اقتصاد دولي

هل يحل التأميم مشكلة شركات الخدمات الأساسية في بريطانيا؟

تقول الحكومة البريطانية، إن لديها “خطة طوارئ” للتعامل مع الوضع في حال فشل شركة “تيمز ووتر” التي توصل المياه والصرف الصحي إلى أكثر من ربع البيوت في بريطانيا في توفير رأس المال الذي تحتاج إليه بشكل عاجل.

كانت تقارير إعلامية تحدثت أن من بين الخيارات التي تدرسها الحكومة إعادة تأميم الشركة التي تمد نحو 15 مليون مشترك بخدماتها، وأثار الحديث عن إعادة التأميم جدلاً بين الأحزاب السياسية البريطانية، في مقدمتها حزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض وحزب الديمقراطيين الأحرار، والواضح أن قضية المياه للمنازل وتلوث الأنهار والبحيرات بمياه الصرف الصحي ستكون على رأس قضايا الانتخابات العامة العام المقبل.

على رغم التقارير المتتالية عن ضخ شركة “تيمز ووتر” مياه الصرف الصحي أو تسربها إلى الأنهار والبحيرات التي تعد مصدراً لمياه الشرب في السنوات الأخيرة فإن الأزمة لم تبدأ إلا قبل أيام، ذلك حين اضطرت الشركة لمحاولة الحصول على مليار جنيه استرليني (1.27 مليار دولار) للوفاء بالتزاماتها في خدمة ديونها. وترزح الشركة تحت عبء ديون تصل إلى 14 مليار جنيه استرليني (17.8 مليار دولار)، مع أن الشركة تحقق أرباحاً طائلة ورفعت كلفة فاتورة المياه للبيوت في أبريل (نيسان) الماضي بنسبة 11 في المئة، كما أن الرئيسة التنفيذية للشركة حصلت على علاوة، أخيراً، تصل إلى مليوني دولار، واضطرت إلى الاستقالة، الثلاثاء، تحت ضغط الانتقادات.

إعادة تأميم شركات الصالح العام

لم يطرح أحد بعد احتمال تأميم شركات المياه بشكل رسمي، إلا أن حزب الأحرار الديمقراطيين يعتزم التقدم بمشروع قانون للبرلمان يجعل شركات المياه والصرف الصحي “شركات منفعة عامة” كما هو معمول به في الولايات المتحدة، وتحديداً في 36 ولاية أميركية.

يقضي القانون في هذه الحالة أن تبقى ملكية شركة المنفعة العام لدى القطاع الخاص وتعمل على التحقيق الربح، إلا أن هيئة رسمية تنظم القطاع يمكن أن تجبرها على تحقيق هامش ربح بسيط وليس باهظاً وكذلك مراعاة القواعد البيئية في عملها وفي الوقت نفسه عدم تحميل المستهلكين أعباء إضافية.

تحدثت النائبة عن حزب الخضر في مقابلة مع برنامج “راديو 4” بإذاعة “بي بي سي” كارولين لوكاس عن ضرورة تحويل شركات المياه إلى ملكية عامة.

وقالت النائبة التي كانت رئيسة حزب الخضر من قبل، في البرنامج، إنه حين تم خصخصة شركات المياه “منحت احتكاراً للقطاع” واتهمت تلك الشركات بأنها “قامت بمراكمة تلال من الديون كي تدفع عائداً على الأسهم وأرباحاً لمالكيها الخواص”.

تملك صناديق استثمارية وصناديق معاشات تقاعد حصة الغالبية في شركة “تيمز ووتر”، وأعربت تلك الصناديق عن أنها ليست مستعدة لتقديم مزيد من التمويل للشركة المتعثرة.

يذكر أن حكومة حزب المحافظين اضطرت، في مواجهة موجة إفلاس شركات توصيل الكهرباء والغاز للمنازل العام قبل الماضي 2021، إلى طرح وضع كبرى شركات خدمات الطاقة تلك تحت إدارة حكومية خاصة، فيما اعتبر مجرد تسمية مختلفة لإعادة تأميمها عملياً.

بالطبع ينتقد قادة حزب المحافظين فكرة إعادة التأميم، بخاصة أن حكومة المحافظين برئاسة مارغريت تاتشر هي التي خصخصت شركات المياه ضمن برنامج الخصخصة عام 1989.

ووصفت النائبة لوكاس عملية الخصخصة تلك بأنها “تجربة فشلت تماماً، فأغلب الدول الأخرى تحرص على الملكية العامة لشركات المياه لأسباب وجيهة”.

وأضافت، “علينا تحديد أولويات الحاجات العامة وحماية البيئة وليس الأرباح للاستثمارات الخاصة”.

ضد التأميم

إلا أن من يعترضون على إعادة التأميم يبررون ذلك بحجة أن دافعي الضرائب سيتحملون عبء إعادة تأميم الشركات المتعثرة، على رغم أنه لو انهارت تلك الشركات الخاصة فإن الخزانة –أي دافعي الضرائب– ستتحمل ديونها الهائلة كي تحافظ على استمرار عملها ووصول المياه للبيوت.

أما اللورد مايكل هوارد، الذي قاد برنامج الخصخصة في حكومة مارغريت تاتشر نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، اعتبر تلك الدعوات لإعادة تأميم شركات الخدمات العامة غير صحيحة. وقال في مقابلة إذاعية، إن الاستثمار طويل الأمد في البنية التحتية يتطلب استثمارات هائلة “ويمكنك أن تدفعها بالاقتراض (الحكومي في حال الملكية العامة) إذ يتعين دفع فوائد للمقرضين أو أن تدفعها بالحصول على أموال الاستثمارات الخاصة وسيتعين دفع عائدات وأرباح لمن يوفرون تلك الأموال”.

اللورد هاوارد، وغيره من قيادات حزب المحافظين الحاكم، يرون أن الخصخصة لم تفشل وإنما فشلت هيئات الرقابة الحكومية التي سمحت لتلك الشركات الخاصة بمراكمة الديون الهائلة، ويصر هؤلاء على أنه كان يتعين على الشركات أن توفر القدر الأكبر من تمويلها عبر أسواق الأسهم.

أما اللورد أندرو تايري، من حزب المحافظين أيضاً، فاعتبر إعادة تأميم شركات المياه “خطأ” لأنها في رأيه “أفضل في يد القطاع الخاص فقط مع بعض التنظيم في السوق”.

وأضاف أن عملية إعادة التأميم ستكون مشكلة إذ سيتم تحميل المستهلكين كلفتها في صورة فواتير مياه وصرف صحي مرتفعة.

يذكر أن صحيفة “التايمز” نشرت هذا الأسبوع أن شركات المياه تدرس زيادة كلفة فواتير المياه للبيوت بنسبة 40 في المئة قريباً.

لا موقف لحزب العمال

يظل الحزب الرئيس الذي لم يحسم موقفه من تلك الأزمة هو حزب العمال المعارض، الذي يأمل هزيمة المحافظين العام المقبل في الانتخابات وتشكيل الحكومة، إلا أن زعيم الحزب السير كير ستارمر ليس بالشخصية صاحبة المواقف الحاسمة، إذ تتزايد الضغوط على ستارمر كي يعلن عن خطة الحزب لحل أزمة شركات الخدمات، مثل المياه والكهرباء والغاز، وهناك جناح قوي في الحزب يريد إعادة تأميم تلك الشركات.

كان حزب العمال بقيادة ستارمر، في سياق محاولة أن يكون “محافظاً” ليكسب الناخبين المحافظين، تخلى عن كل سياساته التي أعلنت خلال رئاسة جيريمي كوربين للحزب.

وفي العام الماضي، ألغت وزيرة الخزانة في حكومة الظل العمالية راتشيل ريفز سياسة تأميم شركات المياه التي كانت ضمن برنامج الحزب.

لكن الأصوات تعلو الآن من داخل الحزب مطالبة زعيمه بإعادة سياسة التأميم إلى برنامجه.

وطالب وزير الخزانة السابق في حكومة الظل العمالية جون ماكدونيل “قيادة الحزب” بإعادة التفكير في مسألة تأميم شركات المياه.

وأضاف كما نشرت صحيفة “الغارديان”، قائلاً “لقد كانت خصخصة شركات المياه الأكثر نهباً في عملية الخصخصة، فقد راكموا الثروات على حسابنا كمستهلكين مع تدهور الخدمة بشدة بينما ارتفعت الأسعار للسماء وراكمت الشركات ديوناً هائلة لتدفع أرباحاً لمساهميها كما لوثت أنهارنا وبحارنا… إن الملكية العامة هي الخيار الجاد في هذه الحالة”.

لكن الواضح أن السير كير ستارمر ربما لن يستجيب لتلك الضغوط ويعلن أن حكومة عمالية محتملة العام المقبل ستقوم بإعادة تأميم شركات الخدمات، والأرجح أن يعلن عن موقف وسطي، أو حتى أقرب إلى المحافظين، قد يكون اقتراح حزب الخضر وحتى حزب الديمقراطيين الأحرار أكثر جذرية منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى