مقالات اقتصادية

اتهام المصارف السويسرية باخفاء بيانات متذرعة بقوانين السرية المصرفية

كتب أسامة صالح 

عادة ما تكون السرية المصرفية العائق الذي يحول دون كشف البلدان الأجنبية عن أصول مواطنيها المتهربين من الضرائب. والآن، يشتكي الصحفيون والمؤرخون السويسريون من أن هذه القوانين تقف حجر عثرة أمام قيامهم بأعمالهم.

لقد تم تشديد قانون السرية المصرفية في عام 2015 بعد سلسلة من التسريبات لبيانات مصرفية مسروقة اشترتها السلطات المعنية بتحصيل الضرائب في بلدان أجنبية.

ويشتكي مؤرخو القطاع المالي من أن المصارف تختبئ الآن وراء قوانين السرية الأكثر صرامة خلال رفضها لطلبات الحصول على وثائق.
في شهر يناير 2023، بعثت جمعية المؤرخين السويسريين (التي تمثل ألفا وسبعمائة مؤرخ ومؤرخة) برسالة إلى وزارة المالية، دعت فيها إلى تخفيف قانون السرية المصرفية.
الجمعية أشارت في رسالتها إلى حالة قصوى مَنَعَ فيها مصرف يو بي إس أحد المؤرخين من الحصول على وثائق تظهر تعاملاته المالية مع ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.
انعدام التوافق
كانت هذه الوثائق نفسها متاحة سابقا لـ “لجنة بيرجييه” التي أنشأتها الحكومة السويسرية بين عامي 1996 و2001 لتسليط الضوء على علاقة سويسرا بالنظام النازي الذي كان حاكما لألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وبقراره هذا، يحاول مصرف يو بي اس حماية أرشيفه الخاص. كما تدرك جمعية المؤرخين السويسرية حاجة الشركات للحفاظ على سرية المعلومات الاستراتيجية وتجنب المشاكل القانونية المحتملة.

لكن جمعية المؤرخين تعبّر عن إحباطها بسبب عدم رغبة المصرف في التنازل عن وثائق تعود لعقود مضت أو حتى التفاوض مع المؤرخين بشأن ما يُمكن الكشف عنه وما لا يُمكن.
وتنص الرسالة على أنه “نتيجة لهذا الوضع المعقّد، تمت عرقلة الأبحاث التاريخية حول الساحة المالية السويسرية إلى حد كبير، وهو أمر غير مقبول، نظرا لأهميته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتاريخ بلدنا في العموم”.

ويأتي اعتراض المؤرخين وامتعاضهم من هذه القوانين في أعقاب الاحتجاج الصادر عن وسائل الإعلام العام الماضي. ذلك أن قانون السرية المصرفية الجاري العمل به يُعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات كحد أقصى كل شخص يقوم باستنساخ تفاصيل بيانات مصرفية تم الحصول عليها بعد عملية سرقة أو تسريب غير قانوني.

أسرار سويسرا
في شهر فبراير 2022، اضطرت صحيفة سويسرية إلى تجاهل بيانات مصرفية مسروقة تتعلق بحسابات في مصرف كريدي سويس تعود الأصول المُودعة فيها لمجرمين ودكتاتوريين مزعومين.
وفي الوقت الذي يتاح فيه لوسائل الإعلام الأجنبية استنساخ وإعادة نشر ما يُسمى
وثائق “أسرار سويسرا”، يواجه نظراؤهم السويسريون عقوبات جنائية على نفس الأفعال.
إثر ذلك، انضم عدد من الهيئات المحلية والدولية إلى حملة الانتقادات ضد القيود التي تفرضها سويسرا على الصحافة الاستقصائية الحرة.
وقالت إيرين خان، مقررة الأمم المتحدة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير: “إن مقاضاة الصحفيين لنشرهم تفاصيل بيانات مصرفية خدمة للمصلحة العامة هو انتهاك للقانون الدولي لحقوق الانسان”.

هذه الضغوط دفعت بعض المشرعين السويسريين للتفكير في إعادة النظر في قانون السرية المصرفية وسط مخاوف من أن هذا القانون قد أصبح صارما جدا.
في السياق، صادقت لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب (الغرفة السفلى للبرلمان) هذا العام على التماس يُوصي بالسماح لوسائل الإعلام باعادة استنساخ البيانات المصرفية المسروقة إذا كانت تقاريرها قد أنجزت بـ “حسن نية”. وبينما قالت الحكومة إنها ترحب بالنقاش، فإن التماس لجنة الاقتصاد أمامه طريق طويل قبل أن يؤدي إلى حدوث تغييرات قانونية ملموسة.

توازن المصالح
سيتعيّن على غرفتيْ البرلمان أوّلا الموافقة على أيّ تعديلات في القانون الجاري العمل به بعد إجراء مناقشات على مستوى الغرفتيْن. وقد تستغرق هذه العملية عدة أشهر، وهناك احتمال بالتخلي عن التعديلات من الأصل، إذا تأكّد استحالة وجود غالبية مؤيدة لها.

من جهتها، قالت وزارة المالية إنها سجّلت اعتراضات وسائل الإعلام والمؤرخين، ولكنها تحتفظ بعدم ابداء رأيها حول حُجج المعترضين إلى أن تكتمل جميع مراحل العملية البرلمانية.

وقالت جمعية المصرفيين البرلمانيين أيضا إن الأمر متروك للمشرعين، وجاء في بيان صادر عنها: “ليس الأمر متروكا لجمعية المصرفيين لإصدار حكم نهائي بشأن توازن المصالح بين حاجة العميل وحمايتها وحاجة الجمهور إلى المعلومة”.

كما ذكّرت جمعية المصرفيين السويسريين بأن الهيئات التنظيمية، مثل مكتب الإبلاغ عن عمليات غسيل الأموال في سويسرا، والسلطة الفدرالية للرقابة على المؤسسات المالية (“فينما”) يُمكنها الوصول إلى المعلومات المصرفية إذا كانت هناك شبهة في ارتكاب جرائم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى