مقالات اقتصادية

ما وراء زيادة الإقبال الأوروبي على الغاز العُماني

كتب أسامة صالح

تشير أدلة عديدة إلى أن سلطنة عُمان سائرة على طريق يحقق ما توقعته مجلة “إنرجي انتلجنس” مؤخراً، حين قالت في تقرير لها إن السلطنة يُمكنها قيادة العصر الذهبي للتوسع في إنتاج الغاز بمنطقة الخليج العربي.

تودد متواصل من قبل دول العالم إلى سلطنة عُمان سعياً لنيل عقود طويلة الأجل تضمن الحصول على الغاز المسال العُماني، حتى زاد عدد الدول المستوردة للغاز من السلطنة إلى 15 دولة.

الغاز العماني أخذ يصل إلى عديد من الوجهات في آسيا؛ مثل كوريا الجنوبية واليابان وباكستان، وفي أوروبا مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، إضافة إلى وجهات بعيدة مثل بورتوريكو في أمريكا الشمالية.

يضاف إلى هذا أن هناك تحركاً من قبل دول أخرى لضمان الحصول على الغاز العُماني لفترة طويلة وبأسعار مناسبة، وهو ما يفسر المباحثات التي أجرتها دولة التشيك للاستثمار في مجال الغاز بالسلطنة، والمحادثات التي أطلقتها المجر نهاية العام الماضي للحصول على الغاز العُماني.

أحدث الوجهات للغاز العُماني ستكون تركيا، حيث أعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز، يوم 30 يناير 2023، توقيع اتفاقية مع سلطنة عُمان للحصول على 1.4 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لمدة 10 سنوات.

وأضاف “دونماز”، في تصريحات أدلى بها خلال فعالية في إسطنبول، أن وفداً من شركة الطاقة الحكومية التركية “بوتاش” يزور عُمان لإبرام الاتفاقية، بحسب وكالة “الأناضول” الرسمية.

كل ما سبق يؤكد صحة ما ذهب إليه تقرير مجلة “إنرجي إنتلجنس” حين توقعت أن تقود سلطنة عُمان العصر الذهبي للتوسع في إنتاج الغاز بمنطقة الخليج العربي.

التقرير ذكر أن سلطنة عمان متفائلة بشأن آفاقها للغاز، مع وجود إنتاج غاز جديد إلى حد كبير من مشروع خزان، الذي تبلغ طاقته 1.5 مليار قدم مكعب في اليوم من شركة “بريتيش بتروليوم”.

وأضاف أن هذا يسمح بوصول إمكانات إنتاج الغاز الطبيعي المسال، ليبلغ 11.4 مليون طن في السنة.

كل ذلك يأتي في وقت تلهث فيه أغلب دول العالم، لا سيما الصناعية الكبرى وأوروبا، للحصول على تدفقات مستمرة من الغاز، لا سيما بعد ما ترتب من نتائج على الغزو الروسي لأوكرانيا، وامتناع أوروبا عن استيراد الغاز الروسي بعدما كان يغذي نسبة كبيرة من حاجة القارة العجوز.

وكانت بيانات حديثة كشفت عن أن أسعار تصدير الغاز المسال العُماني سجّلت زيادة بنسبة 85% على أساس سنوي، خلال الأشهر الـ9 الأولى من 2022، إذ بلغت 15.1 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية.

ورجح تقرير منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك” أن تسجل صادرات عُمان من الغاز المسال رقماً قياسياً، مدعومة بارتفاع الطلب على الوقود وزيادة إنتاجه.

وتدرك مسقط جيداً أهمية الثروة التي تملكها، وتعي جيداً أنها أمام مرحلة جديدة مهمة، تستطيع من خلال استغلالها تنويع اقتصادها بشكل أكبر.
كذلك فإن الواردات الضخمة من بيع الغاز بالكميات الكبيرة ولمدد طويلة سيكون أساساً في نمو كبير وواسع يشمل جميع قطاعات الدولة.

وعليه أطلقت السلطنة، نهاية العام الماضي، شركة حكومية جديدة تحت اسم “شركة الغاز المتكاملة”، مهمتها إدارة المخصصات والأصول والحقوق والالتزامات المتعلقة بالغاز الطبيعي من قبيل عمليات بيع وشراء واستيراد وتصدير ونقل الغاز الطبيعي والمنتجات المتعلقة به، وذلك نيابة عن حكومة سلطنة عُمان.

ووفق ما ذكرت وزارة المالية العُمانية فإن الهدف من إنشاء وتأسيس الشركة هو “تحسين مؤشرات الأداء المالي في البلاد، من خلال استبعاد مصروفات شراء ونقل الغاز من الميزانية العامة للدولة، وتوريد صافي إيرادات مبيعات الغاز للخزانة العامة”.

كما تهدف الدولة من خلال إنشاء الشركة إلى رفع كفاءة إدارة قطاع الغاز، و”التأكد من كفاءة تطبيق بنود العقود الموقعة بهذا القطاع، سواء مع المنتجين أو المستهلكين”، وفق المعلومات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وستعمل الشركة على تنفيذ سياسات الحكومة وخططها المتعلقة بأسعار بيع الغاز والكميات المخصصة للقطاعات، إضافة إلى بيع الغاز للمشروعات القائمة عليه، وزيادة حجم النشاط الاقتصادي والقيمة المحلية المضافة لقطاع الغاز والأنشطة المرتبطة به.

ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين في الشأن الاقتصادي العُماني، أن مسقط أخذت تحوز ثقة دول العالم، وهو ما يقف وراء الإقبال على نيل دول عديدة عقوداً طويلة الأجل لشراء الغاز العُماني.

وإنّ إيرادات الغاز في ميزانية السلطنة، سجلت نحو 24% من جملة الإيرادات في 2022، حيث باعت مسقط ما جملته 9.1 مليارات دولار من إجمالي إيرادات بلغت نحو 37 مليار دولار.

و أن إعلان عقد جديد لتوريد 1.4 مليار متر مكعب غاز من الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال لشركة بوتاش التركية (ما يعادل 1 مليون طن غاز مسال سنوياً) “يأتي استكمالاً لسلسلة من التعاقدات التي استطاعت السلطنة إبرامها”.

وأن هذه التعاقدات تمثل ثلاث اتفاقيات مع ثلاث شركات يابانية، واتفاقية مع شركة شل، واتفاقية مع توتال إنرجيز الفرنسية، واتفاقية مع “بي تي تي” التايلاندية، والاتفاقية الأخيرة مع بوتاش التركية هي السابعة.

ويبلغ أن حجم الاتفاقيات السبع بذلك نحو 5.75 ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال.
وتؤكد هذه الاتفاقيات “تؤكد أن السلطنة تحظى بثقة عالمية مكنتها من إبرام اتفاقيات كبيرة في فترة وجيزة، ونجاح الشركة العُمانية للغاز المسال في ترويج الغاز العُماني”.

وضمنت السلطنة إيرادات من تصدير الغاز، حيث تنتهي عقود الاتفاقيات السابقة بنهاية عام 2024، ويتوقع أن يكون سعر التصدير لكل مليون وحدة حرارية ما بين 12 إلى 15 دولاراً”، و إن هذه العقود طويلة الأجل “تتميز بضمان واستقرار الإيرادات، وبذلك ستتمكن السلطنة من رفد ميزانيتها بمبلغ ثابت، وتجنب البيع في الأسواق الفورية المتقلبة سعرياً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى