اقتصاد دولي

الكباش بين الدولار الأميركي واليوان الصيني يربك اللبنانيين

بعد الحرب العالمية الثانية تربع الدولار الأميركي على عرش العملات الدولية وحظي بالثقة الأعظم من دول العالم. وعلى رغم تخلي أميركا عن ربط الدولار بالذهب عام 1971 استطاعت «توريط» دول العالم بعملتها، فبات الدولار يستحوذ على 60 في المئة من احتياطات النقد الأجنبي للدول.
ومنذ مطلع الألفية الثالثة بات المشهد الاقتصادي العالمي يشهد منافسة مع بروز الاقتصادي الصيني الذي بات الثاني بعد الأميركي، لا سيما أنه في عام 2016 نجحت الصين بتفاوضها مع صندوق النقد الدولي في جعل «اليوان» من العملات الدولية القابلة لتكون أحد مكونات الاحتياطات من النقد الأجنبي للدول، وهي خطوة مهدت للعملة الصينية لتضع قدمها على سلم الحضور في النظام النقدي والمالي العالمي. إلا أن أرقام صندوق النقد الدولي تشير إلى أن «اليوان» لا يزال بعيداً في سباقه عن الدولار، إذ لا يتجاوز 2.5 في المئة من حجم عملات الاحتياط في العالم، في حين يشكل الدولار وحده فيها 55 في المئة، يليه في ذلك اليورو 19 في المئة، كما أن نسبة استخدام «اليوان» في التعاملات التجارية العالمية لم تتخط نسبة 2.7 في المئة، وهي نسبة متواضعة مقارنة بالدولار الذي يحتل المرتبة الأولى، ويشكل 41 في المئة، يليه «اليورو» بنسبة 36.6 في المئة، في وقت يسيطر فيه الدولار على 80 في المئة من مبيعات النفط العالمية.
اهتزاز العرش:- وعلى رغم استمرار سيطرة الدولار على 60 في المئة من عملات الدفع العالمية والديون الدولية، و52 في المئة من مدفوعات القروض الدولية، فإن متخصصين اقتصاديين يرون أن «عرش» الدولار مهدد بالاهتزاز خلال الأعوام المقبلة، وذلك بسبب قدرة الصين على استقطاب اتفاقات ثنائية بتبادلات تجارية بالعملة الصينية، وعلى رأسها دول «بريكس»، مما يثير قلق وسائل دول صغيرة اقتصادها يعتمد على الدولار. وأعلن العراق أنه يخطط لتنظيم التجارة مع الصين مباشرة بـ»اليوان»، وهو إجراء اعتبره اقتصاديون صينيون خطوة غير مسبوقة لعولمة العملة الصينية، تمنح بكين وشركاتها قوة في أسواق النفط.
إرباك اللبنانيين:- هذه التحولات الاقتصادية أرخت بظلالها على لبنان الذي يعاني بالأساس أزمة حادة جعلت المواطنين يتخوفون على ضياع مدخراتهم بالدولار، الأمر الذي جعلهم يتهافتون على استبدال الذهب بها باعتباره ملاذاً آمناً، ومنهم من ذهب باتجاه الاستثمار بالعقارات. فمنذ أن أثير احتمال انتقال بعض الدول من «البترودولار» إلى «البترويوان» بدأ السجال يتوسع، لا سيما أن الاقتصاد اللبناني الضعيف يتأثر بالمتغيرات الإقليمية، مما تسبب بتضارب في الآراء بين الاقتصاديين والمتخصصين في النقد انعكس ضياعاً في قرارات المواطنين.
وفي رأي متخصصين فإن الإرباك الذي يسود بين اللبنانيين مبرر نتيجة معاناتهم من الأزمة الاقتصادية وأزمة احتجاز الودائع في البنوك من جهة، و»دولرة» الاقتصاد بشكل شبه كامل، الأمر الذي يجعل المواطن في مواجهة مباشرة مع أي انتكاسة يتعرض لها الدولار في ظل غياب فاعلية العملة المحلية ودور البنك المركزي الذي يعد في العادة حاجز دفاع أولياً عن الاقتصاد. ونتيجة لمخاوف المواطنين من خسارة مدخراتهم، شهدت الأسواق ارتفاعاً في الطلب على الذهب، حيث عمد الناس إلى استبدال الذهب بأموالهم المخزنة في المنازل، وخصوصاً في الفترة التي تلت إفلاس بعض المصارف الأميركية.
وكشف نقيب تجار الذهب والمجوهرات نعيم رزق أنه نتيجة كثافة طلبات الزبائن لشراء الأونصات بات لا يمكن تلبيتها في اليوم نفسه، بل تتطلب نحو ثلاثة أيام، علماً أنها في العادة متوافرة بالأسواق، مما أدى إلى ارتفع مستوى العمولة على الذهب غير المشغول.
وفي رأيه في حال ترجمة الاتفاقات الدولية، لجهة كسر احتكار الدولار في التبادلات التجارية، عندها ستقفز أسعار الذهب إلى مستويات كبيرة غير مسبوقة، بخاصة أن وتيرة شراء البنوك المركزية للذهب بأعلى مستوياتها منذ 55 عاماً.
سيناريو الذهب:- وفي هذا الإطار يكشف الصحافي الاقتصادي عماد الشدياق عن أن الظروف السياسية والاقتصادية في العالم اليوم، ولا سيما العسكرية – الاقتصادية القائمة بين روسيا والغرب قد تؤدي إلى قفزات غير مسبوقة في سعر الذهب الذي قد يقفز إلى قرابة 3.600 دولار في الحد الأقصى للأونصة، إذا ما اتخذت روسيا قراراً بمبادلة النفط بالذهب بديلاً من العملات الورقية.
ويرسم في هذه الحال سيناريو استفادة كبيرة للبنان الذي في رأيه سيراكم فائضاً في قيمة الذهب الذي يكتنزه المصرف المركزي (286 طناً)، والذي تناهز قيمته حالياً 18 مليار دولار، لتقفز قيمته إلى 36 مليار دولار عند مضاعفة السعر. سلوك مختلف:- في مقابل الهجمة على استبدال الذهب بالدولار، لوحظ سلوك مختلف تجاه العقارات، ففي السنوات الماضية كان الاستثمار بالعقارات والشقق السكنية مزدهراً ويشكل ملاذاً للهرب من التضخم، الأمر الذي لم يحصل وفقاً لنقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان وليد موسى، معتبراً أن الضبابية في الرؤية حول مستقبل القطاع في ظل عدم الاستقرار السياسي للبلاد تلعب دوراً سلبياً. وكشف عن أن الإنشاءات الجديدة شبه متوقفة، وسط اتجاه المستثمرين المحليين إلى الخارج، مشيراً إلى ارتفاع أسعار العقارات المثمنة بالدولار في بيروت والأحياء الراقية، كما أن الأسعار بشكل عام انخفضت من 25 إلى 60 في المئة بحسب المنطقة السكنية.
العملة الرابعة:- من جانبها، تخفف المتخصصة في الشأن الاقتصاد النقدي ليال منصور من احتمال تخلي الدول عن «الدولار» لمصلحة العملة الصينية، إذ برأيها لا يزال «اليوان» في المرتبة الرابعة على مستوى العالم، بعد الدولار واليورو والين الياباني، كما أنه على رغم ضخامة حجم الاقتصاد لا تتخطى التداولات بـ»اليوان» 2.7 في المئة من التداول العالمي.
ولفتت إلى أن الصين بدأت فعلياً في عقد شراكات مع بعض البلدان على مستوى العالم، من أجل التعامل بعملتها، مشيرة إلى أنه لا يمكن استبدال «اليوان» بـ»الدولار» الصيني، أو أي عملة تعتمد بصفة رئيسة على تدخل البنك المركزي في بلادها، مؤكدة أن هذه التدخلات قد تشمل خفض قيمة العملة، على غرار ما قامت به الصين في 2015، الأمر الذي يعكس «عدم قوة البنية التحتية الاقتصادية وغياب الشفافية التي تتمتع بها عملات مثل الدولار والجنيه الاسترليني والين الياباني».
وأضافت أن البنك المركزي الصيني لا يحظى بالاستقلالية الكاملة، وتتدخل الدولة في شؤونه، كما أن الصين تعد واحدة من أكبر المستثمرين في سندات الخزانة الأميركية بنحو تريليون دولار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى