مختارات اقتصادية

هل يمكن ضمان تطوير المواهب في ظل عدم تكافؤ الفرص؟

يحتاج العالم إلى الأفكار الإبداعية والحلول المبتكرة لمعالجة العديد من المشاكل التي تواجهه. وحدهم الأشخاص المبدعون والموهوبون هم القادرون على إيجاد هذه الحلول وهم موجودون في كل مكان، إلا أنّ فرص التطور تقتصر على عدد قليل فقط من الأطفال ميسوري الحال.
ونتيجة لذلك، فإننا جميعا – أي سكان العالم بأسره – نفتقد الإبداع والابتكارات التي من شأنها أن تثري عالمنا وتساعدنا على المضي قدما.

 

إن قائمة الابتكارات التي نحتاجها طويلة: طاقة نظيفة ورخيصة، ومحاصيل أفضل، واكتشاف العلاجات للمساعدة في مكافحة الأمراض المستعصية.
ولكن رغم أن الطلب على الابتكار كبير، فإن العرض محدود. لذا يجب التأكّد من أن جميع الأشخاص الأكفاء لديهم فرصة لتطوير أفكار جديدة. ولكن الأمر ليس كذلك.
المبدعون الأمريكيون المفقودون

 

 

– “من سيصبح مخترعًا في أمريكا؟” هو عنوان دراسة نشرت في عام 2019، وهي تستند إلى مجموعة بيانات شاملة بشكل مثير للإعجاب. حيث درس الباحثون حياة 1.2 مليون مخترع في الولايات المتحدة منذ الولادة وحتى سن الرشد.
– أراد المؤلفون الإجابة على السؤال: ما العامل المهم في تنشئة الطفل ليصبح مخترعًا؟
– ودرسوا جانبين: أولهما هو المهارات الشخصية في سن مبكرة، والجانب الآخر هو الظروف التي يكبر فيها الطفل.

 

– لدراسة المهارات، قاموا بمطابقة مجموعة فرعية من بياناتهم عن المخترعين مع سجلات لدرجات الرياضيات الخاصة بهم عندما كانوا في الصف الثالث.
– وقد تبين أن جانب المهارات مهم للغاية، حيث كان التلاميذ الماهرون في الرياضيات في سن مبكرة أكثر عرضة لأن يصبحوا مخترعين في وقت لاحق من الحياة.
– لدراسة الدور الذي تلعبه الظروف، قام فريق البحث بمطابقة مجموعة بيانات المخترع مع بيانات السجل الضريبي التي سمحت لهم بدراسة الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي نشأوا فيه.
– وقد تبين أن الظروف الاقتصادية مهمة إلى حد كبير؛ وأن أولئك الذين نشأوا في أسر أكثر ثراء كانوا أكثر عرضة بكثير ليصبحوا مخترعين في وقت لاحق في الحياة.
– وقد صاغ المؤلفون مصطلح “آينشتاين المفقود” لهؤلاء الأطفال الذين يتمتعون بالمهارة، لكنهم حرموا من الظروف التي من شأنها أن تساعدهم على تحقيق إمكاناتهم.
– ودرس الباحثون أيضا السبب في أن عدد الفتيات اللواتي نشأن ليصبحن مخترعات أقل بكثير من عدد الفتيان.
– حيث لا تزال الفجوة بين الجنسين كبيرة. 18 ٪ فقط من المخترعين الأمريكيين المولودين في عام 1980 هم من النساء. ويُشار إلى الفتيات الموهوبات بلقب “ماري كوري المفقودة”.
– بشكل عام، يُقدر الباحثون أنه إذا استفاد الأطفال ذوو المهارات العالية من المجموعات المحرومة بنفس الظروف التي تتمتع بها المجموعات الأفضل حالًا، فسيكون هناك أربعة أضعاف عدد المخترعين في الولايات المتحدة مقارنة باليوم.
كوري وآينشتاين المفقودان عبر التاريخ
– من المؤكد أن العالم شهد العديد من الأشخاص الموهوبين بشكل استثنائي في تاريخنا الطويل، لكنهم نشأوا لآلاف السنين في فقر وجوع وسوء صحة وقلة فرص الحصول على التعليم.
– عدد قليل جدًا من الأطفال الأذكياء في تاريخنا الطويل عاشوا في ظروف مكنتهم من تحقيق إمكاناتهم. لم يكن كلّ من ماري كوري وآينشتاين المفقودين حالات نادرة؛ كان هناك العديد من الآلاف منهم على مدار تاريخ البشرية.
– لم يكن التطور الشخصي سهلاً في الأوقات التي كان يُطلب فيها من معظم الناس العمل في الزراعة لإنتاج ما يكفي من الغذاء، وكان الكثيرون مرضى ويعانون من نقص التغذية، وحتى المهارات التعليمية الأساسية للغاية – مثل القراءة والكتابة – كانت امتيازًا للأثرياء فقط.
– ولكن قبل قرنين من الزمان، أصبح تدفق المبتكرين تيارًا عندما بدأت الظروف المعيشية، لأول مرة في التاريخ، في التحسن بالنسبة لأجزاء كبيرة من السكان في مناطق العالم بأسره.
– غيرت الثورة الصناعية لأول مرة شمال غرب أوروبا حيث تحسنت الصحة، وزاد الدخل. ثم جاءت أمريكا الشمالية بعد ذلك بوقت قصير.
– كان هذا التحسن في الظروف المعيشية للجماهير هو المفتاح لتمكين المزيد من النمو الاقتصادي والتحسينات في الظروف المعيشية.
– أدت الثورة العلمية إلى دفع الثورة الصناعية والتصنيع بدورها إلى رفع الظروف المعيشية وتمكين المزيد من الناس من المساهمة في العلوم والابتكار.
– جاءت الغالبية العظمى من الفائزين بجائزة نوبل في النصف الأول من القرن العشرين من أغنى المناطق في العالم – أوروبا وأمريكا الشمالية.
– وكما أنه من الصعب جداً على طفل من خلفية محرومة في الولايات المتحدة أن يصبح مخترعاً، فإن الأمر نفسه ينطبق على مليارات الأطفال الذين نشأوا في ظروف معيشية سيئة على مر التاريخ.
ستيف جوبز في وسط أفريقيا: أينشتاين المفقود على نطاق عالمي

 

 

– ربما من الصعب أن نتخيل كيف كان يمكن أن تبدو حياة طفل موهوب إذا ولد في منطقة فقيرة.

 

– ما هي فرص ستيف جوبز إذا ولد في جمهورية أفريقيا الوسطى؟ وماذا كان يمكن أن يكون ممكنا لتايلور سويفت إذا ترعرعت في بابوا غينيا الجديدة بدلا من بنسلفانيا؟

 

– كيف سيبدو عالمنا إذا أتيحت لجميع الأطفال الموهوبين فرصة جيدة ليصبحوا مبتكرين وفنانين بدلاً من أن يكبروا ليصبحوا جوعى وفي حالة صحية سيئة وتعليم ضعيف؟

 

– لا يقتصر الأمر على الظروف الاقتصادية فقط بل أيضًا التعليم. بالنسبة للطفل الذي ينمو في مكان فقير، من الصعب للغاية الحصول على مستوى التعليم الذي يحصل عليه الشخص العادي في أفضل الأماكن.

 

– وتظهر تقديرات من أحدث البيانات العالمية أن 60 مليون طفل في سن المدرسة الابتدائية لا يذهبون إلى المدرسة على الإطلاق، وأن أولئك الذين يذهبون إلى المدرسة في البلدان الفقيرة يتعلمون أقل بكثير.

 

– وتشير الأبحاث المذكورة إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بالدخل والوصول إلى التعليم. إذا كان تأثير القدوة الذي أكدته الدراسة الأمريكية موجودًا في كل مكان، فإن الظروف المعيشية السيئة تتفاقم بسبب حقيقة أن معظم الأطفال في معظم الأماكن يتعرضون لعدد قليل جدًا من القدوة في البحث والابتكار.

 

إعطاء كل من ماري وآينشتاين فرصة

 

– هناك 2 مليار طفل دون سن 15. إن تركيز جهودنا على تحسين الظروف التي ينمو فيها جيل الشباب يمثل تحديًا كبيرًا، ولكنه يمثل أيضًا فرصة رائعة.

 

– كل من هم في السلطة اليوم سوف يرحلون وسوف يأخذ زمام المبادرة الجيل الذي يكبر الآن. سيمر الجميع من خلال نظام التعليم الذي نقدمه لهم اليوم؛ وستعتمد قدرتهم على تحقيق إمكاناتهم على ظروف الصحة والمأوى والغذاء والحرية والتعليم التي يمكننا توفيرها لهم.

 

– إن تحسين الظروف المعيشية هو واجبنا الأخلاقي، ولكنه أيضا وسيلة لزيادة المعروض من الإبداع والابتكار الذي يحتاجه العالم.

 

– وهذا هو السبب في أنه من المهم جدا مواصلة التطورات الإيجابية التي حدثت في العقود الأخيرة مع نمو المزيد من الأطفال في مأمن من الفقر، وزيادة عدد الأطفال الذين يتلقون تعليما أفضل من أي وقت مضى.

 

المصدر: Our World in Data

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى