اقتصاد دولي

موازنة تونس 2025… تقليص عدد الموظفين وتجميد الأجور

بدأت تونس في الإعداد مبكراً لموازنة عام 2025 في ظل ظرف اقتصادي ومالي حرج ودقيق يستوجب الحفاظ على التوازنات المالية للبلاد على رغم بعض البوادر الإيجابية في ما يخص نمو القطاع الفلاحي وتطور عائدات السياحة وتحويلات المغتربين.

وينطوي إعداد الحكومة التونسية بقيادة أحمد الحشاني لموازنة تونس للعام المقبل على جملة من التحديات المستوجب رفعها على رغم الإكراهات السياسية والاجتماعية التي ستواجهها، خصوصاً من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل الضاغط من أجل زيادة الأجور في القطاعين العام والخاص.

والمؤكد أن موازنة تونس للعام المقبل تحت ضغوط مالية منتظرة سيكون شعارها التقشف وضغط المصروفات التي تستوجب سن إجراءات قوية لتسريح الموظفين لتخفيف كتلة الأجور بل تجميدها، إذ إن الكتلة أحد الأسباب الرئيسة في اختلال التوازنات المالية للبلاد وفق تقارير دولية خاصة من صندوق النقد الدولي.

إصلاح القطاع الحكومي

في تلك الأثناء، أظهر منشور حكومي صادر منذ بضعة أيام، أن حكومة الحشاني تخطط في مشروع موازنة 2025 إلى مواصلة إصلاح المنظومة الضريبية ودعم الاستثمارات العامة ومواصلة الاستراتيجية الوطنية للحد من الانبعاثات الغازية والتأقلم مع تغير المناخ، إلى جانب مواصلة إصلاح قطاع الوظيفة العمومية وتكريس الدور الاجتماعي للدولة من خلال مزيد الإحاطة بالفئات الاجتماعية محدودة الدخل وتعزيز التمكين الاقتصادي للنساء ومواصلة مكافحة الإقصاء المالي عبر تطوير أدوات عدة.

وتخطط الحكومة من خلال المنشور الحكومي لإعداد موازنة العام المقبل، إلى استعادة نسق النمو التدرجي من خلال تحفيز قطاع الإنتاج والتحكم التدرجي في التوازنات المالية العمومية وذلك من خلال تعزيز استخلاص موارد الدولة من ناحية والتحكم في النفقات الجارية، خصوصاً كتلة الأجور وترشيد نفقات الدعم.

ودعمت الحكومة رؤيتها في هذا الغرض بناءً على توقعات البنك المركزي التونسي الذي رجح أن يتحسن نمو الناتج الداخلي الخام للبلاد في الثلاثي الأول (الربع الأول) من العام الحالي.

بينما يتوقع البنك الدولي نمواً في تونس بنسبة ثلاثة في المئة في 2024 و2025، وفق ما أظهره أحدث تقرير للبنك خصص للآفاق الاقتصادية العالمية، الصادر في يناير (كانون الثاني) 2024.

الضغط على الأجور

وأكدت الحكومة أن مشروع موازنة الدولة لعام 2025 قائم على مواصلة التحكم في الأجور وعدم تجاوز نفقات التسيير المقدرة بأربعة في المئة، عند ضبط التقديرات وتحقيق أهداف منظومة الدعم وبرمجة المشاريع التنموية الاستراتيجية وتحديد نفقات الاستثمار بناءً على التنفيذ الفعلي للمشاريع.

 وتندرج الخطوات المزمع تنفيذها العام المقبل في إطار المحافظة على التوازنات المالية وخفض عجز الموازنة والتقليص الديون بالتوسع في الاعتماد على الذات، مؤكدة أنه على رغم بوادر تحسن الظرف الاقتصادي العالمي الذي يتسم باستعادة نسق النمو في أهم الاقتصادات، فإن الضبابية وعدم اليقين قد تؤثران في الوضع الدولي والمحلي مما يستوجب اتخاذ حزمة إجراءات استباقية.

 وعلى هذا الأساس من المتوقع أن تسجل نفقات التأجير تطوراً بمعدل 4.6 في المئة خلال الفترة 2024/2026 مقابل تطور بنسبة 7.8 في المئة في 2023.

وستعمل الحكومة على التحكم في نسبة كتلة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي لتبلغ 13 في المئة في مطلع 2025 مقابل 13.5 في المئة منتظرة في العام الحالي، قبل النزول بها إلى 12.6 في المئة في مطلع 2026.

وتراجعت كلفة الأجور من 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 إلى 13.6 في المئة في 2023، بعد تنفيذ حزمة إجراءات، وتؤكد الحكومة التونسية مواصلة تنفيذ إجراءات عدة من بينها مواصلة تنفيذ الزيادات العامة طبقاً لاتفاق الـ15 من سبتمبر (أيلول) 2022 والأوامر المنبثقة عنه وعدم تقديم مقترحات زيادة المنح أو طرح منح جديدة.

 وسترشد الحكومة الانتدابات وتوجيهها بحسب الأولويات ومواصلة الخفض التدرجي في عدد خريجي مدارس التكوين، بخاصة بالنسبة إلى وزارة الدفاع الوطني ووزارة الداخلية والعدل والاكتفاء بنسبة 40 في المئة ممن تتوفر فيهم شروط الترقية للترقيات العادية، ما لم تنص الأنظمة الخاصة على نسب أخرى، إضافة إلى ترشيد نفقات منح الساعات الإضافية.

 كلفة باهظة لنفقات المحروقات

إلى ذلك أوصى المنشور الحكومي على مستوى نفقات التسيير (النقل) بإحكام التصرف في وسائل النقل والمعدات التي زال الانتفاع بها، علاوة على ترشيد استخدام الطاقة والتحكم في نفقات الاستقبالات والإقامات والمهام بالخارج، إضافة إلى ترشيد استهلاك الماء.

وبلغت نفقات الدعم، وفق رئاسة الحكومة 7.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، يستحوذ دعم المحروقات والمواد الأساسية على النصيب الأكبر منها، وتخطط الحكومة لتطوير معدات المراقبة ضمن هذا الباب من مشروع موازنة الدولة لعام 2025.

تطور حجم الموازنة

من المنتظر أن تبلغ موازنة تونس في عام 2025 نحو 79.8 مليار دينار (25.7 مليار دولار) مقابل 77.8 مليار دينار (25 مليار دولار) في العام الحالي، إذ ستتوزع على المداخيل (الإيرادات) للعام المقبل بـ51.7 مليار دينار (16.6 مليار دولار) منها مداخيل ضريبية بقيمة 47.3 مليار دينار (15.2 مليار دولار) وموارد الخزانة بـ28.1 مليار دينار (9 مليارات دولار).

وأظهرت توازنات الموازنة أن الحكومة تخطط لتقليص الدعم من 11.3 مليار دينار (3.6 مليار دولار) إلى 10.5 مليار دينار (3.3 مليار دولار)، غير أنها ستقلص دعم المحروقات إلى 6 مليارات دينار (1.9 مليار دولار) في العام المقبل مقابل 7 مليارات دينار (2.2 مليار دولار) العام الحالي، بينما في المقابل سترفع قيمة دعم المواد الأساسية 3.5 مليار إلى 3.8 مليار دينار للفترة ما بين 2024 و2025 (من 1.1 مليار إلى 1.2 مليار دولار).

المشاريع العمومية المعطلة

 في غضون ذلك، أوصت الحكومة في باب نفقات الاستثمار بضرورة تفعيل اللجان القطاعية والجهوية المنبثقة عن اللجنة العليا للاستثمار والتنسيق مع اللجنة الفنية على مستوى رئاسة الحكومة لاستكمال المشاريع وإدراج الانعكاس المالي عند الضرورة بمشروع موازنة 2025، في حين يتعين على جميع الوزارات الانخراط ضمن منظومة “إنجاز” واستغلالها لإدراج البيانات المتعلقة بتقدم المشاريع.

 وطلبت رئاسة الحكومة الأولية للمشاريع والبرامج السنوية المتواصلة لاستكمالها وإعادة النظر في المشاريع التي تدون تحت بند “متواصلة”، على رغم أنها لم تنطلق فعلياً للتأكد من مدى الحاجة إلى إنجازها وترتيبها ضمن سلم الأولويات الدولي على المستوى المركزي والإقليمي والجهوي والمحلي.

موازنة كسابقاتها

وتعليقاً على مجمل الخطوط الكبرى لمشروع موازنة تونس للعام المقبل، قال المتخصص المالي بسام النيفر، إن “موازنة 2025 تعد استمراراً لبقية الموازنات السابقة ضمن المخطط التنموي الذي أعدته تونس للفترة ما بين 2023/2026 وهي امتداد أيضاً لإطار متوسط المدى لإعداد الموازنة للفترة ما بين 2023/2025”.

وأكد في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن المبادئ العامة التي سترتكز عليها موازنة العام المقبل، تنفيذ حزمة من الإجراءات أهمها ترشيد النفقات مما يعني الاعتماد على الذات وعدم اللجوء المفرط إلى التداين الخارجي، مشيراً إلى أن شعار موازنة تونس للعام المقبل هي التحكم في المصاريف وفي المقام الأول الضغط على الانتدابات ونفقات التأجير من خلال عدم إحداث منح جديدة، باستثناء التزام الحكومة تطبيق مقتضيات اتفاق مع اتحاد الشغل بتنفيذ زيادة الأجور الذي ينتهي العام المقبل.

يشار إلى أن المنظمة الشغيلة (رابطة العمال) تتحرك أخيراً للضغط على الحكومة للدخول في مفاوضات اجتماعية جديدة لزيادة الأجور، مستندة في ذلك إلى اهتراء القدرة الشرائية لعموم التونسيين وارتفاع نسب تضخم لا تتناسب مع زيادات الأجور.

واعتبر النيفر تقليص نفقات التسيير التي لن تتجاوز قيمتها أربعة في المئة من الموازنة سيضفي حتماً إلى وجوب التخطيط إلى تنفيذ خدمات عمومية وإدارية على الخط من أجل تحسين الخدمات المقدمة إلى المواطنين والمستثمرين.

مواصلة سياسة الدعم

من جانب آخر قال النيفر إن “مشروع إعداد الموازنة للعام المقبل يؤكد التوجه الاجتماعي للحكومة”، موضحاً “يتضح من مواصلة سياسة الدعم، خصوصاً دعم المواد الأساسية الغذائية مقابل التشديد في ترشيد نفقات الدعم وخصوصاً دعم المحروقات”.

وفي ما يخص وضعية الشركات الحكومية أوضح المتخصص المالي أنه منذ عام 2023 وضعت معايير خاصة بإسناد المنح لهذه الشركات التي لا تزال تعرف عديداً من الصوبات المالية والهيكلية، مشيراً إلى أن هذه الشركات أضحت تضبط حاجاتها مسبقاً والحصول على المنح المالية من الموازنة كل ثلاثة أشهر، مضيفاً أن “موازنة العام المقبل حملت إجراءً جديداً يتمثل في حصر منحة الدولة في الفارق بين الموارد الحقيقية للدولة والحاجات المتأكدة من النفقات، مع دفع الشركات الحكومية إلى جمع موالها من المدينين إليها عوض التعويل على موازنة الدولة، في خطوة نحو إصلاح هذه الشركات وتحسين وضعها المالي”.

وخلص النيفر إلى أن إعداد موازنة تونس للعام المقبل لن يتغير في 2024 و2025، إذ تعتمد الحكومة نفس المنهج بتحسين المداخيل الضريبية وليس هناك جديدة في الاستثمار وتجميد الزيادات في الأجور من أجل التحكم في التضخم المرتفع في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى