اقتصاد دولي

الشركات الأجنبية تتحدى عتمة المؤشرات الاقتصادية السلبية في تونس

إثر سنوات «عجاف» على مستوى جذب الاستثمارات الخارجية وتذبذب النتائج الاقتصادية وعزوف شبه كلي من الشركات الأجنبية، بدأت تونس تستعيد عافيتها نسبياً في استقطاب استثمارات خارجية منذ عام 2020.
وفي ظل عتمة أغلب المؤشرات الاقتصادية من عجز الميزان التجاري وتراجع قيمة صرف الدينار وانخفاض نيات الاستثمار في قطاع الصناعة والتأخر في إنجاز الإصلاحات الاقتصادية، واصلت الشركات الأجنبية المنتصبة في تونس تجديد ثقتها في موقع تونس بتوسيع أنشطتها مع توفق البلاد في استقطاب 100 مشروع أجنبي جديد.
وبعد تطور سلبي في هذا المجال الذي شكل إحدى نقاط قوة الاقتصاد التونسي فيما قبل 2011، استقر على تراجع بنسبة 22.5 في المئة عام 2018 و16.1 في المئة في 2019، عاد المنحنى الإيجابي في عام 2020 ليتعزز في عام 2022 بتسجيل نمو بنسبة 18.4 في المئة.
ونجحت تونس التي تعاني من صعوبات اقتصادية عدة في جذب استثمارات أجنبية بقيمة 2222 مليون دينار (723 مليون دولار) مقابل 1876.3 مليون دينار (605 ملايين دولار) في 2021، على رغم الإقرار من طرف المسؤولين الحكوميين بأن مناخ الاستثمار في البلاد بحاجة ماسة إلى التطوير والتحسين.
نسق تصاعدي:- وأكد حاتم السويسي المدير العام بالنيابة للوكالة التونسية للنهوض بالاستثمار الخارجي (حكومية)، أنه من المنتظر أن يتم خلال كامل عام 2023 استقطاب 2962 مليون دينار بعنوان الاستثمارات الخارجية المباشرة (955.4 مليون دولار) على أن يتم بلوغ أربعة آلاف مليون دينار (1290 مليون دولار) بداية من عام 2025، وفق المخطط الاستراتيجي الذي وضعته الوكالة تماشياً مع أهداف المخطط التنموي 2023/2025.
القطاع الصناعي في الصدارة:- واستأثر قطاع الصناعات المعملية بالنصيب الأكبر في مجموع الاستثمارات الخارجية المتدفقة على تونس العام الماضي بزيادة بنسبة 36.5 في المئة، ليتم استقطاب استثمارات بقيمة 1300.6 مليون دينار (419.5 مليون دولار). تجدر الملاحظة في هذا الصدد أن تونس تعول بشكل كبير على الصناعات المعملية في علاقة بالاستثمار الخارجي نظراً لأهمية هذا القطاع في توفير مواطن الشغل ونقل التكنلوجيا وأيضاً التصدير. وتوفق قطاع الخدمات في استقطاب استثمارات أجنبية بقيمة 413.4 مليون دينار (133.3 مليون دولار) السنة الماضية مقابل 344.9 مليون دينار (111.2 مليون دولار) في عام 2021. كما عرف قطاع الفلاحة زيادة طفيفة بجذبه لاستثمارات خارجية بقيمة 9.7 مليون دينار (ثلاثة ملايين دولار) في عام 2022، وسط إجماع المتخصصين بأن لتونس إمكانات مهمة لتطوير الشراكة في هذا القطاع، شريطة تغيير بعض القوانين في التعاطي مع ملف الاستثمار الأجنبي في القطاع الفلاحي وما يثيره من مخاوف على مستوى ملكية المستثمرين الأجانب لملكية الأراضي الفلاحية.
وفي المقابل تراجع الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة العام الماضي بنسبة 9.3 في المئة ليبلغ 490.5 مليون دينار (158.2 مليون دولار)، مقابل 540.6 مليون دينار (174.3 مليون دولار) في عام 2021. والسبب الرئيس في الانخفاض يعود بالأساس إلى المناخ الاجتماعي في مجال الطاقة وما رافقه من اعتصامات واحتجاجات في مناطق الإنتاج والحقول النفطية ما نفَر الشركات الأجنبية على رغم أن عام 2022 عرف فيه سعر النفط ارتفاعات مهمة كان من المفروض أن تشجع شركات التنقيب عن النفط أن تستثمر أكثر في البلاد. وبالمقارنة مع نتائج عام 2021 فقد تراجعت استثمارات الحافظة المالية (الاستثمار في البورصة) بنسبة 75.9 في المئة لتصل إلى مستوى ضعيف بقيمة 7.6 مليون دينار (2.4 مليون دولار) مقابل 31.5 مليون دينار (10.1 مليون دولار). وتجدر الملاحظة أن هيكلة الاستثمارات الخارجية تتوزع على 59 في المئة للصناعة، و22 في المئة للطاقة، و19 في المئة للخدمات.
100 مشروع جديد:- أظهرت بيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي أن تدفق نسق الاستثمارات الخارجية المباشرة على تونس خارج قطاع الطاقة خلال السنة الماضية تأتى من 530 عملية استثمارية بقيمة 1723.7 مليون دينار (556 مليون دولار) مكنت من توفير 13197 موطن شغل جديد. وتوزعت هذه العمليات الاستثمارية على 100 عملية تهم مشاريع جديدة منجزة بقيمة 136 مليون دينار (43.8 مليون دولار) وإحداث 4063 موطن شغل مباشر إلى جانب 430 عملية استثمارية تتعلق بتوسعة مشاريع منتصبة في تونس بقيمة استثمار بـ 1587.9 مليون دينار (512.2 مليون دولار) وفرت 9134 موطن شغل. ومن جانب آخر حافظت فرنسا على مركز الصدارة كأول دولة مستثمرة في تونس باستثمارات بقيمة 618.2 مليون دينار (199.4 مليون دولار)، تليها قطر بضخها لاستثمارات في حدود 291.2 مليون دينار (91 مليون دولار) جلها في قطاع السياحة، ثم إيطاليا في المرتبة الثالثة باستثمارها 232.2 مليون دينار (75 مليون دولار).
قدرات عالية بحاجة إلى الدعم:- وفي تعليقه على هذه البيانات أكد حاتم السويسي المدير العام بالنيابة لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي بأن تونس تتمتع بقدرات عالية جداً في مجال الاستثمارات الخارجية، ولكن هناك «تشويش» يعطل التقدم. وأوضح أنه على رغم أن المبالغ المالية المتأتية من الاستثمارات الخارجية المباشرة ليست عالية، لكنها تعكس أن تونس لا تزال موقعاً متميزاً للاستثمار ووجهة لعدد من المستثمرين الأجانب، وأنها على أجندات كبرى الشركات العالمية.
ولم ينف المسؤول أن المناخ السياسي السائد في البلاد أثر بشكل ملحوظ في نسق تدفق الاستثمارات الخارجية على تونس، التي لم تبلغ الأهداف المرسومة غير أنها تظل محترمة بالنظر إلى إمكانات البلاد.
وتابع بالقول «الوكالة تعمل على تشجيع الشركات الناشئة في تونس، وتعمل من خلال اللقاءات والندوات التي تنظمها وتمثيلياتها في الخارج على النهوض بالاستثمارات الخارجية، إما من خلال استقطاب استثمارات جديدة أو دفع أشغال التوسعة للاستثمارات الخارجية المنتصبة في تونس». وأشار إلى أن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي تركز عملها على ستة قطاعات لجلب المستثمرين الأجانب، وهي قطاع النسيج، ومكونات السيارات ومكونات الطائرات وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، والصناعات الدوائية والصناعات الغذائية. وأوضح أن الوكالة تحظى بخمسة مكاتب تمثلها في الخارج، ويغطي المكتب أكثر من بلد، وهي تغطي أوروبا كاملة تقريباً، وأضاف أن دفع الاستثمارات الخارجية في هذه القطاعات سيقوي النسيج الصناعي التونسي ويدفع الصادرات، ومن شأن ذلك تحسين وضعية الميزان التجاري وخلق مواطن الشغل.
مخطط استراتيجي:- كشف حاتم السوسي أن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي أعدت مخططاً استراتيجياً للفترة 2023/2025 بالتوازي مع إعداد البلاد مخططاً تنموياً خلال الفترة ذاتها، موضحاً أن تونس تستهدف جذب استثمارات خارجية مباشرة بقيمة أربعة مليارات دينار (1290.3 مليون دولار) في أفق عام 2025، إثر القيام بجملة من الإصلاحات في مقدمها تطوير مناخ الأعمال في تونس وحفز المستثمرين الأجانب. وأكد أن المخطط الاستراتيجي يرتكز بالخصوص على جذب المشاريع ذات البعد المندمج والمتكامل بعدم جعل المشاريع الخام الكبيرة بحاجة إلى توريد المواد والمستلزمات من الخارج، بل سيتم خلق نسيج من الشركات التي توفر لها هذه المستلزمات ربحاً للوقت والسرعة في توفير المواد الضرورية.

وكشف أيضاً أن المخطط الاستراتيجي يرمي إلى أنه في أفق عام 2025، ستكون تونس قادرة على استقطاب أحد مصنعي السيارات إثر توفير الأرضية الاستثمارية اللازمة.

صعوبات تطفو

وفي الأثناء طفت إشكالية كبيرة قد تعصف بالنتائج الإيجابية المسجلة تمثلت في خفض وكالة التصنيف الائتماني «موديز»، التصنيف السيادي لتونس من «caa1» إلى «caa2» مع آفاق سلبية وتصنيف البنك المركزي التونسي، المسؤول قانونياً عن المدفوعات المتعلقة بكل سندات الخزينة، إلى «caa2» مع آفاق سلبية.

ويعني التصنيف في خانة «Caa2» أن الدولة التونسية والبنك المركزي معرضان إلى مخاطر عالية على مستوى إمكان عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية.

وراجعت «موديز» تصنيف تونس نحو التخفيض، الجمعة، إثر بروز تهديدات تتصل بعدم القدرة على الحصول على تمويلات خارجية وغياب تمويل كامل، واعتبرت بالتالي أن التصنيف السابق لم يعد يتماشى مع الوضع الحالي للمخاطر.

وسيفضي التصنيف الجديد وفق المتخصصين إلى حصول صعوبات كبيرة من بينها بخاصة تأثر نسق تدفقات الاستثمارات الخارجية الوافدة إلى تونس بفعل الترقيم السيادي لتونس، إلى جانب وجود إمكان تراجع سعر صرف الدينار مقابل العملات الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى