اقتصاد دولي

هل تنجح «الروبوتات» في إنقاذ ألمانيا من شيخوخة سوق العمل؟

بدت هيمنة «الروبوتات» على عالم البشر في أفلام الخيال العلمي أكثر واقعية اليوم من أي وقت مضى، وبات النظر إلى الفكرة محل اهتمام واسع بألمانيا التي تعاني شيخوخة السكان.
أرقام مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني تشير بجلاء إلى أنه رغم أن عدد الأشخاص الذين لديهم وظائف أكثر من أي وقت مضى، بواقع 45.9 مليون شخص يعملون في أكبر اقتصاد بأوروبا خلال الربع الأخير من 2022، إلا أن أكثر من نصف الشركات الألمانية تكافح للعثور على عمال مهرة لملء الوظائف الشاغرة، وفقاً لتقارير غرف التجارة الألمانية الصادرة في يناير (كانون الثاني).
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 سلط المستشار الألماني أولاف شولتز الضوء على الرقمنة كأولوية عندما حل محل أنجيلا ميركل، وذلك بعقد ائتلاف من ثلاثة أطراف بعنوان «جرأة مزيد من التقدم» تعهد فيه بتنفيذ التقنيات الرقمية في جميع أنحاء عالم الأعمال.
ومع وجود أكبر عدد من السكان المسنين في أوروبا بألمانيا، فمن غير المفاجئ أن تنضم برلين إلى دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية كواحدة من البلدان التي تستخدم التكنولوجيا في مكان العمل، لكن السؤال الأبرز هو كيف يبدو تعزيز القوة العاملة من خلال «الروبوتات» والرقمنة؟
في كل مكان:- اليوم تتجلى الرقمنة بشكل مختلف في كل مؤسسة، سواء من خلال الروبوتات الحاملة للألواح، أو آلات الدفع الذاتي بمتاجر البقالة أو استخدام المنصات عبر الإنترنت للدردشة مع الزملاء، وفي معظم الحالات تتم إضافة التكنولوجيا لجعل سير العمل أكثر كفاءة وفاعلية من حيث الكلفة.
يقول الرئيس التنفيذي لاتحاد جمعيات أرباب العمل الألمانية ستيفن كامبيتر لشبكة «سي أن بي سي» إنه «علينا تعزيز الإنتاجية من خلال التكنولوجيا، هناك علاقة بين استخدام التقنيات الحديثة وتحقيق النمو الاقتصادي والمشاركة في سوق العمل بمعظم المجتمعات».
«الروبوت» سرق وظيفتي:- يعتقد نحو 37 في المئة من الألمان أن التغييرات التكنولوجية ستزيد من إنتاجية عملهم عام 2018، وفقاً لبحث «غالوب»، في حين يرى واحد في المئة فقط أنه سيقلل من الإنتاجية، بينما أفاد 62 في المئة بأنه لن يكون للتكنولوجيا المفتوحة تأثير.
تشير الأبحاث التي أجرتها «غالوب» إلى أن الألمان لا يخشون أن تسرق الروبوتات وظائفهم، إذ يعتقد 10 في المئة فقط ممن شملهم الاستطلاع أن تطبيق مزيد من التكنولوجيا سيزيد من خطر فقدانهم وظائفهم، بينما يرى ستة في المئة أن الأمر سيقلل من فرصة حدوث ذلك، فيما قال المشاركون الباقون إن نشر مزيد من التكنولوجيا لن يحدث فرقاً.
وفقاً لما قاله نائب مدير المعهد الألماني لأبحاث التوظيف أولريش والوي لن تكون هناك خسائر كبيرة في الوظائف نتيجة للرقمنة، «هناك تأثير الأتمتة بطبيعة الحال لكنه يمكن توفير العمالة، من ناحية أخرى تمنح الرقمنة المستهلكين والشركات أيضاً فرصاً لاستخدام مواردهم بطريقة مختلفة، وما نراه هو تكامل قوي بين التقنيات الرقمية والأنشطة الاقتصادية».
مخزون الروبوتات:- يمتلك أكبر اقتصاد في أوروبا اليوم أكبر مخزون من «الروبوتات» بالاتحاد الأوروبي، أي ما يقرب من نصف إجمالي المعروض في الكتلة الأوروبية، وفقاً لتقرير عام 2020 الصادر عن المفوضية الأوروبية، إذ يتم تثبيت معظمها في قطاع السيارات، كما استوعبت صناعات الأغذية والمشروبات والآلات الصناعية والإلكترونيات أيضاً عدداً كبيراً من «الروبوتات».
كان هناك أكثر من 20 روبوتاً لكل 1000 عامل تصنيع في ألمانيا عام 2015، وفقاً لتقديرات الاتحاد الدولي للروبوتات والمرصد الأوروبي للوظائف، ومن المحتمل أن يكون هذا العدد نما في السنوات الثماني الماضية.
مستقبل هجين:- تعد الرقمنة الكاملة غير مرغوب فيها بعديد من مجالات العمل حتى لو كان ذلك ممكناً، حيث قالت كبيرة مسؤولي المنتجات في شركة «جيرمان بيونيك» نورما ستيلر «لن يسلم أحد جدته إلى إنسان آلي»، في إشارة إلى استخدام «الروبوتات» لتقديم الرعاية لكبار السن. تحسن مناخ الأعمال وارتفاع الصادرات يدعمان الاقتصاد الألماني:- وترى «ستيلر» أنه سيكون هناك فائدة من الاستعانة بـ»الروبوتات» في أماكن العمل، بالنظر إلى النقص الحاد في الموظفين والأدوار التي تتطلب جهداً بدنياً، «نحن نسد الفجوة نوعاً ما ونضع روبوتاً جنباً إلى جنب مع الإنسان، والفكرة هي أن نحافظ على الإنسان هناك بكل المهارات والعواطف والتعاطف المطلوب في أماكن العمل».
تسمح الرقمنة أيضاً بالعمل المتكرر بشكل آلي، مما يمنح الموظفين الفرصة للقيام بمهمات أكثر تحدياً عقلياً، كما يقول الرئيس التنفيذي لمزود خدمات «روبوت فور وورك» كاجري بيهليفان، موضحاً «يمكن لروبوتاتنا أن تحرر العاملين البشريين للتركيز على أعمال أكثر تعقيداً وإبداعاً، مما يؤدي إلى وظائف أكثر إشباعاً وجاذبية».
مزيد من المهمات:- يضيف بيهليفان أن إسناد مزيد من المهمات الجسدية إلى «الروبوتات» يسهل أيضاً على الموظفين الأكبر سناً البقاء في مكان العمل لفترة أطول، ويقول «من خلال أتمتة هذه المهمات باستخدام الروبوتات، يمكن للعمال الأكبر سناً الاستمرار في المساهمة بمهاراتهم وخبراتهم القيمة في مكان العمل بطريقة آمنة ومريحة لهم»، موضحاً «في النهاية الهدف من دمج الروبوتات بمكان العمل هو زيادة القدرات البشرية، وليس استبدالها».
لا تزال هناك أعداد متزايدة من كبار السن تعمل في ألمانيا، إذ ارتفع معدل التوظيف من 55 إلى 64 سنة من 62 في المئة عام 2012 إلى 71 في المئة عام 2021، وفقاً لمكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني، ومن المقرر أن يرتفع هذا الرقم إذ تتطلع برلين إلى رفع سن التقاعد الحكومي من 65 إلى 67 خلال السنوات المقبلة.
تحديات الرقمنة:- يعود نائب مدير المعهد الألماني لأبحاث التوظيف أولريش والوي ليؤكد أن «ألمانيا تعاني فجوة في المهارات الرقمية بينما بعض الشركات متخلفة كثيراً» عندما يتعلق الأمر باستخدام التقنيات الرقمية. يرى والوي أن «الكفاءة الرقمية شيء يحتاج بالطبع إلى التدريب في وقت مبكر جداً، وهذا يعني أيضاً في المدارس والدراسة الصناعية والجامعة». وفقاً لبيانات «يوروستات» يمتلك 48.92 في المئة من سكان ألمانيا «مهارات رقمية أساسية أو أعلى من المهارات الرقمية العامة الأساسية»، وهي أقل من متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 53.92 في المئة. في حين أفاد ما يقرب من 19 في المئة من الأفراد أن لديهم «مهارات رقمية أعلى من المستوى الأساسي»، وهي أقل من متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 26.46 في المئة، ويرى 3.58 في المئة من الألمان أنفسهم لا يتمتعون بمهارات رقمية عامة، وهي نسبة أعلى قليلاً من متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 3.04 في المئة.
«الروبوت» غير آمن:- لدى الألمان تحفظات بشأن الاعتماد على «الروبوتات»، فعلى سبيل المثال قال 70 في المئة من 1000 مواطن عبر استطلاع أجرته مؤسسة «غالوب» إنهم لن يشعروا بالأمان عند قيادتهم سيارة من دون سائق بشري، كما أن الشركات التي تأمل في تطبيق تقنية جديدة لديها أيضاً عدد كبير من الأطواق التنظيمية لضمان سلامة المستخدم، وفقط بعد اجتياز هذه الاختبارات يمكن أن تبدأ الرقمنة في أن تصبح جزءاً سلساً من يوم العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى