اقتصاد كويتي

الشال: 2.5% تمويل الضرائب للموازنة العامة في الكويت

ذكر التقرير الاسبوعي لمركز الشال الاقتصادي ان علم المالية العامة التقليدي، الإيرادات العامة في معظمها إيرادات ضريبية، وحتى تكون تلك الإيرادات نامية ومستدامة، لابد من ضمان بيئة أعمال منافسة، ولابد من العمل على ضمان نشاط اقتصادي متنامي على الدوام.

ففي بريطانيا مثلاً، نصيب مساهمة الدخل الضريبي 74%، ومثلها في سنغافورة، ترتفع في السويد إلى نحو 83%، وتنخفض في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 65%، وفي دول نفطية مثل النرويج تبلغ نحو 77%، وفي الاقتصاد السعودي وهو في بدايات مشروع تنويع مصادر دخله، تبلغ نحو 33%.

في الكويت، ليس هناك اقتصاد، هناك مالية عامة لا ينطبق عليها تعريف المالية العامة في علم المالية العامة، تمول الضريبة نفقاتها العامة بنسبة 2.5% فقط، وصلب إيراداتها العامة هي استبدال أصل بنقد، أي استخراج نفط واستبداله بدولار أمريكي، لذلك تصبح مخاطره عالية إن لم تستثمر حصيلتها في خلق مصادر دخل بديلة، وهو ما فشلت الكويت فيه على مدى الستين سنة الماضية.

أفضلها كان الربع الأول من تلك الستين سنة الممتد من السنة المالية (1960/1961-1975/1976)، فيها بلغت الإيرادات العامة النفطية نحو 195% حجم النفقات العامة، لذلك كانت حقبة تعززت فيها احتياطات الكويت المالية ونهايتها شهدت إنشاء صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وكانت الحقبة الأفضل منذ الاستقلال.

عكسها تماماً كانت حقبة السنوات الخمسة عشر التالية (1976/1977-1992/1993)، فبعد ارتفاع شديد لأسعار النفط إبان الثورة الإيرانية في عام 1979 و1980، انتكس سوق النفط أسعاراً وانتاجاً حتى انفرطت منظمة أوبك في ديسمبر 1985، وزامنت بدء انفلات السياسة المالية ما ضاعف من معدل الإنفاق السنوي لتلك الحقبة ليصبح 10 أضعاف مستوى الحقبة التي سبقتها.

أصاب الرواج سوق النفط بعدها بسبب ظاهرة النمو الصيني غير المسبوق في فترة الخمسة عشر سنة اللاحقة (1993/1994-2006/2007) رغم انتكاسة نمور آسيا في عام 1997، وعوضه لاحقاً رواج اقتصاد عالمي اصطناعي في بداية الألفية الثالثة بسبب انفلات السياسات النقدية والذي انتهى بأزمة عام 2008 الكبرى، وخلالها بلغت إيرادات النفط 112% حجم النفقات العامة التي طالها بعض الانضباط في تسعينات القرن الفائت، ولم يزد معدل نمو نفقات تلك الحقبة سوى بنحو 62% عن معدل الحقبة السابقة لها.

وفي حقبة الخمسة عشر سنة الأخيرة (2007/2008-2021/2022) أصيب سوق النفط بثلاث نكسات، الأولى بعد سبتمبر 2008 ولكنه تعافى منها سريعاً بسبب تعافي الاقتصاد العالمي بفعل التوسع الشديد للسياسات المالية والنقدية، ثم انتكاسة خريف 2014 واستمرت معاناته حتى أواخر ذلك العقد، ثم أصيب بنكسته الثالثة إبان جائحة كورونا، وتعافى بسبب بدء رواج أداء الاقتصاد العالمي، ثم تلقى سوق النفط دفعة كبيرة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وغطت إيراداته خلال تلك الحقبة نحو 103% من إجمالي النفقات العامة، ومعظم الدعم جاء لأسباب استثنائية في السنتين الأخيرتين، وخلال تلك الحقبة انفلتت تماماً السياسة المالية المحلية، وأعلنت الحكومة رسمياً احتمال عجزها عن دفع الرواتب والأجور في صيف عام 2020.

والسنوات الخمسة عشر القادمة (2022/2023-2036/2037) سوف تكون سنوات حرجة من زاوية هبوط إيرادات النفط، وزاوية الضغوط الطبيعية لزيادة النفقات العامة، وفي شق الإيرادات النفطية، وإلى جانب مخاطر أداء الاقتصاد العالمي الضعيف شاملاً الصين، سوف يتعرض النفط لحرب مماثلة لما تعرض له بعد وقف تصدير النفط العربي للغرب في أكتوبر 1973 والذي انتهى بانفراط أوبك نتيجة صراع أعضائها على حصص الإنتاج، كما سوف يتعرض لحرب بيئية وأخرى من تقنيات الوقود النظيف.

والوعي المبكر بتلك الحقيقة وما تتطلبه من ضبط لمصارف تلك الإيرادات، ومن أجل مستقبل مئات الألوف من الشباب القادمين إلى سوق العمل إلى جانب متطلبات حياتهم الضرورية الأخرى، سوف يصبح الفاصل ما بين الاستقرار أو الضياع، هو مضمون ما نتخذه من قرارات اليوم في حصافة إنفاق الإيرادات العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى