اقتصاد دولي

كيف تضررت “برايس ووترهاوس كوبرز” من الانهيار العقاري الكبير في الصين؟

في قرية غريبة غير مكتملة تضم منازل خيالية باللونين الوردي والأزرق في شرق الصين، يمكن العثور على لوحات إعلانية تعلن عن خطط “إيفرغراند” الطموحة لبناء إمبراطورية سياحية أكبر من ديزني. وتعد مدينة الملاهي المهجورة من بين 800 مشروع تطوير وعشرات المنازل الشاغرة في جميع أنحاء الصين التي تخلت عنها المجموعة العقارية الأكثر مديونية في العالم بعد الانهيار قبل عامين.

ومع استحواذ المصفين على شركة العقارات العملاقة المثقلة بالديون، والتي تدين بأكثر من 300 مليار دولار للبنوك وحاملي السندات، يتساءل النقاد الآن عمن يجب أن يتحمل المسؤولية عن سقوط “إيفرغراند”.

ووفقاً للادعاءات الواردة في رسالة مجهولة المصدر جرى مشاركتها على منصة التواصل الاجتماعي الصينية “وي تشات” الأسبوع الماضي، فإن الأسئلة تحيط بدور المدقق السابق للشركة، “برايس ووتر هاوس كوبرز “.

ووفقاً لصحيفة “تليغراف” زعمت الرسالة المفتوحة، التي يزعم أنها موقعة من قبل شركاء “برايس ووتر هاوس كوبرز” ولم تذكر أسماءهم، أن شركة الخدمات المهنية “غضت الطرف” أثناء مراجعة حسابات “إيفرغراند” لأكثر من عقد من الزمن.

واتهمت الرسالة رئيس مجلس إدارة شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والصين، ريموند تشاو، بالمسؤولية النهائية عن جلب الشركة إلى “حفرة ساخنة”.

أثار ذلك تساؤلات حول الخدمات الأخرى التي قدمتها “برايس ووترهاوس كوبرز” إلى “إيفرغراند” ومكتب عائلة مؤسسها الذي تعرض للفضيحة، هوي كا يان. وأعلنت المجموعة في ملف تنظيمي أن رجل الأعمال خضع العام الماضي “لإجراءات إلزامية” للاشتباه في ارتكابه جرائم.

وحثت الرسالة المفتوحة، شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” على توظيف محللين مستقلين لمراجعة حوكمة الشركة وثقافتها ومساءلتها مع ضمان أيضاً تحميل “التفاح الفاسد” الذي يقف وراء إخفاقات التدقيق في “إيفرغراند” المسؤولية.

وكتب المؤلفون المجهولون “إذا لم تتمكن من إجراء تحقيق مستقل، فهي مدينة للسوق بتفسير… هذه أيضاً هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها شركة برايس ووترهاوس كوبرز استعادة ثقة السوق”.

“برايس ووترهاوس” ترفض الاتهامات

من جانبها رفضت شركة “برايس ووترهاوس كوبرز”، “البيانات غير الدقيقة والادعاءات الكاذبة” الواردة في الرسالة، والتي قالت إنها قد تشوه سمعتها وتنتهك حقوقها القانونية.

ووفقاً للصحيفة، ستراقب مدى دقة تعامل الشركة مع هذا التحقيق من كثب، نظراً إلى أن المؤلفين المجهولين هددوا بنشر خطاب ثان وأوراق عمل التدقيق في حالة قيام الشركة بالانتقام من أي شريك.

ويقول أحد الموظفين السابقين في “برايس ووترهاوس كوبرز” في هونغ كونغ، “إن هذه مشكلة كبيرة بالنسبة إلى سمعة الشركة، وأعتقد أن هذا يفرض ضغوطاً كبيرة على رئيسها للتنحي”.

واستقالت الشركة الاستشارية، التي راجعت حسابات “إيفرغراند” عندما أدرجت في هونغ كونغ في عام 2009، من عملها العام الماضي بعد خلافات حول حسابات المطور العقاري.

ووفقاً للصحيفة، تخضع “برايس ووترهاوس كوبرز” للتحقيق من قبل مجلس المحاسبة والتقارير المالية، هيئة مراقبة التدقيق في هونغ كونغ، منذ عام 2021.

وتساءلت الهيئة الرقابية عن سبب حصول “إيفرغراند”، التي تمتلك أيضاً حصصاً في شركة “فاراداي فيوتشر الأميركية” الناشئة للسيارات الكهربائية وعلامة تجارية لزجاجات المياه يروج لها النجم السينمائي جاكي شان، على شهادة مالية صحية نظيفة على رغم أن مستويات ديونها المرتفعة واحتياطاتها النقدية غير كافية، ولا يزال التحقيق في هذا الجانب مستمراً. وفي الجمعة الماضي، أعلن عن خطط للتحقيق في “ادعاءات المبلغين عن المخالفات” الواردة في الرسالة المجهولة.

وتواجه شركة الخدمات المهنية مزيداً من التدقيق، إذ تحقق السلطات الصينية في دور الشركة في الممارسات المحاسبية لشركة “إيفرغراند” بعد أسابيع من اتهام المطور بالاحتيال بتضخيم إيراداته بمقدار 560 مليار يوان (76.4مليار دولار) في السنوات التي سبقت التخلف عن السداد في عام 2021.

رفع دعوى قضائية

وأفادت تقارير أن مصفي “إيفرغراند” يستعدون لرفع دعوى قضائية محتملة ضد الإهمال المهني لشركة “برايس ووترهاوس كوبرز” لاسترداد التعويضات نيابة عن الدائنين، بحسب ما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز”.

ويثير انهيار “إيفرغراند”، الذي ينظر إليه باعتباره رمزاً لأزمة العقارات في الصين، تساؤلات حول الدور الذي لعبه مدققو الحسابات في تمكين فقاعة العقارات التي غذتها الديون في الصين.

وجرى التخلي عن نحو 800 مشروع تنموي وعشرات المنازل التي بنيت في جميع أنحاء الصين منذ انهيار “إيفرغراند” قبل عامين.

ودخلت شركات التدقيق والاستشارات المرتبطة بالأجانب إلى الصين خلال العقد الماضي للاستفادة من الفرص التي أتاحها سوق العقارات المزدهرة في البلاد، ومع ذلك، فإن مزيجاً من الإفراط في البناء، وقيود كوفيد، والضوابط الحكومية الأكثر صرامة على الديون التي يمكن لعمالقة العقارات في الصين تحملها على موازناتهم العمومية، أدى إلى موجة من حالات الإفلاس التي قلبت ثاني أكبر اقتصاد في العالم رأساً على عقب.

وتواجه الآن الشركات الأربع الكبرى، بما في ذلك “برايس ووترهاوس كوبرز”، اتهامات بالفشل في اكتشاف العلامات المبكرة لإفلاس “إيفرغراند”.

ويقول الاقتصادي والباحث المشارك في مركز الصين بجامعة “أكسفورد”، جورج ماغنوس، “في الدورة الصعودية لارتفاع قيمة سوق العقارات منذ فترة طويلة، يصبح الجميع متفائلين للغاية، كل أنواع السلوك معذورة ومباحة على أساس أنه إذا كان ذلك يجعلك غنياً، فلا بد أن يكون جيداً”.

ليست “إيفرغراند” التي تسببت في أزمة نقدية عبر قطاع العقارات في الصين بعد التخلف عن سداد ديونها في عام 2021، الوحيدة التي فقدت محاسبها الغربي في السنوات الأخيرة، إذ استقال مدققو الحسابات الأربعة الكبار من شركات تطوير العقارات الصينية المثقلة بالديون وشركات إدارة العقارات بصورة جماعية بعد أن أدى عدم اليقين في شأن الديون الخفية إلى زيادة صعوبة التوقيع على حساباتهم، وأدى ذلك إلى زيادة التوتر بين المدققين والمطورين الدوليين بعد أن اضطروا إلى تأخير نشر نتائجهم السنوية، وهو ما عزاه كثر إلى ارتباطه بالاضطراب الناجم عن قيود كوفيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى