اقتصاد كويتي

الحقبة الأخيرة من تاريخ الدولة الأسوأ من زاوية الانفلات المالي

افاد الشال انه وفي ملاحقة مسار النفقات العامة لنفس الحقب الأربع المذكورة في الفقرة السابقة، نلاحظ أن النفقات العامة مجرد متغير تابع بشكل شبه كامل في ارتفاعها مع كل ارتفاع في الإيرادات النفطية، ولكنها غير مرنة ولا تنخفض وإنما ترتفع في معدلها حتى في حالة انخفاض إيرادات النفط.

ففي الحقبة الأولى (1960/1961-1975/1976)، كان معدل النفقات العامة 300 مليون دينار كويتي سنوياً، وكانت مصارف تلك الأموال نظيفة وحصيفة، فكان التعليم والخدمات الصحية والبنى التحتية وغيرها أفضل، فالفاقد بسبب الفساد أو سوء الإدارة كان ضئيلاً إن وجد.

وكانت حصافة متصلة من الفترة التي سبقتها، فإجمالي دخل الكويت من النفط كان 3.5 مليون جنيه إسترليني للفترة 1945-1950، وأول مصارفها كانت إنشاء الكويت أول مستشفى حكومي في عام 1949، كما وضعت أسس البناء للسنوات التالية في أول خطة لها.

وفي خمسينات القرن الفائت وضعت الكويت أسس البناء البشري، ورصد لأول خطة تنمية 90 مليون جنيه إسترليني في النصف الأول من الخمسينات، وبحلول عام 1959 كان في مدارس الكويت 45 ألف طالب وطالبة موزعين على 27 ألف طالب و18 ألف طالبة، وتم بناء ثانوية الشويخ وتمويل الابتعاث الدراسي للخارج والحرص على جلب أفضل المعلمين من الخارج، وأسست الكويت أول صندوق سيادي في العالم.

وقام القطاع الخاص بدوره في صناعة النشاط الاقتصادي بتأسيس أول بنك تجاري وثلاث شركات متخصصة في قطاع النفط، وشركة طيران وشركة مطاحن وشركة سينما، وكانت بداية تنويع حقيقي لمصادر الدخل.

في الحقبة التالية (1976/1977-1992/1993)، ارتفع المعدل السنوي للنفقات العامة لنحو عشر أضعاف أو من 300 مليون دينار كويتي إلى 3,101 مليون دينار كويتي، ولكن أهمية وجدوى مصارفه انحدرت كثيراً، فمستوى منشآت التعليم انحدر، ومقارنة جودة مبنى ثانوية الشويخ مقابل مباني – مدارس – جامعة الكويت المشتتة أو حتى مبناها الجديد واضح، ومباني المستشفى الأميري والصباح مقارنة بمتاهات مستشفى مبارك والعدان، وبدأ فساد وانحدار مستوى التعليم والخدمات العامة والبنى التحتية.

والحقبة الثالثة (1993/1994-2006/2007) كانت حقبة فيها بعض الحصافة في جانب السيطرة على حجم النفقات العامة وليس مصارفها أو استخداماتها، وبلغ فيها المعدل السنوي للنفقات العامة نحو 5,025 مليون دينار كويتي بزيادة بنحو 62% عن معدل الحقبة السابقة لها.

وسبب ضبط النفقات في جانب منه كان خسارة الكويت نحو 65% من حجم احتياطي الأجيال القادمة بسبب الغزو وتكاليف تمويل الحرب وإعادة بناء ما دمرته، ومن جانب آخر بسبب تغير إيجابي في نوعية القائمين على المالية العامة، ولكنه كان وعي مؤقت.

ورغم ذلك، كانت حقبة بلغ فيها معدل الإيرادات النفطية نحو 112% من جملة النفقات العامة، وكانت أسعار النفط قد تلقت دعماً كبيراً في بدايات العقد الأول من الألفية الثالثة.

الحقبة الأخيرة (2007/2008-2021/2022) كانت الأسوأ من زاوية الانفلات المالي من ناحيتي القيمة وحجم الفساد ضمنه، وغالبية فضائح الفساد الكبرى التي نعرفها حالياً جاءت من رحم تلك الحقبة وإن مهدت لها الحقبة السابقة في قضايا سرقة الاستثمارات وناقلات النفط.

وبلغ معدل النفقات العامة فيها 18.210 مليار دينار كويتي مرتفعاً بنحو 3.6 ضعف عن معدل الحقبة التي سبقتها، حدث ذلك كما أسلفنا رغم تعرض سوق النفط لثلاث نكسات، وكل مصارف تلك الأموال انحدرت في إنتاجيتها، سواء إن كان على مستوى بناء رأس المال البشري، أو مستوى الخدمات العامة، ولكن استمرار نمو تلك النفقات على فسادها ورداءتها حتى لو قبلنا به، بات مستحيلاً كما نعرض له في الفقرة اللاحقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى