكن في الوقت نفسه من الطبيعي أن تتجدد المخاوف في شأن عودة التضخم إلى الارتفاع، بخاصة أنه لم يصل حتى الآن إلى مستهدفات “الاحتياط الفيدرالي” عند مستوى اثنين في المئة، ولكن من الواضح أنه إذا حدث ذلك فإن بقية العالم ستقوم بتمويل عجز الحساب الجاري للبلاد.

دولياً، فإن استمرار الدولار في الارتفاع ليس سيئاً بالضرورة بالنسبة إلى الاقتصادات الأخرى، لأنه إذا كان لديك عملة أضعف فمن المفترض أن يساعد ذلك صادراتك، وهذه هي الطريقة التي يستعيد بها الاقتصاد العالمي توازنه، ومع ذلك فإن قوة الدولار لا تمثل صدمة خارجية، بل هي رد فعل داخلي للسوق على حقيقة أن أداء الولايات المتحدة أفضل من البقية.

وأضاف إيريغوين “لا أعتقد أننا سنشهد ضعفاً في قيمة الدولار الأميركي حتى يكون هناك مزيد من التقارب في النمو أو في السياسة النقدية… هناك مسار ضيق للغاية يمكن أن يضعف فيه الدولار، ويحدث هذا عادة عندما يكون أداء الصين، مقارنة بالاتجاه، أفضل من أداء الولايات المتحدة”.

وتابع قائلاً “على رغم الأرقام الأفضل من المتوقع في الربع الأول في الصين، فإننا ما زلنا لا نرى ذلك، ومرة أخرى، لا بد أن تختفي الأخطار الجيوسياسية من الخريطة، ولكن كل شيء يشير إلى أنه من الآن حتى الانتخابات الأميركية ستظل الأخطار الجيوسياسية قائمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى