اقتصاد دولي

مصر تواجه تراجع إنتاج الغاز الطبيعي بزيادة وارداته من إسرائيل

على خلفية تراجع الإنتاج المحلي رفعت الحكومة المصرية وارداتها من الغاز الإسرائيلي بنسبة 21.5 في المئة على أساس سنوي إلى 903 ملايين قدم مكعبة يومياً في المتوسط خلال النصف الأول من العام الحالي.

لا يستخدم الغاز الإسرائيلي لتلبية الطلب المحلي فحسب، بل يوجه أيضاً إلى محطتي الإسالة المصريتين، إذ يجري تسييله وإعادة تصديره إلى أوروبا، ومن المتوقع أن تزيد واردات الغاز الإسرائيلي لتصل إلى 1.05 مليار قدم مكعبة يومياً بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل نتيجة تراجع الطلب الموسمي في إسرائيل.

وفق البيانات المتاحة عانت مصر أزمة انقطاع الكهرباء هذا الصيف بسبب انخفاض إنتاج الغاز المحلي وارتفاع الطلب على الطاقة، مما أدى إلى توقف صادرات الغاز الطبيعي المسال منذ يونيو (حزيران) الماضي، فيما تخطط إسرائيل لتعزيز صادراتها من الغاز إلى مصر على مدى الـ11 عاماً المقبلة، في إطار الاتفاقية التاريخية لتصدير الغاز التي وقعتها الدولتان مع الاتحاد الأوروبي العام الماضي، بهدف زيادة الصادرات إلى دول منطقة اليورو، والتي تتطلع إلى التخلص التدرجي من الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي.

تحالف دولي يضخ 7.7 مليار دولار

في الوقت نفسه يبدو أن الأزمة الروسية – الأوكرانية لعبت دوراً في تعزيز مكانة مصر كمصدر للغاز المسال إلى أوروبا بعد سعيها إلى التخلي عن الغاز الروسي، ويتضح ذلك في شكل خريطة استثمارات شركة “إيني” الإيطالية وهي واحدة من كبرى الشركات العاملة في قطاع النفط، والتي قررت ضخ 7.7 مليار دولار استثمارات في مصر خلال الأعوام الأربعة المقبلة.

وتعد مصر في صدارة الدول المستحوذة على استثمارات الشركة الإيطالية في المنطقة، إذ سبق أن استفادت البلاد أيضاً من حالة عدم الاستقرار في ليبيا لتتقلص استثمارات الشركة الإيطالية بكثافة لصالح القاهرة، وتصبح مركزاً لتصدير الغاز المسال إلى أوروبا في الوقت الذي يبحث فيه الأوروبيون عن مخرج من الأزمة الخانقة التي تسببت فيها الحرب الروسية في أوكرانيا.

ووفق بيان حديث لرئاسة الجمهورية في مصر، تعتزم شركة الطاقة الإيطالية العملاقة “إيني” وشركاؤها ضخ استثمارات جديدة بقيمة 7.7 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، وجاء ذلك خلال الاجتماع الذي عقده الرئيس عبدالفتاح السيسي مع الرئيس التنفيذي للشركة كلاوديو ديسكالزي، والذي ناقشا فيه خطط الشركة الخاصة بأعمال الاستكشاف وإنتاج الطاقة.

كانت “إيني” من بين خمس شركات طاقة متعددة الجنسيات قال وزير البترول المصري طارق الملا إنها تعتزم إنفاق 1.8 مليار دولار مجتمعة على أعمال التنقيب عن الغاز. وقال إن “إيني” ستقوم مع شركات “شيفرون” و”إكسون موبيل” و”بي بي” و”شل” بحفر 35 بئراً استكشافية خلال العامين المقبلين.

مصر تكثف جهودها في نشاط الاستكشاف

وتتطلع الشركة الإيطالية إلى حفر آبار استكشافية جديدة في عديد من الامتيازات في شرق البحر المتوسط، والتي تشمل منطقة شمال شرقي حابي البحرية، وفقاً لتقرير غير مؤكد بالصحافة المحلية في أبريل (نيسان) الماضي، وتتأهب شركات أخرى لأعمال استكشافية جديدة، إذ تستعد شركات “بي بي”، و”إكسون موبيل”، و”شل” من بين شركات أخرى للبدء في أعمال استكشافية جديدة.

وتعد شركة “إيني” إلى جانب شركائها مسؤولة عن إنتاج نحو 60 في المئة من الغاز الطبيعي في مصر، وتدير حقل “ظهر” الذي يعد الأكبر في البلاد إلى جانب الهيئة المصرية العامة للبترول، كما تمتلك الشركة نحو 50 في المئة من محطة دمياط للإسالة، وهي إحدى منشأتي الإسالة في البلاد واللتين تعتبران أساسيتين في ما يخص طموحات الحكومة التصديرية على المدى الطويل. وقالت “إيني” في وقت سابق هذا العام إنها حققت كشفاً “كبيراً” للغاز في شرق البحر المتوسط بالتعاون مع “شيفرون”.

ويعد هذا هو أحدث تعهد استثماري لشركة عالمية كبرى في مجال النفط والغاز، بعد زيارة الرئيس التنفيذي لشركة “بي بي” برنارد لوني القاهرة لإجراء محادثات مع الرئيس المصري خلال الأسبوع الماضي، قال خلالها إن الشركة ستستثمر 3.5 مليار دولار في عملياتها بمصر على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

في الوقت نفسه تسعى الحكومة المصرية إلى تكثيف جهود الاستكشاف، إذ كشفت مصادر مطلعة أن وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر تخطط لطرح مزايدة عالمية للتنقيب عن النفط والغاز في ثمانية إلى 10 مناطق امتياز قبل نهاية العام، لكن حتى الآن لم يتم الإعلان عن نتائج المزايدة الـ12 منطقة استكشافية التي أطلقت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

تراجعات كبيرة بإنتاج الغاز الطبيعي في مصر

يأتي الإعلان عن استثمارات جديدة في ظل حاجة مصر إلى اكتشافات جديدة، فقد انخفض إنتاج الغاز الطبيعي إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات في الربع الثاني من عام 2023، على خلفية تراجع الإنتاج في دلتا النيل والصعوبات التي يواجهها حقل “ظهر”، إذ ذكرت تقارير أن الحقل العملاق يواجه مشكلة تسرب المياه، وقد فاقم انخفاض إمدادات الغاز من النقص المستمر في إنتاج الكهرباء، والذي تسبب في انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل في جميع أنحاء البلاد منذ أواخر يوليو (تموز) الماضي.

ولا يقتصر دور الغاز الطبيعي على إمداد مصر بالطاقة فحسب، بل يعد مصدراً رئيساً للعملة الصعبة إلى البلاد، وتزايدت أهميته في ضوء أزمة نقص العملة الأجنبية الحالية، كما برزت أهميته خلال موسم الصيف مع زيادة طلب شركات إنتاج الكهرباء على الغاز في ظل الزيادة القياسية باستهلاك الكهرباء خلال شهري يوليو وأغسطس (آب) الماضيين.

وتشير بيانات مايو (أيار) الماضي إلى تراجع إنتاج مصر من الغاز إلى 5.8 مليار قدم مكعبة يومياً، في أدنى مستوى منذ ثلاث سنوات، بعد أن وصل إلى ذروة 7.2 مليار قدم مكعبة يومياً في سبتمبر (أيلول) 2021، وهو ما يشكل تراجعاً عن ذروة الإنتاج بنسبة 20 في المئة.

ويعد انخفاض إنتاج حقل “ظهر” بنحو 400 مليون قدم مكعبة يومياً، من الذروة التي وصل إليها في 2019، ليصل في آخر البيانات إلى 2.3 مليار قدم مكعبة يومياً هو أحد الأسباب الرئيسة لهذا التراجع، وهو ما تعزوه شركة “بي أم آي” للأبحاث التابعة لـ”فيتش سلوشنز”، إلى مشكلات تسرب للمياه في الحقل.

وخلال الأعوام الماضية كانت مصر تدشن خططاً للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز، ولتصدير الغاز المسال بشكل خاص، ففيها محطتان لتسييل الغاز الطبيعي، هما إدكو ودمياط، تستخدمان لتسييل الغاز المصري والغاز الوارد من إسرائيل، لتصديره إلى أوروبا، كما لدى مصر اتفاقات للتصدير عبر الأنابيب مع الأردن ولبنان.

ووصلت إيرادات مصر من تصدير الغاز الطبيعي والمسال إلى ذروتها عام 2022، عند مستوى 8.8 مليار دولار، بفضل قفزة الأسعار إثر اندلاع الحرب الأوكرانية، لكن بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر تشير إلى تراجع قيمة صادرات الغاز الطبيعي والمسال بنسبة 70 في المئة خلال مايو الماضي على أساس سنوي، وبنسبة 76 في المئة خلال أبريل 2023، بسبب تراجع أسعار التصدير والكميات على حد سواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى