مقالات اقتصادية

كيف تتحول سلطنة عُمان لأكبر مصدر للهيدروجين الأخضر بالعالم

كتب اسامة صالح

ينتج الهيدروجين الأخضر” عن عملية كيميائية يستخدم فيها تيار كهربائي ناتج عن مصادر متجددة لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، ويعمل كناقل للطاقة الكيميائية، مثل النفط أو الغاز، ويخزن ثلاثة أضعاف الطاقة لكل وحدة كتلة مثل البنزين التقليدي، وعندما يحترق في الهواء يتحد مع الأكسجين لإنتاج الماء مرةً أخرى، ومن ثم تنتج طاقة دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي، المسبب للاحتباس الحراري.

وتهدف سلطنة عمان إلى إنتاج أكثر من مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، وصولاً إلى استغلال 30% من الأراضي المخصصة حالياً في عام 2050 لإنتاج ما يقارب 8 ملايين طن، وبقيمة استثمارية للمشروعات تبلغ 140 مليار دولار.
وخصصت السلطنة مساحة تزيد على 50 ألف كيلومتر مربع في محافظتي الوسطى وظفار لمشروعات الهيدروجين الأخضر تطرح على مراحل، و15 ألف كيلومتر في المحافظات الأخرى لمشروعات الطاقة النظيفة.

في 11 يونيو الجاري، سلّط تقرير مشترك صادر عن وزارة الطاقة والمعادن العُمانية، ووكالة الطاقة الدولية، الضوء على الخطط التي تتبعها سلطنة عُمان في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين، مؤكداً أنها في طريقها لتصبح من أكبر مصدري الهيدروجين على مستوى العالم بحلول العام 2030.
وبحسب ما أوردت وكالة الأنباء العُمانية، استعرض التقرير الإمكانيات التنافسية للطاقة المتجددة والهيدروجين في السلطنة.
والبداية الفعلية لمسيرة الهيدروجين الأخضر في عُمان كانت في يناير 2021، مع إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لاقتصاد الهيدروجين، والتي أعلنت تفاصيلها في أكتوبر 2022.
من أبرز أهداف استراتيجية الهيدروجين تعظيم الفرص التجارية والشراكات في إنتاج وتصدير الهيدروجين، وتحديد الأدوار والمسؤوليات بين الجهات المختلفة، إضافة لرفع القدرة التنافسية في جذب الاستثمارات.
وللوصول إلى هذا الهدف تم التركيز على استكمال الأطر التنظيمية والتشريعية والسياسات اللازمة لتطوير قطاع الهيدروجين وتخصيص الأراضي المناسبة للمشاريع.

وزير الطاقة والمعادن سالم بن ناصر العوفي قال في تصريحات صحفية له، في أكتوبر 2022: “نسير بخطوات مدروسة لمواكبة التحولات العالمية في الطاقة وقضايا المناخ، تمثلت في إعلان الالتزام بالحياد الصفري الكربوني، وملامح استراتيجية الهيدروجين الأخضر، ومراجعة الأطر التنظيمية والقانونية، وإعداد السياسات اللازمة للمضي في مشاريع وخطط التحول إلى الطاقة الخضراء”.
وأضاف العوفي أن “السلطنة تهدف إلى تحقيق مليون طن من إنتاج الهيدروجين بحلول عام 2030”.
وتابع أن “السلطنة تسعى لأن تكون مركزاً عالمياً لإنتاج الهيدروجين، اعتماداً على وجود المقومات الرئيسة لإنتاجه، المتمثلة في الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والأراضي الممتدة، والكوادر البشرية”.
وأشار إلى أن السلطنة اعتمدت عام 2050 لتحقيق الحياد الصفري الكربوني، وإنشاء مركز عُمان للاستدامة سيسهم في تنويع مصادر الدخل وإيجاد فرص للنمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام، مع تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة والحد من تداعيات تغير المناخ.
ورأى الوزير العماني أن تطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر يوفر فرصة استراتيجية للشركات العُمانية والدولية للتعاون والمشاركة في دعم أمن الطاقة على المستويين المحلي والعالمي وتحقيق التنويع الاقتصادي.

ضمن أحدث الخطوات العمانية في هذا السياق، وقعت وزارة الطاقة والمعادن، في 14 مارس 2023، ست اتفاقيات مع مستثمرين من بلجيكا وهولندا والكويت والإمارات وبريطانيا واليابان وسنغافورة وألمانيا والهند، لإنتاج الهيدروجين الأخضر في السلطنة، بقيمة 20 مليار دولار أمريكي.
وحسبما أوردت وكالة الأنباء العمانية، تبلغ سعة إنتاج هذه المشروعات 15 غيغاواط من الكهرباء، بمساحات تقدر بـ 1500 كيلومتر مربع في محافظتي الوسطى وظفار.
وجاء توقيع الاتفاقيات استكمالاً لخطوات حثيثة اتخذتها عمان، شملت تأسيس شركة هيدروجين عمان، التي تنسق الأدوار بين جهات الدولة المختلفة، وتهيكل مشاريع الهيدروجين الأخضر، وتدير عمليات التعاقد والترويج لقطاع الطاقة الجديد.
– ما موقع السلطنة على الخريطة؟ في أحدث تقييم للسلطنة، حلت في المركز الثاني عربياً في مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، حسب تصنيف منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، المنشور في 26 مارس الماضي.
وحسب التقرير، تصدرت مصر قائمة الدول العربية الأكثر إنتاجاً للهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، بنحو 23 مشروعاً، فيما حلت السلطنة بالمركز الثاني بـ11 مشروعاً، والإمارات في المركز الثالث بنحو 10 مشروعات.
ووصل إجمالي المشروعات المعلنة في السعودية إلى 9 مشروعات، بينما حل المغرب في المركز الخامس بنحو 7 مشروعات، جميعها مخصصة لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.

في مقال كتبه الباحث العلمي في مركز عمان للهيدروجين، مهند الخطاب الهنائي، ونشرته صحيفة “عُمان”، في مايو الماضي، قال: إن “الاستثمار في الهيدروجين الأخضر لن يؤدي إلى نقل السلطنة إلى مستقبل مستدام بيئياً فحسب، بل سيوجد أيضاً فرصاً للتنويع الاقتصادي”.
وأضاف الهنائي أن “الترابط بين إنتاج الهيدروجين الأخضر وتقنيات الطاقة المتجددة يوجد فرصاً للشركات الناشئة للظهور، وكذلك لفئات أكبر من المجتمع المحلي للمشاركة في تنفيذ تحول الطاقة ضمن سلسلة القيمة المضافة بأكملها”.
وأشار إلى أن الأسواق الناشئة، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، تتطلب حضانة تكنولوجية دقيقة في مراحلها الأولى، وكذلك الدعم السياسي، ولذلك يجب أن تخلق سياسات الطاقة بيئة جذابة لزيادة الطلب على الهيدروجين الأخضر، مثل دعم عملية بيعه مادياً، ووضع خطة لحقنه في شبكات الغاز الطبيعي.
ودعا الهنائي إلى إدخال سياسات طاقة تهدف إلى زيادة العرض عن طريق تطوير البنية التحتية للهيدروجين، وتعزيز مشاركة المجتمع المحلي، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الناشئة في هذا المجال.
كما أكد أهمية إبرام اتفاقيات تعاون مشتركة مع الفاعلين الدوليين، وزيادة الإنفاق على البحث والتطوير.
واعتبر الباحث العماني أن كل هذا من شأنه أن يتماشى مع رؤية عمان لعام 2040، التي تهدف إلى تقليل حواجز المشاركة الاقتصادية المحلية من قبل كافة فئات المجتمع، وتعزيز القيمة المضافة، وإنشاء بيئة مستدامة، وإنماء رأس المال الاقتصادي والتكنولوجي والمعرفي في المجتمع.
ورأى أن الخطوات العمانية تمثل فرصة ذهبية لإجراء تحول عميق في مجال الطاقة من شأنه إحداث تأثير إيجابي على المستويات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية على حد سواء.
ما حجم الإنتاج العالمي؟ تقدر أنواع الهيدروجين المختلفة حالياً بنحو 70 مليون طن، تستخدمها صناعات أهمها سماد الأمونيا والمواد الكيميائية مثل الميثانول، وإزالة الشوائب أثناء تكرير النفط، في حين ترجح التوقعات العالمية أن يصل سقف الإنتاج إلى 400 مليون طن سنوياً بحلول عام 2050، بينها 200 مليون طن من الهيدروجين الأخضر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى