اقتصاد دولي

هل تبيع الصين أصولا لسداد مديونية الحكومات المحلية؟

تواجه الحكومات الصينية المحلية أزمة تراكم الديون التي قد تدفعها إلى حافة الهاوية، إذ تقلصت إيرادات الشركات الحكومية، خصوصاً في ظل أزمة العقارات في 2022 التي قلصت نحو 50 في المئة من مبيعات الأراضي التي تعتمد عليها الحكومات المحلية في تحقيق الإيرادات.

مظاهر تأزم السيولة لدى الحكومات المحلية الصينية بدت جلية في عدم اكتمال بناء سادس أطول ناطحة سحاب في العالم، التي يطلق عليها الصينيون البرج رقم 117 والتي من المفترض أن تنافس ناطحات السحاب في دبي وهونغ كونغ أو نيويورك، إذ إن أقساماً كبيرة منها لا تزال غير مكتملة، علاوة على أن “الأبراج المهجورة تحيط بالمبنى، لتشكل مقبرة لمنطقة الأعمال المركزية، تلك المنطقة التي لو يستطيع المسؤولون المحليون إخفاءها بالكامل لفعلوا”، بحسب ما وصفت مجلة “الإيكونوميست”.

الديون تصل إلى 1.9 تريليون دولار

وقالت المجلة الاقتصادية في تقرير حديث لها إنه “منذ سنوات انتشر الإنفاق الباهظ في الصين، مما راكم الديون على المدن والمقاطعات الصينية لبناء البنية التحتية وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، في وقت وصلت هذه الديون إلى مستويات غير عادية”.

وأضافت أنه “غالباً يتركز الاقتراض عبر آليات تمويل الحكومة المحلية التي دشنها المسؤولون لتفادي القواعد التي تحد من قدرتها على الاقتراض، ليصل إجمالي ديون عبر السندات لهذه الشركات 13.6 تريليون يوان (1.9 تريليون دولار)، أو نحو 40 في المئة من سوق سندات الشركات الصينية بنهاية العام الماضي”.

فوضى أسواق السندات

وبدأ الاقتراض المكثف بهذا الحجم حتى في فترة النمو الصيني السريع، مما دفع الحكومات المحلية إلى حافة الهاوية. وجاء ذلك في ظل تطبيق سياسة عدم انتشار فيروس كورونا في البلاد التي قلصت من حجم الاستهلاك، وخفضت إنتاج المصانع وأجبرت المدن والمقاطعات الصينية على إنفاق مئات المليارات من اليوانات على مرافق الاختبار والحجر الصحي.

وقالت “الإيكونوميست” إنه “على رغم بدء تلاشى أزمة تراجع الإنتاج والاستهلاك بعد تخلي بكين عن استراتيجية (صفر كوفيد) مع تخفيف قواعد الملكية، لكن ربما تكون سلسلة كارثية من الأحداث قد بدأت، إذ إن ثلث السلطات المحلية تكافح لسداد مدفوعات الديون، ومن ثم الاحتجاجات وارتفاع حالات التخلف عن السداد أحدث فوضى في أسواق السندات الصينية”.

الديون المستترة

وأشارت “الإيكونوميست” إلى أن الحكومات المحلية الصينية دخلت في زوايا أكثر كلفة وأكثر ضبابية في السوق، إذ إن أكثر من نصف سندات شركة (Igfv) المعلقة الآن غير مصنفة، وهي الأعلى منذ عام 2013. فوفقاً لحديث الوسيط في شركة “تشاينا غالاكسي سيكيوريتيز سي أي أم بي غروب”، مايكل تشانغ، “لم يعد بإمكان شركة (Igfv) إصدار السندات في السوق المحلية الصينية أو إعادة تمويل السندات المستحقة السداد، فيما تجاوزت مدفوعات السندات الأموال التي تم الحصول عليها من الإصدارات الجديدة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022، وذلك للمرة الأولى منذ أربع سنوات”. مضيفاً أنه “من أجل تجنب حالات التخلف عن السداد، يتطلع كثيرون الآن إلى قنوات غير رسمية للاقتراض والتي توصف غالباً باسم (الديون المستترة)، إذ إنه من الصعب على المدققين والمراجعين تتبع المبلغ المستحق، بينما ستكون الفائدة على هذه الديون أعلى بكثير وشروط السداد أقصر من تلك الموجودة في سوق السندات الرسمية”.

في غضون ذلك أصدرت شركة إصدار السندات  “lgfvs” العام الماضي سندات مقومة بالدولار بقيمة بلغت 39.5 مليار دولار.

109 حكومات محلية تكافح

في تلك الأثناء قدر تقرير صادر عن “لوغان رايت” و”آلين فينغ” من شركة “روديوم” البحثية أن “هناك نحو 109 حكومات محلية في الصين من أصل 319 شملها الاستطلاع، تكافح لدفع الفائدة على الديون التي قد تصل نسبة الفائدة عليها نحو 10 في المئة”.

أما في تيانغين التي تبعد عن العاصمة بكين نحو 120 كيلومتراً ويقطنها نحو 14 مليون مواطن فيزيد سعر الفائدة إلى نحو 30 في المئة.

ووفق التقرير، وعلى رغم أن تيانغين مجاورة لبكين فإن وضعها المالي يشبه أماكن في المقاطعات الغربية والجنوبية الغربية النائية، إذ غادر المدينة ما لا يقل عن 1.7 مليون شخص منذ عام 2019، وهو مقياس للتدفقات الخارجية يشبه تلك القادمة من مقاطعات حزام الصدأ (تشهد تقلصاً في قوة القطاع الصناعي)، في حين يمكن أن يغطي الدخل الضئيل من مبيعات الأراضي نحو 20 في المئة فحسب من الالتزامات القصيرة الأجل للمدينة.

الحكومات المحلية تبيع الأصول

الشعور بالضغط على الميزانيات المحلية في جميع أنحاء الصين أصبح ظاهراً، إذ قالت شركة حافلات خاصة في مدينة شانغكيو بمقاطعة خنان يوم 23 فبراير الجاري، إنها ستعلق خدماتها بسبب نقص الدعم المالي الحكومي، تزامناً مع إعلان آخرين توجهاً مماثلاً في أماكن متفرقة أخرى من الصين.

الديون ونقص الدعم الحكومي قللا من مزايا الرعاية الصحية مما زاد من حجم الاحتجاجات في مدن عدة من بينها داليان ووهان، التي نظمت بحضور مكثف للشرطة.

في غضون ذلك بدأت بعض الحكومات المحلية بيع الأصول في محاولة لتجنب التخلف عن سداد الديون، وقد تعمل قرارات تخفيف قواعد البورصات المحلية التي أصدرتها الحكومة الصينية أخيراً على زيادة رأس المال من الجمهور من خلال القوائم، كما يمكن للحكومات أيضاً أن تبدأ في ربط الأصول في المعاملات الخاصة.

في تلك الأثناء تحول الحكومة المركزية الصينية الأموال إلى الحكومات المحلية على نطاق أوسع من أي وقت مضى، إذ وفرت أكثر من 30 تريليون يوان (4.3 تريليون دولار) في غضون عامين منذ 2020 إلى 2022، وفقاً لـ”فنغ ورايت”.

 كما اتفقت الحكومة المحلية في مدينة زونيي بمقاطعة قويتشو الجنوبية الغربية المثقلة بالديون أخيراً مع البنوك المحلية على خفض أسعار الفائدة وتأجيل مدفوعات رأس المال لمدة 10 سنوات وتمديد أجل استحقاق ديونها إلى 20 عاماً. وقد يكون هذا النهج الأكثر شيوعاً في المستقبل، في وقت يجادل المؤيدون بأنه يشير إلى رغبة حقيقية من جانب المسؤولين المحليين لسداد ديونهم، وهو إقرار بأن الأمر سيستغرق وقتاً أطول مما كان متوقعاً.

إلى ذلك تشير الديون المتزايدة باستمرار على مدى العقد الماضي إلى أن كثيراً من المشروعات لن تدر ربحاً، بحسب ما قاله جاك يوان من وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني.

ويتساءل محللو “روديوم”، “الحكومات الصينية المحلية التي لم تتمكن من سداد الديون عندما كان الناتج المحلي الإجمالي مرتفعاً لأكثر من سبعة في المئة، كيف ستدير ملف الديون في العقد المقبل مع توقعات أن يصل معدل نمو الناتج المحلي إلى ثلاثة في المئة فحسب؟”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى