اقتصاد دولي

تضاعف نصيب اليوان في تمويل التجارة الدولية منذ بداية حرب أوكرانيا

زاد نصيب العملة الصينية، الرينمينبي «اليوان الصيني»، في تمويل التجارة الدولية بأكثر من الضعف خلال العام الأخير وذلك منذ بدأت الحرب في أوكرانيا.
وأرجع المحللون ذلك لزيادة استخدام اليوان بكثافة في تسهيل التجارة مع روسيا نتيجة العقوبات الاقتصادية المشددة المفروضة على موسكو إلى جانب ارتفاع كلفة التمويل بالدولار الأميركي.
وتشير بيانات تمويل التجارة من نظام المراسلات المصرفية الدولية «سويفت» المستخدم في المدفوعات ومنصات التمويل الدولية إلى أن نصيب اليوان من تمويل التجارة الدولية ارتفع من أقل من اثنين في المئة خلال فبراير (شباط) 2022 إلى 4.5 في المئة في فبراير الماضي، بحسب تحليل صحيفة «فايننشال تايمز» للبيانات والأرقام. ومع أن تلك النسبة تظل صغيرة مقارنة بنصيب الدولار الأميركي من تمويل التجارة الدولية الذي يصل إلى 84.3 في المئة، إلا أنها قفزة كبيرة في نصيب اليوان يجعله يقترب من نصيب اليورو في تمويل التجارة الدولية.
وكان نصيب الدولار تراجع العام الماضي عن 86.8 في المئة، بينما ظل نصيب اليورو في تمويل التجارة الدولية عند نسبة ستة في المئة، وهذا يعني أن الزيادة الكبيرة في نصيب اليوان جاءت على حساب نصيب الدولار الأميركي تقريباً.
أسباب الزيادة
وتسعى الصين منذ سنوات إلى زيادة الدور العالمي لعملتها الوطنية، لكن ذلك واجه عقبات كثيرة إما خارجياً بسبب تصدي الغرب لذلك أو داخلياً بسبب السياسات الحكومية الصينية التي تجعل عملتها في وضع جمود حين يتعلق الأمر بالمعاملات الدولية.
لكن هذا التطور خلال العام الأخير ربما يشير إلى معاودة بكين ذلك الجهد باتجاه دور أكبر لعملتها في النظام المالي العالمي، ويقول كبير الاقتصاديين في بنك سنغافورة منصور محيي الدين إن «هذه خطوة هائلة لليوان نحو الأمام، ومن الصعب التفكير في سبب وراء تلك الخطوة وهذا التغيير غير ما حدث مع الحرب في أوكرانيا».
مفرمة الدولار الأميركي تدهس اليوان الصيني وتطرق أبواب الأسهم
وغالبا ما يتم فتح اعتمادات التجارة، أي تقديم المقرضين تسهيلاً ائتمانياً لتبادل البضائع والسلع بين الدول بالدولار الأميركي، وبالطبع هناك عملات أخرى تستخدم في فتح اعتمادات الائتمان للتبادل التجاري ولكن بنسب أقل. ويخلص تحليل الصحيفة إلى أن هذه القفزة الكبيرة في نصيب العملة الصينية من خطوط التمويل الدولية تلك يمثل تحدياً واضحاً للغرب، بخاصة أن العقوبات الصارمة على موسكو تستهدف حظر الشركات الروسية من استخدم نظام «سويفت»، إلا أنه في ما يبدو أن استخدام تلك الشركات الائتمان باليوان الصيني يجعلها تلتف على الحظر.
لكن المؤسس المشارك لمجموعة الاستشارات «غافيكال دراغونوميكس»، التي تركز على متابعة الشؤون الصينية آرثر كروبر يقول إنه «من المحتمل أن القدر الأكبر من هذه الزيادة في نصيب اليوان من تمويل التجارة الدولية يتمثل في التجارة الروسية مع الصين التي تتم عبر وسطاء، أما مسألة أن روسيا محظورة من استخدام ’سويفت‘ فلا علاقة لها بالأمر».
ويضيف، «هناك كميات كبيرة من النفط الروسي تظهر في الصين قادمة من الشرق الأوسط وماليزيا»، ويشير كروبر إلى الزيادة الهائلة أخيراً في واردات بكين النفطية من ماليزيا منذ مارس العام الماضي والتي تفوق بكثير كميات القدرات الإنتاجية لماليزيا من النفط.
الجهود الصينية
وخلال السنوات السابقة على 2015 قام بنك الشعب «المركزي الصيني» بجهود متعددة لتدويل العملة الصينية، لكن في أغسطس (آب) من عام 2015 أدى خفض قيمة اليوان أمام الدولار إلى هرب رؤوس الأموال من الصين، وذلك ما جعل البنك المركزي يغير توجهه ويفرض قيوداً صارمة على رأس المال، مما أدى بالتالي لعرقلة الجهود الرامية إلى جعل اليوان عملة دولية بنصيب أكبر من النظام المالي العالمي.
ويشير تقرير الصحيفة إلى الزيادة الكبيرة في نصيب اليوان من تمويل التجارة الدولية لم تقابلها زيادة في استخدام العملة الصينية في المدفوعات الدولية التي تتم عبر نظام «سويفت» والتي يظل نصيبها منها عند نسبة اثنين في المئة، وربما يعود السبب في ذلك لأن روسيا مشتركة في نظام مدفوعات البنوك العابر للحدود «سيبس» الذي طورته الصين من قبل كبديل لنظام «سويفت».
وبلغ حجم التجارة بين روسيا والصين العام الماضي 185 مليار دولار، دفعت الشركات الروسية القدر الأكبر من ثمن تلك التجارة باليوان الصيني. وبحسب أرقام البنك المركزي الصيني فقد ارتفعت مدفوعات التبادلات التجارية على نظام «سيبس» إلى 97 تريليون يوان (14 تريليون دولار) عام 2022، بمعدل سنوي نسبته 21 في المئة».
ولا يقتصر الأمر على جهود الصين لجعل عملتها تحتل نصيباً متزايداً من التعاملات التجارية والمالية الدولية، بل هناك أيضاً سبب يتعلق بارتفاع سعر الفائدة على الدولار مما يجعل العملة أكثر إغراء في تمويل التجارة الدولية. وبينما رفع الاحتياط الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة على الدولار تسع مرات في العام الأخير، خفض بنك الشعب الصيني نسبة الفائدة على اليوان مرتين في تلك الفترة. وهكذا يجد المتعاملون في التجارة الدولية وأشكال الائتمان والاقتراض الأخرى أن التعامل باليوان أرخص كثيراً من التعامل بالدولار الذي ارتفعت كلفة الإقراض به بشدة من نسبة فائدة عند نحو صفر إلى خمسة في المئة.
ومن الواضح أن البنك المركزي الصيني الذي عاد مجدداً مع مطلع العام الماضي لخطط تعزيز مكانة العملة في التعاملات المالية الدولية غير طريقته السابقة، فبدلاً من التركيز فقط على تسعير السلع والخدمات المستوردة مثل النفط وغيره باليوان، أصبح يتبع مساراً مزدوجاً بالعمل أيضاً على تسهيل وصول المستثمرين الأجانب لأسواق الأوراق المالية الصينية، وكذلك زيادة نصيب العملة الصينية من اعتمادات تمويل التجارة الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى