مختارات اقتصادية

بعد أزمة سقف الدين .. إلى أين تتجه الأسهم الأمريكية في ظل تباين الرؤى؟

يرى محللون أن الأسهم الأمريكية تشهد انحسارا للمخاوف التي ظلت تلازم المستثمرين لأشهر وأبرزها التوصل إلى اتفاق لتجميد سقف الدين في الولايات المتحدة والبالغ 31.4 تريليون دولار بينما يرى آخرون أن مؤشرات الصعود ليست بالقوة الكافية بعد للتدليل على أننا حيال سوق صاعدة.
وشجع انحسار عوامل القلق التي لازمت الأسهم لأشهر بعض شركات وول ستريت على رفع توقعاتها للأسهم والسعي لجذب المستثمرين الذين ظلوا يتجنبون تكوين مراكز كبيرة في السوق.
تشجيع المستثمرين

ويرى البعض أن المؤشرات على قوة الاقتصاد والتقاط الأنفاس بفضل إبرام صفقة تجميد سقف الدين الأمريكي واقتراب دورة رفع أسعار الفائدة الأمريكية من نهايتها كلها تشجع المستثمرين وقادت المؤشر الرئيسي “ستاندرد آند بورز 500” للارتفاع نحو 20% من أدنى مستوياته العام الماضي والتي سجلها في أكتوبر مما يعني أننا أمام سوق صاعدة بموجب تعريف فني ومرحلة جديدة من استثمار الوفرة.
يؤكد ذلك أننا بصدد انتعاش قوي في سوق الأسهم بعد أن تسببت المخاوف من ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة والركود الذي كان يلوح في الأفق في دفع المؤشر بشكل مطرد للهبوط من ذروة سجلها في أوائل عام 2022.
ودخل المؤشر الذي يتابعه المستثمرون والرؤساء التنفيذيون للشركات عن كثب في سوق هابطة، التي تعرف بأنها انخفاض بنسبة 20% أو أكثر عن أعلى مستوى للمؤشر، في يونيو من العام الماضي وواصل التراجع حتى بلغ أدنى مستوى له في أكتوبر.
ويقول الخبراء إن مصطلح السوق الصاعدة والهابطة لا يعدو عن كونه اختصارا لحالة الاهتمام أو الخوف بين المستثمرين بشأن آفاق الشركات.
خلاف حول المفاهيم

ولكن بينما يميل المستثمرون إلى الاتفاق على المفهوم الذي يحدد أننا أمام بداية سوق هابطة، فإن هناك إجماعا أقل حول كيفية تحديد بداية السوق الصاعدة خاصة حينما تظل المخاوف التي أدت إلى تراجع سوق الأسهم في البداية قائمة.
ويقول محللون إن إحدى القواعد الأساسية هي أنه يجري التأكد من أننا أمام السوق الصاعدة الجديدة عندما يسجل مؤشر مستوى ذروة جديدا بعد أن يصعد من قاع السوق الهابطة. وبتطبيق هذا المقياس، فإن المؤشر “ستاندرد آند بورز 500” ما زال منخفضا بنسبة 10% عن بلوغ تلك العتبة.
لكن بعض المستثمرين يقولون إنه من الأسهل النظر إلى أي مكسب بنسبة 20% أو أكثر في مؤشر واسع النطاق مثل “ستاندرد آند بورز 500” باعتباره نقطة مفصلية مهمة، مع تطبيق هذا المعيار في نهاية يوم التداول.
وهناك أصول استثمارية بأكثر من 15 تريليون دولار تتتبع مكونات المؤشر “ستاندرد آند بورز 500” مقياسا لها وتحاكي تحركاته وفقا “لستاندرد آند بورز داو جونز إندسيز” التي تدير المؤشر.
وقال “جيمس ماسيريو” الرئيس المشارك لأسهم الأمريكتين لدى “سوسيتيه جنرال” إن الوضع “ليس مروعا… هناك مخاطر ركود بالتأكيد لكن سيكون علينا أن نرى كيف تتحقق على مدى عدة أشهر وحتى العام المقبل. لذلك من الناحية الفنية نحن أمام سوق صاعدة”.
ومع ذلك فإن ارتفاعا بنسبة 20% من قاع من الناحية الرياضية البحتة أقل أهمية من انخفاض بنسبة 20% من ذروة. ويفضل مستثمرون آخرون تقييما ينطوي على نظرة أوسع تشمل معنويات المستثمرين والنمو الاقتصادي واتجاه السوق.
ويقول “بيتر بوكفار” كبير مسؤولي الاستثمار لدى “بليكلي فايننشال جروب” إنه إذا “انخفض سهم من 10 دولارات إلى 5 دولارات ثم ارتفع إلى 6 دولارات. فنحن لسنا أمام سوق صاعدة جديدة”.
سيولة مكتنزة

على الجانب الآخر يقول محللون إن إحراز السوق لمزيد من المكاسب يعتمد على ما إذا كان المستثمرون الذين قلصوا مخصصات الأسهم إلى حد كبير خلال العام الماضي سيعودون لضخ استثمارات في السوق.
من ناحية أخرى يبدو أن السيولة المكتنزة وفيرة، فقد سجلت أصول صناديق النقد الأمريكية مستوى قياسيا جديدا عند 5.8 تريليون دولار الشهر الماضي، في الوقت الذي تظل فيه مستويات السيولة بين مديري الصناديق العالمية مرتفعة بالمقاييس التاريخية وفقا لأحدث استطلاع من “بنك أوف أمريكا جلوبال ريسيرش”.
وبينما تضخ الاستراتيجيات المعتمدة على نماذج الحوسبة المال داخل السوق منذ أشهر وفقا لبيانات “دويتشه بنك” فإن تكوين المراكز بين المستثمرين الذين يعتمدون على اتخاذ قرارات تقديرية عادة للبيع والشراء، وهي مجموعة تضم بقية أنواع المستثمرين من الصناديق المشتركة النشطة إلى مستثمري التجزئة، هي أقل مما كانت عليه بنسبة 74% منذ عام 2010 وفقا لما أظهرته بيانات البنك.
وقال “تشاك كارلسون” الرئيس التنفيذي لدى “هواريزون إنفستمنت سيرفيسيز” إنه “يبدو أن هناك بالتأكيد حلقة أكثر تفاؤلا نوعا ما حيال السوق… القوة الإضافية قد تنشئ المزيد من القوة بسبب عامل الخوف من تفويت الفرصة المعروف باسم (FOMO).
تبدد المخاطر
يبدو أن الأداء الأقوى من المتوقع للاقتصاد الأمريكي أحد أسباب تفاؤل المستثمرين، بعد أن أمضوا شهورا في الاستعداد لركود متوقع على نطاق واسع.
وأظهرت أحدث بيانات تسارع نمو الوظائف في الولايات المتحدة في مايو حتى في ظل ارتفاع معدل البطالة لأعلى مستوياته في سبعة أشهر مما يعزز موقف المراهنين على أن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) بمقدوره احتواء التضخم دون الإضرار بالنمو بشكل كبير.
وكتب “برايان بيلسكي” كبير محللي الاستثمار لدى “بي.إم أو كابيتال ماركتس” أن التضخم ينحسر على ما يبدو، “ومع ذلك فإن قوة سوق العمل الأمريكية ما زالت على حالها”.
وأضاف أنه بينما كان حدوث ركود حاد مصدر قلقه الأكبر في بداية العام، فإن “الصيغة المتوقعة للكارثة ببساطة غير حاضرة”.
رفع للمستويات المستهدفة

ورفعت “بي.إم.أو” السعر المستهدف للمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بحلول نهاية العام إلى 4550 نقطة من 4300. والمؤشر مرتفع قرابة 19.3% منذ أكتوبر الماضي.
ومن بين الشركات الأخرى التي أعلنت عن أهداف مرتفعة في الأيام الأخيرة كانت “إيفري كور آي.إس.آي” التي تتوقع حاليا أن يبلغ المؤشر “ستاندرد آند بورز 500” مستوى 4450 نقطة بنهاية العام ارتفاعا من توقعها السابق البالغ 4150، وكذلك “ستيفل” التي تتوقع أن يبلغ المؤشر نطاق 4400 نقطة بحلول الربع الثالث. ورفع “بنك أوف أمريكا” أواخر الشهر الماضي هدفه في نهاية العام للمؤشر إلى 4300 من 4000.
وتنفست الأسواق الصعداء أيضا مع تبدد خطر رئيسي آخر عندما أقر الكونجرس مشروع قانون لتعليق سقف الدين بعد أن كاد احتدام المواجهة بين الديمقراطيين والأمريكيين يدفع بالبلاد للتخلف عن السداد ويؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني للمرة الثانية في تاريخ الاقتصاد.
وقال “كيث ليرنر” كبير مسؤولي الاستثمار لدى “تروست أدفيزوري سيرفيسيز” إن “تجاوز سقف الدين وورود بعض البيانات الاقتصادية الجيدة على الأقل يكفي فعليا لإثارة اهتمام بعض الأشخاص”.
وعزز “ليرنر” توقعه للنطاق المستهدف للمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” هذا العام إلى 3800-4500 نقطة من 3400-4300 في السابق، مشيرا إلى تحسن اتجاهات أرباح الشركات بين عوامل أخرى.
في الوقت ذاته، تسببت مؤشرات على أنه من المستبعد أن يرفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة مجددا في ابتهاج المستثمرين. وتسببت الزيادات في هزة بالأسواق العام الماضي وقوضت جاذبية سوق الأسهم.

 

وأظهرت المراكز في سوق العقود الآجلة أن المستثمرين يتوقعون تثبيت مجلس الاحتياطي الاتحادي لأسعار الفائدة في اجتماع السياسة النقدية القادم في 13 و14 يونيو ورفعها مرة واحدة فقط في العام الجاري.
تشكك
بالطبع فإنه على الرغم من كل تلك المؤشرات ما زال هناك بعض المشككين.
وقال “جون لينش” كبير مسؤولي الاستثمار لدى “كوميركا لإدارة الثروات” إن المؤشر “ستاندرد آند بورز 500” قد يختبر مجددا أدنى مستوياته في أكتوبر إذا فرضت “أسعار الفائدة المرتفعة ومعايير الائتمان الأشد صرامة ضغوطا على النشاط الاقتصادي للفترة المتبقية من العام”.
تركز المكاسب

يقول المحللون أيضا إن ثمة إشارة أخرى مثيرة للقلق وهي حقيقة أن معظم مكاسب المؤشر “ستاندرد آند بورز” هذا العام كانت مدفوعة بعدد قليل من أسهم الشركات الكبرى مثل “مايكروسوفت” و”إنفيديا” والتي يغذيها جزئيا حالة الاهتمام الشديد بالتقدم المحرز في الذكاء الاصطناعي في حين أن قطاعات كبيرة أخرى من السوق تتسم بالضعف.
وأصبحت “إنفيديا” الشركة المصنعة للرقائق رمزا للحماس الجديد الناشئ حيال الذكاء الاصطناعي لأن أشباه الموصلات التي تصنعها الشركة تستخدم بشكل كثيف في التكنولوجيا.

وصعدت أسهم الشركة بنحو 170% منذ بداية العام مسجلة مكاسب اقتربت بقيمتها السوقية من تريليون دولار.
وبلغ متوسط مكاسب الأسهم الفردية المدرجة في “ستاندرد آند بورز 500” ما يقل عن 3% هذا العام وفقا لبيانات سوقية مقارنة مع مكاسب تزيد على 11% ككل للمؤشر.

ويرجع حوالي 90% من ارتفاع المؤشر إلى المكاسب الوفيرة لسبع شركات فقط من أكبر الشركات في السوق عموما وهي “أمازون” و”أبل” و”ميتا” و”مايكروسوفت” و”إنفيديا” و”تسلا” و”ألفابت” الشركة الأم لجوجل.
ويرى “هانز أولسن” كبير مسؤولي الاستثمار لدى شركة “فديوشري تراست” أن هذا مؤشر ينذر بالسوء.

ويعتقد “أولسن” أن مؤشرات مثل منحنى العائد المقلوب تكشف أن مخاطر الركود ما زالت “مرتفعة جدا” وأشار إلى أن شركته تبقي على مستويات أعلى من السيولة عن المعتاد.
وقال: “لدينا انتعاش قوي داخل سوق هابطة لم يتم إزاحتها بشكل كامل”.
ويتتبع المؤشر “ستاندرد آند بورز 500” أكبر الشركات المدرجة في الولايات المتحدة فقط. وعادة ما تكون الشركات الأصغر عرضة بشكل أكبر للتقلبات في الاقتصاد الأمريكي لأن الشركات الأكبر حجما تعول على الإيرادات من الخارج بقدر كبير.
وسجل المؤشر “راسل 2000” الذي يتتبع الشركات الأصغر مؤخرا مكاسب متواضعة بشكل أكبر من نظيره الذي يتتبع الشركات الكبرى. وانخفض المؤشر بأكثر من 30% من ذروته في نوفمبر 2021 إلى أدنى مستوى له في يونيو الماضي. منذ ذلك الحين ارتفع المؤشر بنحو 9%.
في المقابل، ارتفع المؤشر “ناسداك المركب” الذي تشكل فيه شركات التكنولوجيا وزنا أكبر بأكثر من 26% منذ بداية العام الجاري. ومع ذلك ما زال المؤشر منخفضا 20% تقريبا عن ذروته السابقة التي بلغها في 2021.
وقال “سمير سامانا” كبير محللي السوق العالمية لدى معهد “ويلز فارجو للاستثمار” إنه يعتقد أن “قاعدة العشرين بالمائة (هبوطا أو صعودا) يسهل على الناس اتباعها… لسوء الحظ تؤدي بعض ارتفاعات السوق الهابطة إلى إطلاق تلك العتبة، وهو ما نعتبره مؤشرا زائفا”.
من ناحية أخرى، يرى العديد من المستثمرين أن العائدات الوفيرة التي حققها سوق الأسهم لم تنعكس على أداء محافظهم الاستثمارية.

وبسبب وجود الكثير من القلق بشأن الركود المحتمل، يحتفظ مديرو الصناديق إلى حد كبير بمزيد من السيولة ويقومون بالتحوط في حيازاتهم ضد مخاطر السقوط السريع، مما يجعلهم يتخلون عن المكاسب لصالح المزيد من الأمان.
وتمكن ما يزيد قليلا على 27% من الصناديق التي تقوم شركة “مورنينج ستار” بتتبعها والتي تستند إلى “المؤشر ستاندرد آند بورز 500” في تكوينها من التفوق على المؤشر منذ بداية العام مقارنة مع قرابة 52% العام الماضي ومتوسط 40% منذ عام 2000.
وكونت صناديق تحوط ومستثمرين كبار مراكز ضخمة مراهنة على انخفاض المؤشر “ستاندرد آند بورز 500” وفقا لبيانات من “لجنة تداول السلع الآجلة”.
وقال “أندرو برينز” رئيس الدخل الثابت لدى “ناشونال آلاينس سيكيورينيز” إن الجميع كانوا يتبنون موقفا دفاعيا للغاية وأضاف “هناك الكثير من السيولة المجنبة، وهذا أمر مزعج للغاية بالنسبة لمديري الصناديق”.
بدائل أكثر جاذبية

على الرغم من التفاؤل حيال أداء سوق الأسهم الأمريكية، فإن بنك الاستثمار الأمريكي “مورجان ستانلي” يرى أن ثمة بدائل أكثر جاذبية في الوقت الحالي.
الأسهم اليابانية تمثل خيارا جذابا بعد أن ارتفعت لأعلى مستوياتها منذ 33 عاما وقد تحقق المزيد من المكاسب.

ويقول البنك إنه يبدو أن اليابان بلغت أخيرا نقطة إيجابية مع زخم إعادة فتح الاقتصاد المتأخر بعد جائحة كورونا والذي يتزامن مع الإصلاحات الهيكلية التي تهدف إلى تحفيز الاقتصاد.
وأضاف “بعد سنوات من انكماش الأسعار المعرقل، تشهد البلاد أخيرا بعض مستويات التضخم الإيجابية، لكنها ليست غير صحية، وقد يساهم التحول الجيوسياسي في ديناميكيات التجارة العالمية الأكثر ملاءمة لليابان”.
وقال البنك إن تقييمات سوق الأسهم جذابة مع متوسطات لمضاعف السعر إلى الربحية في نطاق بين 13 إلى 14.
الأسواق الناشئة
يقول البنك أيضا إن الأسواق الناشئة قد تقدم فرصة للمستثمرين. ويرى أن الصين وعلى الرغم من أنها قد لا تقدم حوافز جديدة للاقتصاد، فإن التضخم في البلاد تحت السيطرة بشكل جيد، كما أن المشكلات المتعلقة بسوق الإسكان تنحسر ويستمر الاستهلاك في التعافي.
وأضاف البنك أن النمو الاقتصادي في الصين يمكن أن يعزز الأسواق الناشئة الرئيسية الشريكة لبكين التي ربما تستفيد من المزيد من ضعف الدولار الأمريكي.
ويرى البنك أن السلع الأولية يمكن أن توفر تحوطا في المحافظ مما قد يعوض انخفاضا محتملا في الأسهم الأمريكية. وسجل المؤشر “ستاندرد آند بورز جي.إس.سي.آي” الأوسع نطاقا للسلع الأولية أدنى مستوياته في عام، كما أن السلع الأولية الشديدة التأثر بالاقتصاد على وجه الخصوص تبدو مستعدة لارتداد سعري. وتوقع “مورجان ستانلي” ارتداد في أسعار النحاس والنفط مما قد يدعم أسهم الشركات العاملة في قطاعات الطاقة والصناعة والعقارات.

 

المصادر: أرقام – رويترز – صحيفة نيويورك تايمز – مورجان ستانلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى