اقتصاد دولي

لماذا عدلت “فيتش” نظرتها لاقتصاد مصر من “مستقر” إلى “إيجابي”؟

أعلنت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني تعديل نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر السيادي من “مستقرة” إلى “إيجابية”، مدعومة بتراجع أخطار التمويل الخارجي على المدى القريب بسبب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة وصفقة “رأس الحكمة” مع الإمارات، والانتقال إلى سياسة سعر صرف مرنة، وتشديد السياسة النقدية، وأشارت إلى التمويل الإضافي من المؤسسات المالية الدولية لمصر، وعودة تدفقات غير المقيمين إلى سوق الدين المحلية.

وذكرت أن الاستثمار في “رأس الحكمة” يؤكد قوة الدعم المالي الذي تقدمه دول مجلس التعاون الخليجي لمصر، ولدى وكالة “فيتش” ثقة أكبر إلى حد ما في أن مرونة سعر الصرف ستكون أكثر استدامة مما كانت عليه في الماضي، وإضافة إلى ذلك فإن الخطوات الأولية لاحتواء الإنفاق خارج الموازنة من شأنها أن تساعد في الحد من أخطار القدرة على تحمل الدين العام في مصر.

في السياق ذاته، توقع بنك “جي بي مورغان” أن ترتفع احتياطات مصر من النقد الأجنبي بنحو 16.2 مليار دولار في العام المالي المقبل 2024-2025، و2.6 مليار دولار في العام المالي 2025-202، ورجح أن يتسع عجز الحساب الجاري للبلاد إلى 15.2 مليار دولار، أو أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، هذا العام، مع توقعات بوصول صافي تدفقات استثمارات المحافظ الأجنبية إلى 8.1 مليار دولار، وهو ما يمكن اعتباره محافظاً في ضوء صافي التدفقات الكبيرة إلى السوق المحلية.

تراجع عجز الموازنة إلى 3.95 في المئة

وقبل أيام أعلنت الحكومة المصرية تعديل توقعاتها لعجز الموازنة الكلي خلال العام المالي الحالي 2023-2024 إلى 3.95 في المئة من توقعات سابقة عند مستوى 7.7 في المئة، بعد تحصيل 12 مليار دولار لصالح الخزانة العامة من صفقة “رأس الحكمة”، ورفعت توقعاتها لتحقيق فائض أولي بواقع 5.75 في المئة خلال العام المالي 2023/2024 من توقعات سابقة عند 2.5 في المئة.

وشهدت مصر حالة من التحسن بعد أن وقعت في فبراير (شباط) الماضي اتفاقاً مع الإمارات تستحوذ بموجبه “القابضة” على حقوق تطوير مشروع “رأس الحكمة” مقابل 24 مليار دولار بهدف تنمية المنطقة، إلى جانب تحويل 11 مليار دولار من ودائع الإمارات لدى البنك المركزي المصري إلى استثمارات في مشاريع رئيسة، في حين استقبلت خزانة مصر بالفعل 10 مليارات دولار من الأموال الإماراتية.

كانت وكالة “فيتش” أكدت أن تصاعد الصراع بالشرق الأوسط يشكل تهديداً لعائدات قناة السويس والسياحة في مصر، وأشارت إلى أن ذلك يزيد الضغوط على عجز الحساب الجاري للاقتصاد المصري.

وخلال الربع الأول من العام الحالي فقدت مصر ما يقارب نصف إيرادات قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين على حركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

وكانت الوكالة أعلنت تصنيف الاقتصاد المصري عند مستوى – B مع نظرة مستقبلية مستقرة، وألمحت إلى أن اتفاق مشروع “رأس الحكمة” الذي أبرمته مصر مع الإمارات يعزز مرونة سعر صرف الجنيه، ويسهم في انخفاض ملحوظ بأخطار التمويل الخارجي على المدى القريب والتعرض لتأثيرات الأحداث الجيوسياسية.

تحركات مكثفة لتعديل التصنيف الائتماني

في تعليقه على قرار وكالة “فيتش”، أكد وزير المالية المصري محمد معيط أن الاقتصاد المصري بدأ بصورة تدرجية استعادة ثقة مؤسسات التصنيف الدولية، بمسار أكثر تحفيزاً للانطلاق لآفاق أكثر إيجابية واستقراراً، من خلال انتهاج السياسات الاقتصادية الإصلاحية والمتطورة والمتكاملة والمستدامة. وأوضح أن تخفيض الإنفاق الاستثماري العام للدولة ووضع سقف له بنحو تريليون جنيه (20.833 مليار دولار) خلال العام المالي المقبل، يساعد في جذب مزيد من الاستثمارات الخاصة. وأشار معيط إلى أنه عقب تغيير “فيتش” نظرتها لمستقبل الاقتصاد المصري من “مستقرة” إلى “إيجابية” وتثبيت التصنيف الائتماني عند مستوى – B، فإن الحكومة المصرية تتطلع إلى استمرار العمل بقوة لتحسين التصنيف الائتماني للبلاد للأفضل خلال المراجعات المقبلة قبل نهاية العام الحالي.

وقال وزير المالية المصري إن اقتصاد بلاده بات يملك قدرة أكبر على تلبية الحاجات التمويلية المستقبلية وسط التحديات العالمية والإقليمية الصعبة، المترتبة على الحرب في أوروبا، والحرب في غزة، والتوترات بمنطقة البحر الأحمر، وأكد أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والحزم الداعمة من مؤسسات التمويل وشركاء التنمية الدوليين وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأخيرة والمتوقعة خلال الفترة المقبلة، تعزز الاستقرار والتقدم الاقتصادي، إذ تسهم في تخفيف حدة الضغوط التمويلية على المديين القصير والمتوسط.

وشدد الوزير على استمرار الحكومة المصرية في مسار تحقيق الانضباط المالي، إذ تستهدف في الموازنة الجديدة للعام المالي المقبل تسجيل فائض أولى بنسبة 3.5 في المئة، وخفض معدل الدين إلى 88.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في ظل وجود سقف ملزم للدين العام، والنزول به إلى أقل من 80 في المئة من الناتج المحلي بحلول يونيو (حزيران) 2027.

و مرتفعة”. ولفت إلى توجيه نصف إيرادات برنامج “الطروحات” لبدء خفض مديونية الحكومة وأعباء خدمتها، بصورة مباشرة، والنزول بمعدلات زيادة مدفوعات الفوائد من خلال اتباع سياسة تنويع مصادر التمويل بين الأدوات والأسواق الداخلية والخارجية، إضافة إلى خفض الحاجات التمويلية التي تتكون من العجز، وإطالة عمر الدين بعد تحسن أسعار الفائدة.

شهادة ثقة جديدة بقوة الاقتصاد المصري

ورأى المتخصص الاقتصادي أشرف غراب أن قرار “فيتش” شهادة ثقة جديدة في قوة الاقتصاد المصري سينعكس أثرها بالإيجاب على زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر لمصر. وأوضح غراب أن تقرير الوكالة جاء بعد نجاح الحكومة في تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية والمالية من أجل تعزيز النظام المالي وتحسين بيئة الأعمال، إضافة إلى دخول مصر سيولة دولارية كبيرة من مشروع تطوير “رأس الحكمة”، والنجاح في إبرام اتفاق قرض صندوق النقد الدولي ودخول شرائح منه، مع تمويلات الاتحاد الأوروبي، كذلك زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج، علاوة على الجهود المبذولة لجذب مليارات الدولارات، موضحاً أن هذه الإجراءات والإصلاحات أسهمت في القضاء على السوق السوداء للعملة بعد توفير السيولة الدولارية واستقرار سعر الصرف وسد الفجوة التمويلية.

وأشار المتخصص الاقتصادي إلى أن تقرير مؤسسات التصنيف العالمية بتحسين تصنيف مصر إلى إيجابي يعد مؤشراً مهماً يستند إليه ويعتمد عليه المستثمرون عند اتخاذ قرار الاستثمار في أي دولة، مؤكداً أنه يزيد من ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري وقدرته على تحقيق معدلات نمو، ويسهم في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر خلال الفترة المقبلة، ويشجع المستثمرين المحليين والأجانب على زيادة استثماراتهم في كل القطاعات الاقتصادية.

ولفت إلى أن التقرير يمثل رسالة للعالم بأن مصر ليس لديها أي عقبات في سداد التزاماتها المالية، موضحاً أن من ميزات رفع التصنيف الائتماني أنه يجعل البلاد وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى أنه يعطيها فرصة وضع شروط أفضل في حالة الاقتراض من الأسواق المالية العالمية، إضافة إلى خفض كلفة التمويل، مؤكداً أن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة في الفترة الماضية غيرت نظرة المؤسسات الاقتصادية العالمية في الاقتصاد المصري بالإيجاب متوقعة مزيداً من التحسن الاقتصادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى