اقتصاد دولي

بريق الذهب يخفت في مصر مع فقدان السوق زخم الشراء

تخلى الذهب في مصر عن بعض بريقه، إثر تراجع الإقبال على شراء المعدن الأصفر على نحو ملحوظ، على وقع ما تشهده البلاد من استقرار في سعر صرف الجنيه أمام الدولار، واختفاء نشاط السوق السوداء للنقد الأجنبي، ووسط دلالات على تعافي الوضع الاقتصادي العام في ضوء تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وكذلك التمويلات الدولية المقدمة من مؤسسات في مقدمها صندوق النقد والبنك الدوليان والاتحاد الأوروبي.

صار زخم الشراء من أجل التحوط مفقوداً في مصر، مع تحرير البنك المركزي المصري سعر صرف الدولار أمام الجنيه في السادس من مارس (آذار) الماضي، وتوالي أنباء تدفق النقد الأجنبي على البلاد بعد توقيع البلاد صفقة مع الإمارات لتطوير مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي بقيمة 35 مليار دولار، إضافة إلى توقيع اتفاق تمويلي مماثل مع صندوق النقد الدولي بقيمة إجمالية ثمانية مليارات دولار، وإعلان الاتحاد الأوروبي تقديم ثمانية مليارات دولار، إلى جانب ستة مليارات أخرى من البنك الدولي.

أوعية ادخارية منافسة

وبينما تكشف بيانات مجلس الذهب العالمي الأحدث في أبريل (نيسان) الماضي عن هبوط مشتريات المصريين من الذهب بنحو 17 في المئة خلال أول ثلاثة أشهر من العام الحالي إلى 13.2 طن، فإن تجاراً ومتخصصين قالوا لـ”اندبندنت عربية” إن الطلب على الذهب من المتوقع أن يشهد تراجعاً الفترة المقبلة، إذ إن المعدن ارتفع في العامين الماضيين حين كان الغموض مسيطراً على آفاق الاقتصاد المصري، ووسط تعاظم نفوذ السوق السوداء للعملة وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، لكن مع زوال تلك العوامل نسبياً فإن الذهب سيفقد بريقه قليلاً كوسيلة لحفظ القيمة، بخاصة مع وجود أوعية ادخارية واستثمارية منافسة مثل الشهادات البنكية وأسهم البورصة.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر تراجع التضخم السنوي في مارس الماضي، ليسجل 33.1 في المئة مقابل 36 في المئة في فبراير (شباط) الماضي، ومن ذروة مسجلة عند 40.3 في المئة في فبراير 2023، في حين سجل معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية واحداً في المئة في مارس الماضي، مقابل 11 في المئة في فبراير السابق عليه.

توقعات بتراجع سعر الذهب

في البداية، رجح عضو شعبة الذهب محمود الشرقاوي، أن يشهد سعر المعدن النفيس مزيداً من التراجع في ضوء تراجع سعر دولار الصاغة عن مستويات الـ 75 جنيهاً (1.57 دولار) حين سجل هذا الرقم في يناير (كانون الثاني) الماضي، بفعل النشاط القوي للسوق السوداء آنذاك، موضحاً أن الإقبال المتواضع على الشراء صار لافتاً في الآونة الأخيرة، مقارنة بما كانت عليه مستويات الشراء في الأشهر الأخيرة. وتحدث الشرقاوي عن جانب العرض في سوق الذهب، إذ قال إن المعدن النفيس شهد فورة من التخلص بالبيع وجني الأرباح من جانب حائزيه، مع بدء تراجع السعر محلياً في مارس الماضي، وأمام العرض الكبير وتراجع الطلب هوى سعر الذهب في مصر إلى مستوياته الحالية، التي تتوافق مع سعر أوقية (أونصة) الذهب عالمياً وسعر الصرف الرسمي للدولار، متوقعاً أن مزيداً من الهدوء في سعره محلياً الفترة المقبلة، بخاصة في ضوء الدعم المقدم من جانب السعر العالمي المتراجع في الآونة الأخيرة للذهب.

خسائر المعدن الأصفر

وتراجعت أسعار الذهب في مصر بنسبة 1.1 في المئة وبقيمة 35 جنيهاً (0.73 دولار) خلال تعاملات أبريل الماضي، إذ افتتح سعر غرام الذهب عيار 21 التعاملات عند مستوى 3090 جنيهاً (64.52 دولار)، ولامس مستوى 3305 جنيهات (69.01 دولار)، واختتم التعاملات عند مستوى 3055 جنيهاً (63.79 دولار)، في حين تدنى السعر منذ بداية العام وحتى ختام الشهر الماضي، بنحو 120 جنيهاً (2.51 دولار)، بنسبة 3.8 في المئة، إذ افتتح سعر غرام الذهب عيار 21 تعاملات العام عند مستوى 3175 جنيهاً (66.29 دولار)، ولامس مستوى 4 آلاف جنيه (83.52 دولار)، واختتم التعاملات عند مستوى 3055 جنيهاً (63.79 دولار).

من جانبه ينظر المتخصص المصرفي ماجد فهمي إلى شهادات الادخار البنكية باعتبارها وعاء منافساً بقوة، خصوصاً مع تعدد صورها ودورية صرف العائد منها، وتنافس البنوك المصرية في تقديم منتجاتها المصرفية لتحوز رضا وقبول العملاء، موضحاً أن الدور الذي لعبه المعدن الأصفر كان فعالاً في مواجهة التضخم، لكن مع استقرار الأوضاع وهدوء وتيرتها، وبدء تعافي الاقتصاد سيصبح وعاءً ادخارياً في منافسة أوعية أخرى وبعوائد جيدة ومضمونة.

وعلى خلفية قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في مارس الماضي رفع الفائدة 600 نقطة أساس، ليصل سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي إلى 27.25 في المئة، و28.25 في المئة و27.75 في المئة، على الترتيب، طرحت بنوك حكومية وبخاصة في مصر، الشهر قبل الماضي شهادات ادخار بعائد يصل إلى 30 في المئة.

شراء الذهب للزينة

ويعزو المتخصص في تداول الذهب سعيد إمبابي حالة التراجع التي تشهدها سوق الذهب في مصر إلى ارتفاع أسعار الذهب بمستويات قياسية الأمر الذي تزامن مع ضبط الأجهزة الأمنية في البلاد بعض تجار الذهب الخام، مما أدى إلى تعزيز مخاوف المصريين من التلاعب في الأسعار، والعزوف عن الشراء تفادياً لخسارة أموالهم، مع التراجعات المحتملة في الأسعار، وهو ما أفقد السوق جزءاً كبيراً من العملاء المحتملين، مع تحول الطلب لأغراض الزينة.

ويلفت إمبابي إلى أن طرح البنوك المصرية شهادات ادخار بعوائد مرتفعة أدى إلى استحواذ تلك البنوك على حصة كبيرة من أموال المصريين، علاوة على تمديد مبادرة “زيرو جمارك” على واردات الذهب، مشيراً إلى أن الطلب على السبائك وجنيهات الذهب في الأشهر الأخيرة كان تعبيراً عن خوف المصريين من تدهور قيمة العملة المحلية، وتفاقم الوضع الاقتصادي للبلاد، وهي المخاوف التي تراجعت في الوقت الحالي، بفعل تدفقات الاستثمار المباشر ووفرة النقد الأجنبي.

سعر غرام الذهب عيار 21

وسجل سعر الذهب اليوم في مصر، 3526 جنيهاً (73.62 دولار) للغرام من عيار 24 الأعلى نقاءً، و3085 جنيهاً (64.41 دولار) لعيار الذهب 21 الأكثر مبيعاً، و2644 جنيهاً (55.20 دولار) لغرام الذهب عيار 18، و2057 جنيهاً (55.20 دولار) لعيار 14 الأقل نقاءً في السوق، في حين سجل الجنيه الذهب (ثمانية غرامات من عيار 21) سعر 24680 جنيهاً (515.30 دولار)، وذلك من دون مصنعية أو رسوم مضافة.

على الأرجح، سيظل الذهب في مصر على استقراره ما دام سعر الصرف متماسكاً، فيما سيصبح السعر العالمي المؤثر الأكبر في حركة المعدن محلياً، وستخلو سوقه من المضاربين والمراهنين على جني الأرباح من تحركات السعر صعوداً وهبوطاً، وسط تحركات عرضية هادئة، مع تعاف في الوضع الاقتصادي العام للبلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى