أخبار عاجلة

الازدواج الوظيفي في تونس يرهق الموازنة ويعمق البطالة

يكافح الشباب العاطل عن العمل في تونس من أجل الحصول على وظيفة وسط تصاعد التذمر من ظاهرة الازدواج الوظيفي التي يلجأ إليها بعض العاملين في الحكومة من أجل تعزيز أجورهم المتدهورة.

وحذر خبراء أخيراً من أن هذه الظاهرة باتت تنهك الموازنة، وفي الوقت نفسه تحد من فرص الشباب الطامح للحصول على وظيفة بعد التخرج من الجامعات، وهو ما يقود إلى استمرار ارتفاع نسب البطالة.

“لا مكان لنا”

تقضي ميساء (27 سنة) يومها في زيارة مؤسسات تعليمية خاصة من أجل العثور على وظيفة بعد أن أصابها الإحباط من الولوج إلى المؤسسات التعليمية الحكومية بعد تخرجها منذ أربع سنوات.

تقول ميساء وهي معلمة لغة فرنسة “لم يعد لنا مكان في سوق الشغل، الانتداب في الوظيفة العمومية والقطاع العام مغلق الآن، والمؤسسات الخاصة تشغل أكثر إما أشخاصاً متقاعدين أو يعملون في المؤسسات الحكومية من أجل أجر ضعيف ومن دون أية ضمانات”. وأوضحت أن “هذه الظاهرة تزدهر كثيراً في قطاع التعليم والصحة أيضاً، وللأسف السلطات لا تحرك ساكناً تجاهها، ولا نعرف ما الذي تخشاه بالضبط في وقت سيكون من الفائدة لها الحد منها”.

وكان مسؤولون نقابيون في الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية القوية، أطلقوا تحذيرات من أن معدلات البطالة باتت تتأثر بشكل كبير بظاهرة الازدواج الوظيفي، لكن السلطات لم تعلق بعد على هذه الظاهرة على رغم الإقرار بوجودها.

وفي السابق، قام مسؤولون تونسيون بشكل فردي بمحاولات هزيلة للحد من ظاهرة الازدواج الوظيفي، لكنها لم تعط نتائج لافتة على رغم أن خطوات فعلية تم اتخاذها مثل إلغاء الدروس الخصوصية التي توفر موارد مالية إضافية لبعض المعلمين.

أرقام مفزعة

على رغم استقرار نسبة البطالة بحسب أرقام رسمية نشرتها السلطات التونسية أخيراً بنحو 15.3 في المئة، فإن خبراء يرون أنه كان بالإمكان الحد من هذه النسبة حال تم اتخاذ خطوات جدية لإلغاء الازدواج الوظيفي بخاصة أن القانون التونسي يحظره.

ويمنع قانون العمل في تونس الجمع بين العمل لوقت كامل والعمل لوقت جزئي، لكن هذا القانون يتم تجاهله بشكل كبير حيث يجمع كثيرون بين العمل في مؤسسات حكومية بدوام كامل وآخر في القطاع الخاص لبضع ساعات.

يبرر هؤلاء الموظفون خطوتهم بتآكل المقدرة الشرائية وسط استفحال غلاء الأسعار والأوضاع المتدهورة التي تشهدها البلاد التي ترزح تحت واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية على رغم أجواء التفاؤل التي أشاعها الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة برئاسة نجلاء بودن مع صندوق النقد الدولي من أجل تمويل يقدر بـ1.9 مليار دولار.

وقال الخبير الاقتصادي في “اتحاد الشغل” عبد الرحمن اللاحقة، إن “الازدواج الوظيفي يجب أن يدخل في نطاق إصلاح الوظيفة العمومية لأن الناس تركز على خفض كتلة الأجور ويتغاضون عن هذه الظاهرة”. وتابع اللاحقة أن “من يريد إصلاح الوظيفة العمومية عليه حل هذه الظاهرة التي توصلنا إلى رقم مفزع في شأنها، فهناك 32 ألف وظيفة عليا حكومية يشتغل فيها أشخاص يعملون في أماكن أخرى بالمؤسسات الخاصة”.

غياب الإرادة السياسية

حول الفشل في حل هذا الملف على رغم تعاقب حكومات وجدت تضخماً في كتلة أجور الموظفين الحكوميين، قال اللاحقة إن “الإرادة السياسية غائبة تجاه هذه الظاهرة، بخاصة أن هناك قطاعات لم يتم بعد التوجه إليها مثل التعليم والصحة، وهذه الظاهرة تستفحل في هذه القطاعات”. وأضاف أن “الشركات الخاصة في النهاية تستفيد من هذه الظاهرة، بحيث يتم تشغيل الموظفين الحكوميين في أوضاع هشة ولا يتم توفير أجور جيدة لهم، وأصحاب هذه الشركات يرفضون بالفعل منع الازدواج الوظيفي لأنهم يستفيدون منه”.

وشهدت تونس بعد انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 انتدابات واسعة النطاق في عديد من المجالات على غرار الصحة والتعليم وغيرهما، مما أثقل كاهل الموازنات التي باتت تواجه عجزاً وسط غياب استراتيجيات واضحة المعالم لإصلاح الاقتصاد على رغم الشروط التي يضعها المانحون الدوليون أمام السلطات من أجل تمويلات جديدة.

وقال اللاحقة إن “هناك نحو 300 ألف عاطل عن العمل في تونس من حاملي الشهادات الجامعية العليا، وإذا تم حل معضلة الازدواج الوظيفي فإن ذلك سيمكننا من تشغيل آلاف من هؤلاء بالتالي الخفض في نسب البطالة”.

حملات ومخالفات

وتحاول السلطات بث رسائل طمأنة في شأن سعيها إلى الحد من ظاهرة الازدواج الوظيفي، إذ قال المدير العام لـ”تفقدية الشغل” (مؤسسة حكومية) شكري والي، إن هناك تقارير تلقتها التفقدية أظهرت وجود هذه الظاهرة في قطاع الصحة وقمنا بشن حملات أسفرت عن جملة من محاضر المخالفات. وشدد والي على أن “ظاهرة الازدواج الوظيفي لم تتسبب فقط في حرمان العاطلين من فرصة عمل، لكنها أدت إلى تردي الخدمات العمومية بسبب تفضيل المخالفين للوظيفة الثانية على حساب الوظيفة العمومية”.

لكن موظفاً حكومياً رفض ذكر اسمه (47 سنة) قال لـ”اندبندنت عربية” رداً على سؤال حول لجوئه للعمل في مؤسسة خاصة على رغم امتلاكه وظيفة حكومية إن “الوضع صعب، والأجر الذي توفره السلطات لا يكفي لإدارة شؤون أسرة تتألف من أفراد عدة”.

وأردف أن “الأسعار التهبت في الأشهر الأخيرة، وبعض المواد مفقودة أصلاً في الأسواق، وهذا ما يدفعنا إلى العمل ساعات إضافية على رغم أنني مثلاً أؤدي واجبي بكل حرفية في وظيفتي الحكومية الأولى، ولا أحد يرغب في الإرهاق والتعب لساعات أخرى، لكن الحاجة هي التي تدفعنا إلى ذلك”.

مرجعية كفاءات

على رغم أنها تتجه إلى تنفيذ حزمة من الإصلاحات يشترطها صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد فإن الحكومة التونسية تتكتم على الإصلاحات، وسط تكهنات بأن تشمل تسريح عدد من الموظفين الحكوميين والتفويت في مؤسسات عمومية تواجه شبح الإفلاس.

ولم تعلن حكومة بودن ذلك بعد، كما لم تتطرق أصلاً لمشكلة الازدواج الوظيفي في بلد يعرف نسباً مرتفعة للبطالة والتضخم ومعدلات نمو متدنية.

وقال وزير التشغيل السابق فوزي عبد الرحمن إن “الإشكال يكمن في العدالة بين الموظفين الحكوميين والمواطنين العاديين. فمن غير العادي أن نقبل في ظل الوضع في تونس الذي يتسم بتزايد البطالة (لدينا نحو 700 ألف عاطل عن العمل يبحثون عن وظائف) بوقف الانتداب في الوظائف الحكومية في وقت هناك موظفون حكوميون لا يعملون ويحصلون على إجازات طويلة بداعي المرض، بينما لديهم وظائف أخرى، هذا غير مقبول أبداً”.

وبين عبد الرحمن لـ”اندبندنت عربية” أن “النقاش يجب أن يشمل تحرك الوضع في الوظيفة العمومية بما يعني أن تكون جسماً حياً وتتخلى عن عقلية أن الموظف إذا دخل إلى المؤسسات الحكومية فإنه ضمن عمله للأبد”.

وتشهد تونس ظاهرة تعرف في الأوساط الشعبية بـ”عقلية المسمار في حيط (في الجدار)”، أي أن الموظفين الحكوميين ضمنوا مستقبلهم المهني بمجرد ولوجهم إلى وظائفهم، وهي ظاهرة باتت تواجه انتقادات في السنوات الأخيرة بعد تدهور الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية.

وقال عبد الرحمن إن “على المؤسسات الحكومية أن تخرج 5 أو 10 في المئة من موظفيها سنوياً وتنتدب آخرين، كما يجب اعتماد ما يسمى مرجعية الكفاءات التي تعطي تقييماً مهنياً سواء للموظفين العاديين أو المديرين ورؤساء المصالح، ومن يكون مردوده غير مقبول أو يعمل في وظيفة أخرى يتم التخلص منه، بخاصة أن ظاهرة الازدواج الوظيفي تظلم أجيالاً بأكملها في تونس وسط تدهور الأوضاع في قطاعات حساسة عدة مثل الصحة بسبب هذه الظاهرة، فالصحة العمومية وضعها كارثي اليوم ويجب أن يتم فتح الانتدابات”.

على رغم أنها تعد تجاوزات قانونية فإن عبد الرحمن، وهو سياسي أيضاً، يرى أن الحل لا يمكن أن يكون بالقوة وبالطرد التعسفي. وقال الوزير السابق إن “هذه الملفات لا يمكن حلها بالسيطرة والعنف والإضراب، بل بالجلوس على الطاولة وإجراء حوار شامل في شأن الآليات الكفيلة بالخروج من الأزمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى