اقتصاد دولي

الرشوة الدابة السوداء لبيئة الأعمال في تونس

يعاني مناخ الأعمال في تونس عراقيل عدة أهمها الفساد المتجسد في الرشوة والمحسوبية إضافة إلى إشكاليات التمويل، وقد تنامت الممارسات المصنفة في خانة الفساد في العقد الأخير مستغلة مساحة عدم الاستقرار السياسي.

إلى ذلك أسهم الاحتقان الاجتماعي في تنامي الابتزاز الذي يتعرض له أصحاب المؤسسات، وتظل المؤسسات الصغرى الأكثر عرضة لهذه التجاوزات، مما يرفع من نسبة تأثير الفساد في الاقتصاد التونسي بحكم انعكاس مردود المؤسسات الصغرى والمتوسطة على النمو، إذ تمثل المحرك الرئيس للإنتاج.

ويعود استفحال هذه التجاوزات التي يصنفها القانون التونسي جرائم إلى النقائص التي تشوه المنظومة القضائية وتقصير القضاء في مقاومتها.

وأشار عدد من رجال الأعمال إلى أن آفة الفساد في تونس تتنامى وتضرب الاقتصاد في مقتل على رغم كل الشعارات التي رفعتها الحكومات المتعاقبة حول دورها في مكافحة الفساد، ولفتوا إلى أن الرشوة تمثل العائق الرئيس أمام الشركات، خصوصاً الصغرى والمتوسطة منها، ويرون أن مستقبل مناخ الأعمال سيكون أكثر قتامة.

إلى ذلك تراجع مؤشر بيئة الأعمال إلى 45.2 نقطة من 100 نقطة في عام 2022 مقارنة بـ50 نقطة عام 2021، وخسر بذلك 3.4 نقطة في سنة واحدة (المؤشر يكون أكثر ملاءمة كلما اقترب من 100)، وفقاً لبيانات المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية (حكومي).

وبدا مؤشر مدركات الفساد الأكثر تأثيراً بـ31.4 نقطة من 100 يليه المناخ السياسي بـ31.8 نقطة ثم التمويل البنكي الذي بلغ 32.2 نقطة وهي العقبات الرئيسة التي حالت دون الرفع من مستوى النمو عام 2022، هذا إلى جانب أن النظام القضائي أحد أبرز أسباب تردي مناخ الأعمال الذي لم يتجاوز 10.9 نقطة.

وفسر أصحاب رؤوس الأموال الناشطون في مجالات الصناعة والخدمات العزوف عن الاستثمار بالإشكاليات المتعلقة بالتمويل والمؤسسات البنكية، إذ بلغ انخفاض مؤشره 6.4 نقطة بالتراجع إلى 32.2 نقطة، معتبرين أن العوائق المتعلقة بالتمويل وشح السيولة في تونس هي الأشد وطأة في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

وتجد 54 في المئة من الشركات التونسية صعوبة في النفاذ إلى التمويل مقابل 50 في المئة في عام 2020، واعتبرت 78 في المئة من المؤسسات أن كلفة التمويل البنكي أضحت مكبلاً للمشاريع وعقبة حقيقية في وجهها مقارنة بـ74 في المئة منها عام 2020.

ومن العوامل التي وردت على رأس شكاوى رجال الأعمال نظام الضرائب والأداءات والقضاء والإجراءات الإدارية، وقد بدا الاستياء متزايداً بخصوص الفساد مقارنة بالفترات السابقة، لا سيما في القطاع العام، إذ يرى 70 في المئة من أصحاب الشركات أن الفساد هو العائق الرئيس الذي يصطدم به مسار تحسين بيئة الأعمال في تونس، مما يعرقل تطور المؤسسات الصغرى بنسبة 72 في المئة والمؤسسات المتوسطة بنسبة 61 في المئة والمؤسسات الكبرى بنسبة 63 في المئة.

طلب الرشى

 في العام الماضي شهدت تونس ارتفاعاً في نسق طلب الرشوة في القطاع الخاص بأربع نقاط، إذ ارتفع من 41 نقطة عام 2021 إلى 45 عام 2022، بعد أن احتلت المركز الـ76 مقابل المركز الـ68 في عام 2021.

يشار إلى أن تونس حلت في المرتبة الـ85 عالمياً ضمن مؤشر مدركات الفساد من بين 180 دولة وفق منظمة الشفافية الدولية، وهي أدنى مرتبة احتلتها منذ عام 2012، ذلك بعد أن تحصلت على معدل 40 نقطة من أصل 100 نقطة بعد أن تراجعت بأربع نقاط مقارنة بعام 2021، وهو أدنى عدد تحصلت عليه من سبع سنوات.

خيوط العنكبوت

في غضون ذلك أرجع عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة) منير حسين تنامي هذه التجاوزات إلى منظومة الفساد المتشعبة في تونس، والتي تترابط خيوطها بين المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى من القطاع الخاص.

وأضاف أن “تلك المنظومة ترتبط بعلاقة نفعية مترامية الأطراف تشمل التمويل والضرائب والرخص، وتشكل بذلك العائق الرئيس أمام تطور المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تفتقر إلى وسائل ردع الفساد”.

وأوضح حسين أن “القضاء يقف عاجزاً عن القيام بدوره الجوهري وهو معالجة هذه الظاهرة بتناول الملفات وتسليط العقوبات”، مرجعاً ضعفه إلى النقص المسجل في الموارد البشرية واللوجيستية، مما يعطل أداء الشركات الصغرى التي لا تتوفر لديها وسائل مقاومة الفساد، إذ تواجه طول وامتداد عملية التقاضي في حال لجوئها إلى المحاكم.

وتابع عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن “النشاط الاقتصادي التونسي يعاني بيروقراطية وإغراقاً في الإجراءات الإدارية وتنامي الكلفة، وهي عوامل تضعف القدرة التنافسية في السوق وتخلق مناخاً غير صحي للنشاط”، مشيراً إلى أن “تلك الممارسات غير القانونية تتركز في الأنشطة التي تخضع للتراخيص المسبقة على وجه الخصوص وتتصل في تونس بمجالات النقل والتجارة، خصوصاً في قطاع التوريد وهو الذي يقع التدخل فيه بصفة مباشرة من قبل الإدارات العمومية لمنح التراخيص”.

من جهته حمل رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة (منظمة مستقلة) خميس عفية النصوص القانونية مسؤولية تنامي ظاهرة الرشوة، موضحاً “عدم تناسق النصوص القانونية مع واقع النشاط الصناعي والتجاري الحالي وخضوعها لمقاسات الاقتصاد الريعي” وفق تعبيره.

وخص عفية بالذكر قانون القروض والتمويل ثم النصوص المنظمة لمنح الرخص بأنواعها وكذلك طلبات العروض الخاصة بأسواق المقاولات.

وأشار إلى أن “تلك القوانين مغرقة في البيروقراطية، مما أدى إلى اعتماد الطرق غير المشروعة لتجاوزها”، لافتاً إلى أنها “تحولت في وجه من وجوهها إلى أساليب ابتزاز وأبواب ممهدة للرشى، وهو ما ترتب عليه عزوف المؤسسات الكبرى عن توسيع استثماراتها ورحيل عدد منها إلى بلدان مجاورة، كما تحولت إلى عوامل طاردة للمستثمرين الأجانب”.

تنقيح القوانين

وطالب رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة الحكومة التونسية بتنقيح قوانين الاستثمار وحذف عدد من الرخص وكراسات الشروط (القوانين المنظمة لأنشطة الخدمات). كما طالب بتغيير الإجراءات والشروط المنظمة للاقتراض التي تسببت في إفلاس عدد من المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وهو ما حد من حظوظ الشركات الناشئة في الحصول على نصيبها من التمويلات، مؤكداً مرافقة ذلك بإصلاحات مؤسساتية لتعزيز الشفافية والمساءلة وتدعيم السياسة الرادعة للفساد.

وكشف عن أن “الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة سيعمل على مقترح في هذا الصدد، يقدمه إلى مجلس النواب ويشمل مشروع مقترحات إصلاح”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى